وزارة الداخلية التونسية تفتح مواجهة مع مروجي المخدرات

فتحت وزارة الداخلية في تونس مواجهة مع مروجي المخدرات ومستهلكيها، وذلك بعد تنامي الظاهرة في مختلف الأوساط التربوية والاجتماعية، في وقت يرى فيه خبراء أن المقاربة الأمنية لم تعد كافية، بل وجب تضافر كل الجهود والبحث عن مقاربات جديدة للتصدي لها.
تونس - كثفت الأجهزة الأمنية في تونس خلال الفترة الأخيرة من جهودها للتصدّي لظاهرة استهلاك المخدّرات وترويجها بالمجتمع التونسي، وضاعفت من حملاتها الأمنية في مختلف مناطق البلاد، في مسعى للحدّ من الظاهرة التي أصبحت تنخر المجتمع أكثر من أي وقت مضى. ولم يخف مراقبون حقيقة انتشار الظاهرة في الأحياء الشعبية والشوارع ومحيط المؤسسات التربوية، وهو ما يعتبر خطرا محدّقا خصوصا بالمراهقين والشباب.
في المقابل، يؤكد هؤلاء أن اعتماد تونس على المقاربة الأمنية في مكافحة انتشار المواد المخدرة في مختلف الفضاءات الاجتماعية لا يكفي، بل تتطلب تضافر جهود مختلف مؤسسات الدولة بالاشتراك مع المجتمع المدني للقضاء على الظاهرة.
وشهدت المؤسسات التربوية في تونس، خلال الأعوام الأخيرة، تفشي آفة ترويج وإدمان المخدرات، مما بات يهدد الناشئة في البلاد، حيث تثير هذه القضية تساؤلات في الأوساط التونسية بشأن أسباب تفاقمها وتداعياتها المحتملة على التلاميذ.
وكشف مدير إقليم الأمن الوطني ببن عروس (شمال) عماد مماشة، الخميس، عن أرقام مفزعة لكميات المخدّرات التي تمّ حجزها خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الجاري، مشيرا إلى أنّ العديد من هذه المخدّرات تروّج في صفوف التلاميذ خاصة عدّة أنواع من الأقراص المخدّرة.
وأشار العميد عماد مماشة في تصريح لإذاعة محلية، إلى أنّ أنواع الأقراص المخدّرة المروّجة في الوسط المدرسي تحدث تلفا في أنسجة الدماغ وقد تؤدي إلى الجنون، كما تجعل هذه الأقراص مستهلكها متوحشا وقادرا على القتل والاغتصاب والإتيان بأفعال دون ضوابط وأخلاق.
وتابع مماشة أنّ وزارة الداخلية لن تدخر جهدا في مكافحة هذه الآفة ضمن مقاربة شاملة وبناء على “دراسة معمقة” للظاهرة وأسبابها وطرق معالجتها التي لا تقتصر على المعالجة الأمنية وفق تصريحه. وكانت نتائج مسح للمعهد الوطني للصحة في عام 2023، كشفت أن أكثر من 16 في المئة من التلاميذ المستجوبين يجدون سهولة في الحصول على مواد مخدرة، فيما تقدر نسبة استهلاك التلاميذ ولو مرة واحدة للأقراص المخدرة 8 في المئة.
وبحسب نتائج هذا المسح الذي استهدف الشريحة العمرية بين 13 و18 سنة، فإن استهلاك التلاميذ للمخدرات تضاعف خمس مرات خلال العقد الأخير، حيث قفز من 1.3 في المئة في 2013 إلى 8.9 في المئة في 2023. وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني “الظاهرة دائما مرتبطة بما بعد أحداث 2011، حيث تم إغراق السوق التونسية بالمخدرات، وقبل ذلك التاريخ كانت تونس بلد عبور نحو أوروبا”.
وأكد لـ”العرب”، “هناك عملية ممنهجة لتدمير المجتمع التونسي، وتم استهداف الفئة الشبابية، واليوم 15 في المئة في الوسط التربوي استهلك على الأقل مرة واحدة مواد مخدرة، وذلك المشروع التدميري ساهمت فيه بعض وسائل الإعلام، وغياب دور الأسرة والمجتمع المدني، فضلا عن غياب البرامج التوعوية”.
ولفت الشيباني إلى أن “المخدرات والاتجار بالبشر من روافد ظاهرة الإرهاب، وضروري أن تكون هناك معالجة أمنية”، مشيرا إلى أن “جرائم القتل المتزايدة اليوم وخصوصا النساء أكثر من ارتكبها مستهلكون للمخدرات”. وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن اتهم من وصفهم بـ”اللوبيات التي تريد تحطيم الدولة والمجتمع بالمخدرات”، وتعهد بوضع سياسة كاملة لمكافحة الظاهرة، متسائلا “كيف تصل المخدرات إلى التلاميذ والمدارس؟”.
وكان سعيد قد أكد في سبتمبر الماضي، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء، على المزيد من تكثيف المجهودات الأمنية في محيط كل المؤسسات التربوية لحماية التلاميذ من كل المخاطر، سواء تلك المتعلقة باستهلاك المخدرات أو من العنف الذي يمكن أن يستهدفهم في تنقلهم. وأفاد الخبير في علوم التربية فريد الشويخي بأن “الحلول الأمنية لا تكفي لمعالجة الظاهرة بقدر أهمية الحلول التوعوية والتربوية من المؤسسات التربوية والمجتمع”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الظاهرة موجودة في الشارع والحيّ ومحيط المؤسسات التربوية، والبيئة الاجتماعية لم تعد حاضنة مثل السابق، كما أن المدرسة لم تعد تلعب دورها كما يجب”. وتابع فريد الشويخي “هناك أرقام لوزارة المرأة والأسرة في تونس تؤكد أن 94 في المئة من المراهقين (بين 12 و15 سنة) يستهلكون مواد مخدرة".
ويرى مراقبون أن تجارة المخدرات شهدت تطورا لافتا، حيث تحولت تونس من منطقة عبور لتجار ومهربي المخدرات بين الجزائر وليبيا أو بين أوروبا والجزائر أو بين تونس وتركيا، إلى سوق سوداء لمختلف المواد المخدرة وخاصة القنب الهندي، والأقراص المخدرة بكل أصنافها وأنواعها.
ويقر القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بمكافحة المخدرات في تونس عقوبات سجنية تتراوح بين عام والسجن مدى الحياة، وتختلف العقوبات باختلاف الجريمة المرتكبة، سواء استهلاك أو ترويج أو تكوين وإدارة عصابات. وفي الثلاثين من يونيو 2024، أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن تفكيك شبكة دولية تنشط في مجال تهريب المخدرات وحجزت 1050 صفيحة من مخدّر القنب الهندي وحوالي 35 ألف قرص مخدر.
وفي وقت سابق، قالت نجاة عرعاري الأستاذة في علم الاجتماع إنّ “استهلاك وترويج المخدرات آفة اجتماعية موجودة منذ سنوات في تونس لكنها تضاعفت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ". وأوضحت في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “ظهور الآفات وانتشار الظواهر عادة ما يقترنان بالأزمات الاقتصادية التي ينتعش فيها سوق الأسلحة والمخدرات”.
وأرجعت المختصة في علم الاجتماع أسباب تضاعف نسب تعاطي المخدرات في صفوف المراهقين إلى عدة أسباب، أولها توفّر المخدّرات في كل مكان في تونس حتى في الوسط المدرسي، وهي توشك أن تصبح من العادات اليومية للمراهقين، إضافة إلى غياب التعاطي الجدي مع هذا الموضوع من طرف الدولة، رغم مساعي المجتمع المدني. كما تحدّثت عرعاري عن السياسة العمومية للدولة التي أبقت فقط على المقاربة الأمنية لمكافحة هذه الآفة، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه المقاربة شاملة تنطلق من الوقاية والإدماج وتشريك الشباب في توعية الشباب.