انتقادات داخل اتحاد الشغل تزيد من غموض مستقبل الطبوبي في القيادة

إقرار إضراب عام تحد للسلطة يمهد لنهاية المنظمة.
الاثنين 2024/09/09
إصرار على التصعيد مع السلطة

دفعت الأزمة الصامتة، التي أخرجت للعلن، في الاتحاد العام التونسي للشغل إلى بروز تيارين داخل المنظمة يختلفان حول تقييم أداء المنظمة وطرق تعاملها مع السلطة، فضلا عن مساندة مسار 25 يوليو من عدمه، وهو ما جعل أصواتا تتعالى من الداخل وتطالب بتغيير القيادة.

تونس - يعيش الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) مخاضا تنظيميا وسياسيا عسيرا، خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، وسط تأكيد المراقبين على توسّع دائرة الانقسام داخل المنظمة بعد تحجيم السلطة لدورها السياسي، وهو ما يزيد من غموض مستقبل الأمانة العامة له.

ومنذ ما يزيد عن سنتين، تقلّص دور المنظمة النقابية بعد أن خصّص لها الرئيس قيس سعيد إطارا واضحا تنشط فيه لا يتجاوز الدور النقابي مع عدم الاقتراب من المربّع السياسي، خلافا لما كانت تتمتع به سابقا من مشاركة في صنع القرار السياسي والتدخل للعب دور الوساطة في الأزمات والتفاوض مع السلطة بصبغة سياسية.

وتوسعت دائرة الخلافات الداخلية لتظهر للعلن في الآونة الأخيرة، وتكشف انقساما واضحا بين تيّار تقليدي يتمسك بالدور السياسي للمنظمة ويرفض الاقتصار على لعب دور نقابي مع التصعيد ضدّ السلطة بإقرار إضراب عام في نهاية فعاليات المجلس الوطني للمنظمة، وآخر يساند مسار 25 يوليو ويدعو إلى ضخّ دماء جديدة في القيادة، بعد أن اتضّح أن القيادة الحالية لم تحسن إدارة الأزمة مع أخذ قرارات مرتبكة لا تخدم مصالح الاتحاد.

ويرى متابعون أنه من المستبعد تنفيذ الإضراب العام، وحتى وإن تمّ فهو بمثابة تحدّ معلن ضدّ السلطة، كما أن الفشل في تلك الخطوة سيكون إعلانا رسميا على نهاية المنظمة شعبيا ونقابيا.

وتبنت اللائحة العامة للمجلس الوطني لاتحاد الشغل المنعقد من 5 إلى ‏‏7 سبتمبر الجاري مبدأ الإضراب العام في القطاع العام والوظيفة العمومية.

المنذر ثابت: هناك صراع بين تيارين والاتحاد في حالة عطالة
المنذر ثابت: هناك صراع بين تيارين والاتحاد في حالة عطالة

وجاء في اللائحة أن “‏المجلس الوطني المنعقد برئاسة نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد، قرّر تفويض الهيئة الإدارية الوطنية لاتخاذ قرار موعد الإضراب العام ‏وموعده.

وأضافت أن ذلك القرار، يأتي للمطالبة بالحق بالتفاوض وفتح الحوار ‏الاجتماعي واحترام الحق النقابي وتطبيق الاتفاقيات والاستجابة للمطالب الاجتماعية ‏المضبوطة في اللائحة المهنية.

وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان، “إعلان الإضراب العام، هو قفزة نحو المجهول تتبناها القيادة التي سبق وأن جربت ذلك”، لافتا أنه “بعد ما جرى في اجتماع مدينة المنستير حان الوقت من القواعد لمعرفة أين تسير المنظمة ومن هو الطرف المتسبب في الأزمة”.

وأضاف لـ”العرب”، “اتحاد الشغل أصبح في قطيعة كاملة مع قواعده، وهو يعيش مخاضا سياسيا عسيرا جراء المواقف السياسية المتخذة من القيادة ولا تعبر في كثير من الأحيان على مواقف القواعد”.

وتساءل باسل الترجمان، “هل الاتحاد قادر فعلا عن الاضراب؟ هذا نوع من الاصطفاف السياسي ونوع من إعلان التحدي لمؤسسات الدولة”، لافتا “لن يكون هناك إضراب عام، وهذا أسلوب مراوغ ستكون ارتداداته وخيمة على المنظمة”.

ومساء السبت، شدّد سامي الطاهري، الأمين العام المساعد والمتحدث باسم اتحاد الشغل، سامي الطاهري، في تصريح لموزاييك، بمناسبة اليوم الختامي لانعقاد المجلس الوطني للاتّحاد في المنستير، على أنّ “المجلس الوطني فرصة للتقييم”، مشيرا إلى أنّ “هناك آراء تدعو إلى تقديم المؤتمر وأخرى تدعو إلى مواصلة العهدة والقيام بإصلاحات جذرية”.

وتطرّق الطاهري إلى الانتقادات “لأداء المركزية النقابية في علاقة مع السلطة ووصفها بضعف الأداء”، قائلا إنّ “هناك فترة اتّسمت بالتردد، لكنّها ليست مسألة ضعف في الأداء”، مضيفا أنّ “المحاكمات وغيرها، جعلت الوضع النقابي في حالة تردد بين المصادمة وبين التريث في انتظار التعبئة وإيجاد الطرق الكفيلة للدفاع عن الحق النقابي وعن الاتحاد العام التونسي للشغل”.

وحول وصف صلاح الدين السالمي للاتّحاد بأنّه “أصبح عاجزا عن التواصل مع السلطة”، اعتبر الطاهري أنّه “رأي شخصي”، لافتا إلى أنّ “الاتحاد أحسن إدارة الصراع مع نقص في المواجهة، في بعض المناسبات التي كان من الضروري أن يتصدى فيها الاتّحاد إلى عدّة قرارات من السلطة، وخاصة القرارات الانفرادية في هذه الفترة الصعبة”، مضيفا أنّ “الطيف الاجتماعي والسياسي والمدني يجد صعوبة في التعامل مع السلطة، ويمكن القول إنّها تصرفات أربكت الجميع والآن هناك استعادة لمقاومة كلّ انحراف بالسلطة”.

وبخصوص الانتخابات الرئاسيّة، قال الطاهري إنّه تمّ طرح احتماليْن: إمّا المقاطعة أو التصويت لكلّ من لم ينتهك الحقّ النقابي ولم يتعدّ على الحريات، ولكلّ من يحمل رؤية اجتماعية ومن يكون قادرا على فضّ القضايا وتقديم البدائل والبرامج وليست بالشعارات الجوفاء، متابعا أنّ “الأرجح والأكثر هو اختيار المقترح الثاني الذي يبقى مرتبطا بتوفّر ضمانات”، موضّحا ذلك: “التطورات التي ستحدث باعتبار أنّ اليوم نجد أنفسنا أمام مرشحين فقط وربما مرشح واحد، فكيف ستكون المشاركة؟”.

ويبدو أن قيادة الاتحاد لم تفهم بعد حدود الإطار النقابي الذي حددته لها السلطة، وظلت تراوح بين التصعيد والتهدئة في صراعها معها أملا في تغيير موقفها.

باسل الترجمان: إعلان الإضراب العام هو قفزة نحو المجهول
باسل الترجمان: إعلان الإضراب العام هو قفزة نحو المجهول

وتكررت دعوات اتحاد الشغل للسلطة بتنظيم حوار وطني، من أجل استرجاع دور سياسي مفقود، لكن متابعين للشأن التونسي، يرون أنه بعد إجراءات الرئيس سعيد، التي أفرزت مؤسسات دستورية منتخبة أبرزها مجلس نواب الشعب وأفضت إلى صياغة دستور جديد، لم يعد هناك ما يبرّر الذهاب إلى حوار.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “الأزمة متوقعة ومرّت من حالة التآكل الصامت إلى الصراع المعلن، والاتحاد الآن في حالة عطالة منذ إجراءات 25 يوليو 2021، لأن دور الاتحاد السياسي الذي انتزعه من الساحة بموافقة الأحزاب السياسية، انتزع منه في 25 يوليو”.

وأكد في تصريح لـ”العرب”، أن “الرئيس قيس سعيد ألغى الحوار الوطني الذي كان اتحاد الشغل يسعى إلى تنظيمه، والاتحاد أراد إخراج نسخة جديدة من الحوار الوطني الذي قاده في 2013، لكن سعيّد لا يعترف بدور سياسي للمنظمات النقابية والاجتماعية، فانفجرت الأزمة الداخلية للاتحاد”.

ولفت ثابت إلى أن “هناك صراعا بين تيارين في المنظمة، تيار تقليدي يرفض التنازل عن الدور السياسي للمنظمة ويعتبر القيادة الحالية مهادنة ويعتبر أن البيروقراطية النقابية عاجزة عن أداء دورها، وتيار آخر موال لمسار 25 يوليو ويعتبر أن الاتحاد يؤدي دورا غير مقبول”.

وبات الحديث عن حوار بمفهومه السياسي أمرا مستبعدا، باعتبار أن الرئيس سعيد رفض ذلك مرارا، كما أنه تم استكمال مراحل المسار السياسي لإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021.

ويقرّ الملاحظون بأن قدرات الاتحاد الذاتية والشعبية تراجعت، فخلال العشرية الماضية كانت المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا في البلاد أشبه بحزب سياسي كبير، وأشرف الاتحاد على الحوار الوطني في 2013، لكن الأمر مختلف تماما بعد مسار 25 يوليو.

4