مساع في تونس لإضفاء تكامل وظيفي وتشريعي بين غرفتي البرلمان

تونس - تسعى السلطة التونسية إلى سنّ قانون جديد ينظّم العلاقة بين مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم (غرفتي البرلمان)، من خلال تحديد الأدوار والمهام، بهدف تحقيق نوع من التكامل بين المؤسستين يخدم مصالح المواطن بالدرجة الأولى.
ومنذ تأسيس المجالس المحلية ومباشرة عملها، أثير الجدل حول العلاقة بين الغرفتين والمهام الموكولة لكل طرف منهما، محليا وجهويا ووطنيا، كما طرحت في الشارع السياسي والشعبي استفهامات حول التداخل المطروح في مستوى الصلاحيات بالنسبة للهياكل المنتخبة.
وتقول أوساط سياسية إنه بدا واضحا في الفترة الأخيرة، وجود نوع من التداخل في الأدوار بين مهام نواب الجهات تحت “قبّة باردو”، ومهام نواب مجالس الجهات والأقاليم في مختلف مناطق البلاد.
وترى تلك الأوساط أنه وجب التمييز بين الدور التشريعي لمجلس نواب الشعب عبر سنّ القوانين، والاهتمام بالجانب الاجتماعي والتنموي للمواطنين من قبل مجالس الجهات والأقاليم في مختلف العمادات والقرى.
وأشرف الرئيس التونسي قيس سعيد مساء الخميس على اجتماع مجلس الوزراء الذي تداول في مشروع مرسوم يتعلق بتنظيم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
وشدد قيس سعيد على ضرورة الإسراع في إعداد عدد من مشاريع النصوص الأخرى ذات الطابع الاجتماعي وخاصة منها المشروع المتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الشغل وإتمامها لمنع المناولة وتجريمها.
كما أكد الرئيس التونسي في الاجتماع على ضرورة تأمين السير الطبيعي لدواليب الدولة ومضاعفة الجهود من أجل تقديم الخدمات للمواطنين في أحسن الظروف.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أعلن في الثلاثين من مارس 2022 حل مجلس نواب الشعب لأول مرة في تاريخه، وأقر في الخامس والعشرين من يوليو 2022 العمل بدستور جديد للبلاد والذي يعيد العمل بالنظام التشريعي الثنائي، أي أن البرلمان مكون من غرفتين وهما مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان “هناك تداخل في الفترة الأخيرة بين أدوار الغرفتين، ويجب أن تأخذ كل مؤسسة مهامها، فمثلا مجلس الجهات والأقاليم ليس من واجبه سنّ القوانين، بل الاهتمام بالجانب التنموي والاجتماعي في المناطق”.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى “وجود حالة من الخلط في فهم الأدوار، وهناك محاولات للعب دور تشريعي مكلّف به مجلس النواب، والتكامل سيكون بلعب كل مؤسسة لدورها”.
ويتكون المجلس الوطني للجهات والأقاليم من 77 عضوا، من بينهم 72 عضوا جرى انتخابهم من قبل أعضاء المجالس الجهوية بمعدل ثلاثة أعضاء عن كل مجلس (24 مجلسا جهويا)، و5 أعضاء عن مجالس الأقاليم بمعدل عضو عن كل إقليم.
وحسب الفصل 85 من دستور 2022، يمارس المجلس الوطني للجهات والأقاليم صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف القضايا، المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية في تونس.
وتعرض وجوبا على هذا المجلس المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم. كما يصادق مع البرلمان على قانون المالية ومخططات التنمية بأغلبية الأعضاء الحاضرين، على ألا تقل هذه الأغلبية عن الثلث (26 نائبا).
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “هذه الخطوة تأتي لتحديد الصلاحيات وتنظيم العلاقة بين الغرفتين التشريعيتين باعتبارهما هيكلين منتخبين، وكان يفترض القيام بهذا الإجراء منذ فترة”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “سيتم تنظيم الأدوار في إطار مراسيم واضحة لأن لاحظنا وجود نوع من التداخل بين الغرفتين في بعض الأحيان، وهناك ضوابط قانونية لا بدّ من احترامها”.
وأضاف خليفة الشيباني أن “الإقليم سيكون له دور مهم، وتقسيم البلاد إلى خمسة أقاليم فيه أبعاد تنموية وتكريسا للسلطة الجهوية وتحسين المنوال التنموي”.
وكان رئيس مجلس النواب إبراهيم بودربالة قد أكد في وقت سابق على ضرورة تحديد العلاقات بين كل من مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم وبقية الجماعات المحلية وخاصة البلديات بهدف ضمان عدم وجود تداخل بين مختلف الصلاحيات.
وتعتبر مسألة الشغورات المسجلة في المجلس الوطني للجهات والأقاليم والمقدّرة بـ26 شغورا، من بينها عمادتان ليس فيهما سكان، من الإشكاليات المطروحة في الوضع الراهن المشابه لما عرفته الانتخابات التشريعية وعدم التوصل بعد إلى الحسم في الشغورات في المقاعد السبع الشاغرة بالبرلمان.
وتثير الحصانة البرلمانية نقاشا وجدلا بتونس بين من يشددون على أنها حق دستوري وضمانة ظرفية لحماية النواب أثناء أدائهم لمهامهم، وبين من يرون أن البعض يستغلونها للإفلات من المساءلة والمتابعة القضائية.
وبعد مرور أكثر من عام على تأسيسه، عقد مجلس نواب الشعب 15 جلسة عامّة خُصّصت لنقاش نظامه الداخلي وتركيز هياكله النيابية في حيّز زمني استغرق من الوقت شهرين كاملين.
واعتبرت منظمة “أنا يقظ” في وقت سابق، أن “مجلس نواب الشعب الحالي يريد عن وعي أن يبقى تحت ظلّ الوظيفة التنفيذية، كما لم يصادق طيلة سنة كاملة إلاّ على مشاريع قوانين رئاسة الجمهورية بنسبة 97 في المئة أي بطريقة شبه آلية”.
وأوضحت المنظمة أن “حصيلة القوانين التي صادق عليها المجلس الحالي خلال هذه السّنة هي الأضعف مقارنة بمجلسي نواب الشعب لسنة 2014 و2019 بتراجع يقدّر بحوالي عشرة قوانين”.