مصر تتأقلم مع واقع وجود اللاجئين على أراضيها

تسوية أوضاع اللاجئين في مصر تخضع لمقاربات سياسية وأمنية وتعدد المتدخلين، دون تحديد إطار عملية القبول أو الرفض.
الخميس 2024/10/24
عملية تقنين أوضاع المخالفين ستستغرق وقتا طويلا

القاهرة – أقرت لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري مشروع قانون لجوء الأجانب، في خطوة تعتبر تراجعا عن تشدد سابق حيال اللاجئين، خاصة السودانيين والسوريين، وتستهدف لأول مرة إجراء حصر رسمي وواقعي لأعداد اللاجئين في البلاد بهدف تسوية أوضاعهم خلال عام من إقرار اللائحة التنفيذية للقانون.

وقال عضو بلجنة الأمن القومي إن القانون الجديد، بعد المصادقة عليه من جانب البرلمان، سيساعد في إعداد قاعدة بيانات دقيقة عن أعداد اللاجئين وجنسياتهم، وسبب اللجوء، وما إذا كانت شروط الإقامة مستوفاة أم لا، بما يساعد على تقديم الدعم لهم، وسداد مستحقات الدولة عليهم.

ويشير القانون الجديد إلى أن القاهرة بدأت تتأقلم تدريجيا مع بقاء اللاجئين على أراضيها، لأن عملية تقنين أوضاع المخالفين سوف تستغرق وقتا طويلا، وفي الوقت نفسه لا ترغب السلطات المصرية في أن تُقدم على ترحيلهم أو التعامل مع المخالفين منهم بطريقة تجلب لها منغصات سياسية وأمنية.

السلطات المصرية لا تملك حتى الآن أرقاما دقيقة عن أعداد اللاجئين، بسبب وجود نسبة هامة دون أوراق رسمية أو تسوية أوضاع

ويقضي القانون بإنشاء لجنة تسمى “اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين”، تتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون الجهة المسؤولة عن كل ما يخص اللاجئين، بعيدا عن التعامل مع الملف من خلال مؤسسات مختلفة، بما يُبقي الأوضاع دون حل مشكلة المخالفين.

وتتولى اللجنة، حسب القانون، جمع المعلومات والبيانات الخاصة بأعداد اللاجئين، والتنسيق بين الخارجية المصرية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وغيرها من المنظمات والجهات الدولية المعنية بهم، والمؤسسات الإدارية في مصر لضمان تقديم كل أوجه الدعم والرعاية والخدمات للاجئين.

ومع تفعيل العمل بالقانون سيُقدّم طالب اللجوء أو من يمثله قانونا، إلى اللجنة المختصة طلب اللجوء، على أن يتم الفصل فيه خلال ستة أشهر وما إذا كان قد دخل البلاد بطريقة شرعية، وفي حالة الدخول بشكل مخالف تكون مدة الفصل في الطلب سنة على الأقل، ومن يُرفض طلبه يتم إبعاده خارج البلاد.

ولا تملك السلطات المصرية حتى الآن أرقاما دقيقة عن أعداد اللاجئين، بسبب وجود نسبة هامة دون أوراق رسمية أو تسوية أوضاع، رغم أن مصر تستضيف نحو عشرة ملايين مقيم أجنبي، ونسبة كبيرة من هؤلاء يحملون جنسيات سودانية وسورية وفلسطينية ويمنية.

ويفترض أن المهلة التي حددتها الحكومة لتسوية أوضاع المخالفين من اللاجئين، انتهت رسميا مطلع يوليو الماضي، دون أن تقدم على ترحيل المقيمين غير الشرعيين، ومع إقرار القانون الجديد تبدأ مهلة جديدة لهؤلاء وسوف تستمر إقامتهم إلى حين البت في طلباتهم.

وترى دوائر سياسية في القاهرة أن إقرار قانون خاص باللاجئين يشير إلى أن السلطات تتمسك بالتعاطي معهم بشكل إنساني، وكجزء من الجبهة الداخلية، في ظل تحديات سياسية وأمنية معقدة، تتطلب التعامل معهم بحنكة وبلا خشونة.

opo

وظلت مسألة تسوية أوضاع اللاجئين في مصر تخضع لمقاربات سياسية وأمنية، بلا تحديد لإطار معين لعملية القبول أو الرفض، مع تشعب الجهات المتداخلة مع الملف، لكن مع إقرار قانون جديد من المتوقع توفير حل للراغبين في تصحيح أوضاعهم، وتجنب ترحيلهم خارج البلاد بشكل تعسفي.

وينص مشروع القانون على أن يلتزم اللاجئون وطالبو اللجوء السياسي بتسوية أوضاعهم خلال عام من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية التي تصدر خلال ستة أشهر من تاريخ الموافقة على القانون، ويجوز لرئيس الوزراء مد مهلة تسوية الأوضاع لمدة مماثلة.

ويعني ذلك أن اللاجئين المقيمين في مصر، بعيدا عن جنسياتهم وأسباب وجودهم داخل البلاد، أمامهم على الأقل عام ونصف العام من تاريخ المصادقة البرلمانية على القانون، للبت في تسوية أوضاعهم. وهي المهلة القانونية، تضاف إليها مدة إصدار اللائحة التنفيذية للقانون.

إقرار قانون خاص باللاجئين يشير إلى أن السلطات تتمسك بالتعاطي معهم بشكل إنساني، وكجزء من الجبهة الداخلية، في ظل تحديات سياسية وأمنية معقدة

وتعزز تلك المهلة الطويلة أمام اللاجئين الاستفادة من فرص العيش والعمل بشكل يتفق مع قوانين الدولة، ما يسهم في تحسين ظروف المقيمين بشكل غير شرعي، وضمان حقوقهم في الإقامة إلى حين تسوية أوضاعهم، حسب نصوص القانون الجديد.

وأكد المحامي المعني بشؤون اللاجئين والموظف السابق بالأمم المتحدة في القاهرة أشرف ميلاد أن قانون شؤون اللاجئين خطوة تأخرت كثيرا، لكنه مهم لمصر وضيوفها، وسيقود إلى الاعتراف باللاجئين قانونيا، وهذا في حد ذاته انتصار كبير لهم، خاصة أن القوانين المصرية لم يسبق لها أن تطرقت إلى صفة اللاجئ.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “القانون يتزامن مع انتهاء مهلة تسوية أوضاع اللاجئين، لأن الكثير من راغبي تقنين الإقامة يحصلون على مواعيد لفترة طويلة دون البت في أوراقهم، ولم يكن ممكنا ترحيلهم ولديهم نوايا حسنة، وهذا يعبر عن مرونة من جانب الحكومة لتسوية أوضاع اللاجئين غير الشرعيين”.

وقال محمود فوزي وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي إن مصر ستظل مقصدا لكل “مضطهد أو لاجئ أو مظلوم يبحث عن الأمان، وهذه مسؤولية تاريخية لن يتم التخلي عنها، والقانون الجديد مهم لتنظيم تواجد اللاجئين بشكل أفضل”.

وتحمل توجهات الحكومة المصرية تجاه ملف اللاجئين تغيرا جذريا، وانتقلت من الخشونة إلى المرونة، وهو ما يرتبط بإدراكها أنها إذا قررت ترحيلهم فسوف تخسر ورقة مهمة في الضغط على دول أوروبية في بعض القضايا الخلافية السياسية.

ويفسر ذلك ميل الحكومة ومجلس النواب إلى استخدام ملف اللاجئين كمصدر قوة لمصر، إقليميا ودوليا، ولو كان هؤلاء جزءا من أسباب الأزمة الاقتصادية في البلاد، لكن وجودهم يمكن توظيفه سياسيا لصالح الدولة بلا صدام مع أي جهة.

uyu

وما يعزز تلك الفرضية هو أن تمرير القانون من قبل لجنة الدفاع والأمن القومي جاء بعد مرور أسابيع على إجراءات حاسمة اتخذتها السلطات المصرية، والاتجاه نحو ترحيل أيّ لاجئ ومقيم غير شرعي دون استثناء لأيّ جنسية.

ومهما كانت الأهداف السياسية من القانون، يظل الشق الاقتصادي مهمّا؛ حيث ترغب القاهرة في الحصول من الاتحاد الأوروبي على المزيد من حزم التمويل، لمساعدتها على تحمل أعباء اللاجئين، إضافة إلى العوائد الدولارية التي سوف تجمعها، إذ يدفع المهاجر نظير الإقامة الشرعية نحو ألف دولار سنويا.

1