ترامب وهاريس والتحدي الأكثر إلحاحا

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم والخوف على “الدولة الوظيفية” إسرائيل، اكتمل نصاب الحديث في الفترة القادمة وفي حال فوز الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة المتمثل بالاتجاه الواسع وهو حماية الصهيونية، وهو التحدي الكبير الذي يواجه ترامب وهاريس على حد سواء وواجه كل رؤساء الولايات المتحدة، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال التنازل عن هذا المشروع الذي قصم الشرق الأوسط برمته. فضلا عن الحديث المكثف لما بعد اليوم التالي للحرب على غزة الذي حتما تسعى الولايات المتحدة ليصب في مصلحة إسرائيل، ويحقق أهدافها.
وعلى أساس هذا الفهم، يحاول ترامب مسك العصا من الوسط، ومن الواضح بأنه يتجه إلى الحل الدبلوماسي بعيدا عن البطش والقتل والدمار كما يحدث اليوم في ظل حكم جو بايدن. نستند على ما قاله في مؤتمر أمام تحالف يهودي من مناصريه “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها، وأرى أن تل أبيب تواجه مشكلة علاقات عامة تزداد سوءا كلما استمرت الحرب”. وعليه نجد بأنه حدد طريقه سلفا، وبيّن أن الحروب التي تخوضها إسرائيل اليوم على عدة جبهات ليست في مصلحتها، وإنما تزيد من ضعفها عسكريا، وتقلل من قبولها دوليا، وخصوصا أن العالم، أقصد هنا شعوب أصقاع الأرض، باتت تدرك أكثر من أيّ وقت مضى القضية الفلسطينية وتفصيلاتها الدقيقة.
◄ في حال فوز ترامب سيكون هنالك توجه لديه لقبول إسرائيل في العالم العربي والإسلامي كما ذكرت آنفا، ويقوم بتذليل كل العقبات من أجل ذلك
صحيح أن ترامب هو من جعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتمادى في فترة رئاسته، وقدم لإسرائيل ما لم يقدمه أحد من رؤساء الولايات المتحدة، منها نقل سفارة بلاده إلى القدس، كما صادق على ضم الجولان إلى إسرائيل، ورسم طريق المفاوضات بين دولة الاحتلال والفلسطينيين في ما يسمّى “صفقة القرن”، لكنه يحمل في جعبته في حال ظفر بالرئاسة الحلول العقلانية. لقد تعلم من تجربته السابقة، وهذا لا يعني أنه سوف يترك إسرائيل تعوم في دمها دون أن ينقذها، فهو المخلّص كما يعتقد، يهدف أن تكون إسرائيل دولة لها حضور أكبر في العالم العربي، ومقبولة بين الشعوب العربية.
ليس من شك أن بايدن، أطلق في بداية 7 أكتوبر يد نتنياهو لكي يجرم بحق المدنيين العزل في قطاع غزة، ومد إسرائيل بشتى أنواع الأسلحة، ولكنه أدرك في النهاية أن الحل العسكري لا يحل معضلة إسرائيل، وما تقاسيه من وضع اقتصادي متردّ مع البناء أيضا على أنها تغرق في وحل غزة. يصر بايدن مؤخرا أن القضية الفلسطينية ليست مجرد حالة عابرة يتم تسويتها بقرار من البيت الأبيض، أو السعي لشطبها بجرة قلم، فهي فكرة قائمة بحد ذاتها.
أما المرشح الجمهوري لسباق الانتخابات الأميركية 2024 أسعفه التفكير العميق بأن حل الوضع القائم وقبول إسرائيل هو وقف الحرب، ومن أجل أن تبقى إسرائيل قائمة وقوية في قلب الشرق الأوسط، هذه القاعدة الأميركية المتقدمة لها خصوصيتها عند الولايات المتحدة، فهي الحارس الأمين لمصالح واشنطن في المنطقة، ولولاها لواجهت مصاعب في السيطرة على الشرق الأوسط.
إذن تصريحات ترامب تدلل على أنه ربما يسلك طريقا مختلفا عن سلفه، في حال فوزه بالرئاسة وفي حال استمرت الحرب حتى ما بعد تسلم الرئيس الجديد إذا ما فاز، وفي تقديري سيكون شكل القرارات مختلفا عن الوضع الحالي، بمعنى سينقذ إسرائيل والمشروع الصهيوني من غطرسة نتنياهو وسادتيه، هذا هو الوعي الحتمي المطروح على الطاولة في الغرف المغلقة في الولايات المتحدة، وهو إنقاذ الصهيونية. وقد استوعب بايدن السياسي المخضرم هذا لاحقا، لكنه كان محتارا بين الضغط على إسرائيل حتى لا يفقد أصوات اللوبي الصهيوني وبين ضياع مشروعهم في الشرق الأوسط.
◄ ترامب يحاول مسك العصا من الوسط، ومن الواضح بأنه يتجه إلى الحل الدبلوماسي بعيدا عن البطش والقتل والدمار كما يحدث اليوم في ظل حكم جو بايدن
رغم كل الانتقادات التي توجه لنتنياهو ما زال مصرا على الاستمرار في الحرب، ولو كلف ذلك شطب إسرائيل من الخارطة. هكذا تبدو الصورة، مصلحة رئيس وزراء إسرائيل هي الأهم، فهو أمام ثنائي يصعب عليه أن يقول أمامهم “لا”: الأول سارة زوجته التي تتدخل في كل جزئية وتحشر أنفها في سير عمل الحكومة حتى في التعيينات لكبار قادة الجيش والسلك الدبلوماسي والمخابرات، إلى جانب الجناح اليميني الصهيوني الذي يهدد نتنياهو إذا ذهب لعقد أيّ صفقة مع حماس فإنه سينسحب من الحكومة.
في حال فوز ترامب سيكون هنالك توجه لديه لقبول إسرائيل في العالم العربي والإسلامي كما ذكرت آنفا، ويقوم بتذليل كل العقبات من أجل ذلك، ولكن سيدفع نتنياهو الثمن، وينتهي سياسيا، وتبقى القضية الفلسطينية تراوح مكانها لا بل سوف تتعقد أكثر، وهذا ما عهدناه في فترة ترامب السابقة.
بالمختصر لا توجد لدى إسرائيل القدرة ولا الشجاعة لتكمل عدوانها وإبادتها للشعب الفلسطيني، لولا الدعم والسند الذي وجدته من الولايات المتحدة سواء سياسيا أو عسكريا. وهذا يعني أن الحرب والعدوان على غزة كلّفا الولايات المتحدة الكثير، لهذا كانت وجهة نظر المرشح عن الحزب الجمهوري أكثر صوابا من بايدن رغم قراراته المتسرعة التي عهدناها، فمن المقاربة للحزبين الديمقراطي والجمهوري خدمة المشروع الصهيوني، وإن تعددت الطرق فالهدف واحد.
وضمن هذا الاتجاه الواضح، وجود إسرائيل دولة قوية ضارب في أعماق الفكر السياسي الأميركي، والصهيونية المسيحية، ولا يتزحزح قيد أنملة.