فرز سياسي كبير قبل الانتخابات الرئاسية في تونس

أحدثت الإجراءات الاستثنائية للرئيس التونسي قيس سعيد منذ أكثر من ثلاث سنوات، حراكا سياسيا متواصلا في مختلف التشكيلات السياسية والتنظيمات المدنية بالبلاد، وبدا ذلك يتجلّى تدريجيا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يرافقها فرز سياسي كبير.
تونس - مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المزمع إجراؤه في تونس في السادس من أكتوبر القادم، يتنامى منسوب الحراك السياسي للأحزاب والشخصيات السياسية بشأن مساندة مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021 ومن ورائه الرئيس قيس سعيد من عدمها.
ويرى متابعون للشأن التونسي أن الفرز السياسي الذي انطلق آونة إعلان الرئيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية، أصبح يتزايد تدريجيا قبيل الانتخابات لينتج مشهدا سياسيا جديدا يتألف من جبهة سياسية وشخصيات مستقلة تدعم سعيد، مقابل جبهة معارضة لتلك التوجهات لكنها متنافرة هي الأخرى.
وتتكون الجبهة السياسية المساندة لسعيد أساسا من أحزاب التيار الشعبي، والوطد شقّ منجي الرحوي، وحركة تونس إلى الأمام، وتيار 25 يوليو، أما الجبهة المعارضة فتتكون من جبهة الخلاص الوطني وشخصيات حقوقية ومدنية، ترفض اصطفاف حركة النهضة ضمن توجهاتها.
ويواصل المرشحون حملاتهم الانتخابية التي انطلقت الأسبوع الماضي، في ظل توتر سياسي بسبب الجدل المثار بسبب رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية، والتي قضت بإعادة مرشحين إلى السباق الرئاسي.
ويتقدم للاستحقاق الانتخابي، ثلاثة مرشحين، وهم حسب الترتيب المقدم من هيئة الانتخابات، العياشي زمال (رقم 1) وزهير المغزاوي (رقم 2) وقيس سعيد (رقم 3).
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “الفرز بدأ منذ إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، وهناك من ساند المنظومة السابقة ومجموعة أخرى موجودة في المسار، الذي بُني على ثلاثة محاور كبرى، وهي القضاء على تيار الإسلام السياسي، مقاومة الفساد وتحسين أوضاع الشعب التونسي”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “من كانوا مستفيدين من المنظومة السابقة، تاريخ الخامس والعشرين من يوليو يمثل لهم نكسة ويمكن أن نسميهم ‘جرحى 25 يوليو’، ويوم السادس من أكتوبر المقبل فليتنافس المتنافسون، وحتى المسيرة التي خرجت الأسبوع الماضي ضدّ النظام القائم لم تغير شيئا”.
وأضاف خليفة الشيباني أن “الشعب التونسي سيكون هو الفيصل وقد بلغ درجة كبيرة من الوعي رغم المؤامرات، والرئيس سعيّد تجرأ على فتح ملفات حركة النهضة، ورجل الأعمال كمال لطيف، وأخرج ملف مستشفى الملك سلمان من الرفوف”.
وكان الرئيس التونسي الرافض لمنظومة الأحزاب، قد استبعد مختلف التشكيلات السياسية من المشاركة في صنع القرار، ما أثار استياء من الأحزاب المساندة لمسار الخامس والعشرين من يوليو، حيث وجدت تلك الأحزاب نفسها في وضع لا تحسد عليه: فإما الالتحاق بجبهة المعارضين الضعيفة أصلا بسبب غياب القدرة على التعبئة في الشارع وغيرها، وإما مواصلة مساندة الرئيس سعيّد دون الحصول على شيء.
وفي الوقت الذي تتهم فيه المعارضة النظام السياسي بترهيب كل مرشح جدي للانتخابات، يرى سعيّد أن الوضع العام يتعرض لمحاولة تأجيج ما يتطلب مضاعفة الجهود وفرض احترام القانون ضد كل محاولات توتير الأوضاع الاجتماعية بشتى الطرق، أو محاولات اللوبيات التأثير من وراء الستار في العملية الانتخابية، حسب قوله.
وأفادت نجاة الزموري، نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بأن “قبل الانتخابات يحدث استقطاب ثنائي بين طرفين، والجبهة السياسية المدنية (شبكة الحقوقيين)، ليس لها موقف سياسي من قيس سعيد، بقدر ما هو موقف حقوقي من مسار الخامس والعشرين من يوليو والدستور الجديد واعتماد المراسيم”.
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “هناك تموقعا وفرزا في هذه الفترة، مثل القيادي السابق بحركة النهضة عماد الحمامي، الذي يريد الاصطفاف وراء الطرف القوي في المشهد، وهناك مثلا القيادي سالم لبيض من حركة الشعب لكنه مخالف لمسار الخامس والعشرين من يوليو”.
وأشارت الناشطة الحقوقية إلى أنه “حدث زلزال سياسي لجميع التشكيلات السياسية بعد الإجراءات الاستثنائية لسعيّد، والانشقاق أصاب جميع الأحزاب التي لها حسابات سياسية وفقدت الكثير من شعبيتها ومصداقيتها لدى الناخبين”.
وأوضحت الزموري أن “حركة النهضة ركبت على الأحداث مجددا خلال المسيرة الأخيرة لشبكة الحقوقيين وعدد من الشخصيات المستقلة، وهذا ليس بالأمر الجديد، بل سبق أن ركبت على الاعتصامات واحتجاجات ساحة القصبة وحتى التاريخ النضالي للمناضلين”.
واستطردت قائلة “الحراك السياسي موجود داخل هياكل الأحزاب والتنظيمات المدنية”.
وكان النائب عن حركة الشعب بالبرلمان بدرالدين قمودي، قد أكدّ منذ أيام مساندته للرئيس سعيد خلال الانتخابات المرتقبة.
وقال في تدوينة على صفحته الرسمية بفيسبوك “كنائب شعب متمسك بمسار الخامس والعشرين من يوليو الإصلاحي ومساند لشعاراته الكبرى وحريص على معالجة نقائص المرحلة السابقة وتوفير ضمانات الاستقرار والنجاح في المستقبل، واحتراما لكل من انتخبني في هذا السياق على تنوعه الفكري والسياسي والوطني، أعلن دعمي للمرشح قيس سعيد وأدعو جميع المتمسكين بمسار الخامس والعشرين من يوليو إلى العمل على إنجاح محطة الانتخابات القادمة والتوجه بكثافة نحو مراكز التصويت للقطع النهائي مع منظومة الرابع والعشرين من يوليو الفاسدة والعبور بالبلاد نحو برّ الأمان”.
وسبق أن قال القيادي السابق في النهضة عماد الحمامي إن “حركة النهضة انتهت لأنها مازالت تربط مصيرها بالشيخ راشد الغنوشي”.
وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “على العائلة المحافظة في تونس والإسلاميين عموما أن يقتنعوا بأن قيس سعيد أحسن ممثل لهم وعليهم بالتالي دعمه في الاستحقاق الانتخابي المقبل”، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية.
وتابع “مع التجديد للرئيس قيس سعيد في الانتخابات المقبلة سيكون هناك تغيير بنسبة 180 درجة في التوجه العام”.