أمطار تقطع الطرق وتوقف الدراسة لكنها لا تطمئن المزارعين في الشمال الغربي لتونس

تونس - لئن كانت كميات الأمطار المسجلة في الأيام الأخيرة بعدد من المناطق التونسية مهمة وبنسب متفاوتة، فإنها لم تطمئن المزارعين شمال غرب البلاد، فضلا عن تسببها في قطع الطرقات وتوقف الدراسة بالمؤسسات التربوية.
ويؤكد خبراء أن تركز التساقطات في الفترة الأخيرة بجهات الوسط والساحل وجنوب شرق تونس، يكشف تغيرا واضحا في الخارطة المطرية التقليدية بالبلاد والتي كانت تشمل خصوصا إقليم الشمال الغربي الذي تتركز فيه أهم السدود، فضلا عن الزراعات الكبرى وإنتاج الألبان.
ولم تتجاوز كميات الأمطار في مختلف ولايات (محافظات) الشمال الغربي الـ10 مليمترات، في الشهرين الأخيرين، وهو ما أدى إلى تراجع مخزون السدود إلى 20.7 في المئة، وهي نسبة غير مسبوقة منذ بناء السدود في الستينات.
ويبدو واضحا أن تغير الخارطة المطرية، سيساهم أولا في تزايد تهديدات العطش في تونس، فضلا عن تداعياته السلبية على النشاط الزراعي بتلك المناطق.
وأفاد رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بباجة (شمال غرب) شكري الدجبي بأن “معدلات التساقطات تعتبر عادية خلال الثلث الأخير لشهر أكتوبر والشهر الثاني في الخريف مقارنة بالخمس سنوات الماضية ولكن أفضل من السنتين الماضيتين”.
وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “في ما يتعلق بالزراعات الكبرى فإن المزارعين مستعدون لما يعرف فلاحيا بالعوادة والحرث، إلا أن الأمطار التي نشهدها في الوسط والجنوب جيدة جدا بالنسبة إلى الأشجار المثمرة والزياتين. كما أن مخزون المياه في الشمال الغربي لا يحقق بعد حاجياتهم من المياه ومنسوبها بالسدود خاصة، وأن 80 في المئة من المياه المُجمعة على مستوى سدود الشمال الغربي والتي لم تتحسن بعد، تعتبر في وضعية صعبة جدا خاصة وأن الإيرادات من المياه ضعيفة ولا تتجاوز نسبة 20 في المئة”.
وأوضح شكري الدجبي أن “مزارعي باجة وما جاورها في انتظار تعبئة السدود، والتساقطات خلال شهري سبتمبر وأكتوبر بالنسبة للموسم هي طالع خير في انتظار تسجيل تساقطات أخرى خلال هذه الأيام والأشهر القادمة”، لافتا إلى أن “الموسم لم ينطلق باستثناء الأعلاف، ولأن زارعة الحبوب تنطلق من بداية نوفمبر إلى غاية العاشر من الشهر نفسه فإن المؤشرات للحرث والأرض تعتبر جيدة، بينما مشكلة المياه معزولة ولكنها مقلقة خاصة على مستوى السدود ومنسوب سيلان المياه”.
ووفق أرقام نشرها المعهد الوطني للرصد الجوي (حكومي) الأربعاء، سجلت ولايات شرق تونس كميات هائلة من الأمطار خلال 24 ساعة، بلغت في منطقة الوردانين بالمنستير 108 مليمترات، وفي القلعة الكبرى بسوسة 97 مليمترا، في حين سجلت أعلى كمية بسد وادي الرمل بولاية زغوان (جنوب العاصمة تونس) بـ189 مليمترا.
ونتيجة الاضطرابات الجوية أعلنت السلطات المحلية الثلاثاء تعليق الدراسة في 5 ولايات هي سوسة والمنستير والمهدية وصفاقس (شرق)، وقابس (جنوب شرق).
وتعاني تونس منذ 3 سنوات موجة جفاف حادة، إذ انخفضت نسبة امتلاء السدود منتصف أكتوبر الجاري إلى 21 في المئة، وتسري في البلاد إجراءات رسمية لترشيد استخدام مياه الشرب.
وأفاد الخبير في الموارد المائية حسين الرحيلي بأن “تونس تشهد تحولات مناخية، والخارطة المطرية التقليدية انتهت (إقليم الشمال الغربي بولايات باجة وجندوبة والكاف وسليانة)، حيث إن هذا الإقليم لم يبلغ معدل التساقطات فيه بين شهري سبتمبر وأكتوبر سوى 30 في المئة، وتراوحت نسب التساقطات في مناطقه بين 3 و10 مليمترات، وهذا لا يمكّن من سيلان الأودية وبالتالي إنعاش مخزون السدود”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “ضعف التساقطات بتلك الجهات ستكون له تداعيات سلبية خصوصا على القطاع الزراعي، لاسيما وأن أهم التساقطات سجّلت بجهات الساحل والوسط والجنوب الشرقي”.
ولفت الرحيلي إلى أن “السدود التقليدية لم تعد لها جدوى في تخزين المياه، بل يجب التفكير في حلول جديدة تتماشى مع تغير الخارطة المطرية مثل بناء سدود صغيرة بمواصفات جيدة والنظر في طرق تجميع المياه بالمناطق العمرانية، لأن الظروف المستقبلية ستفرض علينا أيضا تغيير الخارطة الزراعية، على عكس تلك المعتمدة منذ ستينات القرن الماضي”.
وبلغت نسبة امتلاء السدود 20.8 في المئة من قدرتها حتى الأربعاء، وفق ما أظهرته معطيات نشرها المرصد الوطني للفلاحة.
وتراجعت المدخرات من المياه في السدود التونسية بنسبة 12.1 في المئة وقدّرت هذه الكميّات بـ489.37 مليون متر مكعب مقابل 556.437 متر مكعب قبل ذلك بسنة.
وقال أنيس الخرباش، الخبير في المجال الزراعي، “الأمطار مهمة لقطاع الزياتين والأعلاف الخضراء وخصوصا لمربي الأبقار في ولايات الوسط (القيروان وسيدي بوزيد)”.
وأكد لـ“العرب” أن “موسم البذر يبدأ في الأول من نوفمبر المقبل، لكن هناك تغييرا في الخارطة الزراعية، ومخزون السدود غير مطمئن حتى للشرب، والزراعة ما زالت مهددة، خصوصا وأننا لا نحصل إلا على ما بين 10 و15 في المئة من مياه الأمطار، وبالتالي وجب بناء سدود جديدة شرق البلاد مع حلول لربط السدود ببعضها”.
ولفت الخرباش إلى أنه “تمت برمجة زراعة مليون و147 ألف هكتار هذه السنة، منها حوالي 800 ألف هكتار في الشمال الغربي أي ما يعادل 75 في المئة من المساحات المزروعة في كامل أنحاء البلاد”.
ومقارنة بمتوسط الكميات المسجلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة فإنّ هذا التراجع يعد الأهم اعتبارا إلى أن هذه الكميّات تقدر بحوالي 21 في المئة من القدرة الجملية للسدود.
وبلغ معدل امتلاء السدود في الشمال نسبة 24.3 في المئة. وتمثل المياه بهذه السدود حوالي 91 في المئة من مجمل المخزونات. ويحتوي سدا سيدي سالم وسيدي براق على 35 في المئة من المياه السطحية المخزنة في البلاد.
ولم يتجاوز مستوى امتلاء سدود الوسط والوطن القبلي على التوالي 8.8 في المئة و5.6 في المئة من قدراتها.