بعد الخطاب الأخير لنائب أمين عام حزب الله.. هل تفصل الساحات

خطاب نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم، يدل على نية الحزب الابتعاد عن حماس في الوقت الراهن. ربما تكون هناك صفقة منفردة مع حزب الله لينأى بنفسه عن مساندة غزة، وهذا مرده إلى أن إيران أدركت لاحقًا أنها في طريق يبدو لا يسعفها، وأن الحرب الدائرة اليوم في غزة ولبنان ليست من مصلحتها. هذا إلى جانب الضغط الأممي على إيران لكي تفصل الساحة اللبنانية عن غزة. وقد قلنا قبل ذلك إن هذه الأفكار الإيرانية لم تكن بعيدة الأثر.
ولا يخلو منحى هذا المقال من أن لبنان، كما هو معروف لنا جميعًا، بطحاء للصراع الداخلي منذ العام 1975 حتى اليوم. وهذا مرده إلى التركيبة السكانية والطائفية فيه، فضلًا عن التدخل الدولي في شؤونه الداخلية. فالعالم حريص، وخصوصًا الاستعمار القديم للبنان “فرنسا” والولايات المتحدة لاحقًا، على أن يبقى لبنان في هدوء تام بفضل الثقل المسيحي فيه، وموقعه الإستراتيجي الهام. ومن النصوص التاريخية نأتي إلى الوقائع؛ التدخلات الدولية في لبنان تجري لأن هذا البلد تنطبق عليه مقولة الدولة الحاجز، والتي تعرف بأنها دولة تقع وسط منطقة مواجهات إستراتيجية بين قوى إقليمية أو دولية، وتتميز بوجود سلطة هشة يرافقها تشرذم اجتماعي.
والراهن أن إسرائيل ماضية في تحقيق أهدافها في لبنان. لقد جاءتها فرصة ذهبية تتمثل في تقويض قدرات حزب الله، فضلًا عن تطبيق قرار 1701 الذي ينص على مطالبة الحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة “اليونيفيل” بنشر قواتهما في مناطق الجنوب فور وقف إطلاق النار، مع مطالبة حكومة إسرائيل بسحب جميع قواتها من جنوب لبنان بشكل موازٍ مع بدء نشر القوات اللبنانية وقوات الأمم المتحدة، بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية وممارسة سيادتها عليها وفق أحكام القرار 1559 والقرار 1680 لعام 2006، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، ومنع تداول الأسلحة أو استخدامها دون موافقة الحكومة. غير أن سؤالًا بقي يلح بعد خطاب نعيم قاسم: هل يوافق حزب الله على تطبيق بنود الاتفاق رقم 1701 وترك غزة في الساحة لوحدها؟ لا شك أن الحرب الدائرة رحاها اليوم في غزة منذ عام تقريبًا، ولاحقًا في لبنان، تركت آثار دمار كثيرة على صعيد القتل وإراقة دماء الأبرياء في غزة، وتدمير البيوت والجامعات والمساجد والكنائس، وتعطيل المنظومة التعليمية للسنة الثانية على التوالي.
◄ ملخص الحكاية، طهران بدأت تتململ وردود قيادتها العسكرية والسياسية لا تشي بأنها ماضية في مواصلة دعم أذرعها في المنطقة، وهذا يعني أنها بدأت تتخلى عن حلفائها تدريجيًا
وفي لبنان نزح ما يقارب المليون لبناني من الجنوب إلى الشمال، وإلى مناطق أخرى متفرقة من لبنان. هذا الحال دفع بالحكومة اللبنانية للتحرك العاجل من أجل إيقاف الحرب ومنع إراقة الدماء كما جرى في غزة. فحزب الله المدفوع من إيران لخوض غمار هذه الحرب يدرك خطورة ما يجري اليوم في الجنوب اللبناني. يحضرني هنا ما صرح به زعيم حزب الله السابق حسن نصرالله بعدما وضعت الحرب بين إسرائيل وحزب الله أوزارها عام 2006، حيث قال: “لو كنت أعلم بأن هذه الحرب ستكلف لبنان هذه الخسائر ما خضتها”، وهذا دليل على أن حزب الله قد فرضت عليه هذه الحرب رغما عنه.
مفاتيح إنهاء الحرب في لبنان بيد طهران وإسرائيل، وليس بيد حزب الله. كما يبدو أن طهران لا تريد أن توسع نطاق الحرب، وإذا نجحت الولايات المتحدة في مساعيها للضغط على إسرائيل بتجنب المفاعل النووي في إيران تكون قد حققت أمرًا مهمًا وهو عدم توسيع نطاق الحرب لتكون حربًا إقليمية. وهذا في تقدير المراقبين صحيح، فالولايات المتحدة لا تروم توسيع التوترات في الإقليم وهي على أبواب انتخابات رئاسية في غضون الأسابيع القادمة.
اليوم بات لنا أن نعثر على ما توسوس به نفس نتنياهو، حيث يعتبر أنه حقق رزمة أهداف منها تصفية الصف الأول في حزب الله، وبعض قيادات حماس، على رأسهم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، ونائبه. كما يعتبر نتنياهو أن سيطرته على عمق 2 كيلومتر من مساحات غزة من جميع الجهات وتقسيم القطاع إلى شطرين إنجاز يدون في سجله. أما في لبنان، إذا صارت الأمور كما يريد وحسب الاتفاق 1701، فإنه يكون قد أنجز ما كان يصبو إليه.
ملخص الحكاية، طهران بدأت تتململ وردود قيادتها العسكرية والسياسية لا تشي بأنها ماضية في مواصلة دعم أذرعها في المنطقة، وهذا يعني أنها بدأت تتخلى عن حلفائها تدريجيًا. أما في ما يتعلق بالهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، فهي لحفظ ماء الوجه فقط. سينتهي الفصل بمأساة سوف ندفع نحن ثمنها. بعد كل حساب، لا نزال وحدنا إلى إشعار آخر. وفي وسع المرء أن يتذكر قول الشاعر محمود درويش: “ستنتهي الحرب، ويتصافح القادة، وتبقى تلك العجوز تنتظر ابنها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل. لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيت من دفع الثمن”.