الانتخابات الرئاسية في تونس تجسد صراعا بين المستقلين والمتحزبين سياسيا

كشفت ملامح السباق الانتخابي الرئاسي في تونس تنافسا سياسيا بين منظومتين، الأولى مستقلة وتتقاطع مع توجهات الأحزاب، يمثلها الرئيس الحالي قيس سعيد، والثانية لشخصيات سبق وأن تقلدت مناصب حزبية، من خلال مترشحين اثنين انتميا إلى منظومة الأحزاب بعد 2011، في انتظار الحسم في السادس من أكتوبر المقبل.
تونس - جسدّ الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في تونس المزمع إجراؤه في السادس من أكتوبر المقبل، صراعا واضحا بين أطراف مستقلة سياسيا وأخرى متحزبة، كرستها ثلاث شخصيات ستخوض السباق.
ويتقدم للاستحقاق الانتخابي، ثلاثة مرشحين، وهم حسب الترتيب المقدم من هيئة الانتخابات، العياشي زمال (رقم 1) وزهير المغزاوي (رقم 2) وقيس سعيد (رقم 3).
ويمثل الرئيس الحالي قيس سعيد، القادم من خارج منظومة الأحزاب (مستقل)، نظام 25 يوليو 2021، حيث فرض إجراءات استثنائية شملت حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.
ويجد سعيد نفسه مرشحا فوق العادة للمرور إلى الدور الثاني في ظل حيازته شعبية مهمة بسبب الحرب على الفساد الذي يعرقل مسار الإصلاح.
في حين ينتمي المرشح العياشي زمال إلى زمن حكم حركة النهضة بعد 2011، وهو محسوب على نداء تونس و”تحيا تونس” الذي ترأسه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد. وكان زمال يراهن على دعم جمهور النهضة والتجمع وعبير موسي وقوى مدنية غاضبة على قيس سعيد.
أما المرشح الثالث، فهو زهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب، الذي انحاز إلى قيس سعيد قبل 25 يوليو 2021 وبعده، على أمل أن يحوز ثقة قيس سعيد وتستفيد حركته من هذا التقارب بأن تكون شريكا في السلطة، لكن هذا لم يحصل، وهو ما دفع المغزاوي إلى الإدلاء بتصريحات شديدة اللهجة في تصريحاته الأخيرة ضد قيس سعيد وضد مرحلة حكمه.
ويقول مراقبون، إن المحطة الانتخابية المرتقبة، طرحت تساؤلات لدى أوساط سياسية وشعبية بشأن من ستكون له الكلمة في هذا الصراع، في ظل الاختلاف في التوجهات والعائلات السياسية.
وتضيف تلك الأوساط، هل أن الأحزاب كتنظيم هيكلي وسياسي كلاسيكي مازالت قائمة في المشهد التونسي رغم تهميش دورها في السنوات الأخيرة واستبعادها من صناعة القرار، أم سيجد التونسيون أنفسهم أمام نموذج جديد يكرس الاستقلالية السياسية، وهو ما يمثله الرئيس قيس سعيد، القادم من خارج منظومة الأحزاب والذي فرض نفسه كخيار يمكن المراهنة عليه بعد مرحلة من “التناحر” الحزبي.
وترى بعض الوجوه السياسية أن الصراع السياسي القائم في تونس حاليا بين جيل قديم يرفع شعارات أيديولوجية ويريد الانتصار عبر التفريق، وفئات شبابية تعيش حالة من العطالة وترى أن تونس يمكن أن تتحول إلى دولة عصرية يتم فيها التنافس على أفكار وبرامج”.
ويواصل المرشحون حملاتهم الانتخابية، في ظل توتر سياسي بسبب الجدل المثار بسبب رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية، والتي قضت بإعادة مرشحين إلى السباق الرئاسي.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت، “مبدئيا مسار 25 يوليو وانتخابات 2019 أيضا منعطف، بما في ذلك بروز الرئيس قيس سعيد، وهو ما يترجم الأزمة الهيكلية للأحزاب في تونس، وباتت أقرب إلى تكتلات نفعية”.
وأكد لـ”العرب”، “بروز المستقلين كعنوان سياسي بديل عن التأزم الحزبي ووضع متصلّب للهياكل الحزبية، وهو ما يؤكد وجود حالة استثنائية، لأنني لا أؤمن أن شخصا بمفرده يمكنه قلب موازين القوى، ووراء كل مستقل ناجح قوة وتنظيم يدفعانه نحو السلطة والمؤسسات”.
وأضاف ثابت “الشخصية المستقلة (قيس سعيد) سيواصل لأنه مطروح داخليا وخارجيا، ومعطيات الوضع الراهن تؤكد أن الرجل سيواصل”.
ووفق متابعين، فإن ملامح المشهد السياسي في تونس بدت واضحة بعد مسار 25 يوليو، خصوصا وأنه حدث أنتج فرزا سياسيا واضحا، وتأكد تدريجيا قبيل الانتخابات لينتج مشهدا سياسيا جديدا يتألف من جبهة سياسية وشخصيات مستقلة تدعم سعيد، مقابل جبهة معارضة لتلك التوجهات.
وتتكون الجبهة السياسية المساندة لسعيد أساسا من أحزاب التيار الشعبي، والوطد شقّ منجي الرحوي، وحركة تونس إلى الأمام، وتيار 25 يوليو، أما الجبهة المعارضة فتتكون من جبهة الخلاص الوطني وشخصيات حقوقية ومدنية، ترفض اصطفاف حركة النهضة ضمن توجهاتها.
وأكد الناشط السياسي حاتم المليكي أن “الرئيس قيس سعيد يمثل منظومة 25 يوليو، وهناك صراع بين النظام القائم (دستور 25 يوليو 2022 والمؤسسات الجديدة)، ومترشحين موجودين في منظومة سياسية قديمة”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب”، “ما يحدث في تونس اليوم لا يختلف عمّا حدث في سنة 1974 عندما انتهى الصراع لفائدة الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة، وأيضا في سنة 1999، عندما تم التمديد للرئيس السابق الراحل زين العابدين بن علي”.
وتابع المليكي “الصراع الحقيقي في تونس ما بين جيلين، جيل قديم يرفع شعارات أيديولوجية، وشباب يعيش حالة من العطالة ويرى أن تونس يمكن أن تتحول إلى دولة عصرية يتم فيها التنافس على أفكار وبرامج”. واستطرد المليكي قائلا “مازلنا نعيش في عهد النظام القديم، منذ استقلال البلاد في العام 1956”.
ولم تعد الفئات الشعبية في تونس تهتم بالخطابات السياسية وشعاراتها “الرنانة” كما اعتادت في السابق، بل باتت تساند من يبدي استعدادا واضحا لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يعزّز الرصيد السياسي لسعيد في الفوز بولاية ثانية.
وتتهم أحزاب المعارضة، التي يقبع عدد من قادتها في السجن، حكومة سعيد بممارسة ضغوط على القضاء لتعقب منافسيه في الانتخابات وتمهيد الطريق أمامه للفوز بولاية ثانية.
وانتخب قيس سعيد في عام 2019، وحل البرلمان في عام 2021 وبدأ الحكم بالمراسيم في خطوة وصفتها المعارضة بأنها انقلاب. وقال إنه لن يسلم السلطة لمن يسميهم “غير الوطنيين”.