غياب المصارحة قبل الزواج يؤسس لكيان أسري متصدع في مصر

المكاشفة بين المخطوبين بما لديهما من عيوب تجنبهما الطلاق المبكر.
السبت 2024/08/24
الصراحة تؤسس لأسرة متماسكة

يدعو متخصصون في شؤون الأسرة بمصر إلى نشر ثقافة المصارحة خلال فترة الخطبة باعتبارها أهم خطوة لزواج مستقر وكيان أسري صلب مهما كانت التبعات. وتخطط الحكومة المصرية لتضمين قانون الأسرة الجديد نصا يتيح للرجل والمرأة أن يتزوجا وهما على علم بكل شيء، ضمن ثقافة الزواج الصحي التي تسعى السلطات إلى نشرها بين الأسر.

القاهرة - تدخلت دار الإفتاء المصرية في قضية المصارحة بين المخطوبين قبل الزواج، بنشر ثقافة المكاشفة والوضوح بين الشبان والفتيات والعائلات أيضا، باعتبار أن تأسيس أسرة مستقرة ومتماسكة وغير متصدعة يُبنى على أساس المصارحة الكاملة.

وأطلقت دار الفتوى حملة توعوية دعت خلالها إلى حتمية المكاشفة بين المخطوبين في كل شيء، خاصة الأمراض التي قد تؤثر على سلامة العلاقة الزوجية، لأن عكس ذلك ينطوي على خيانة وخداع للشريك قد يتسببان في هدم كيان الأسرة بعد الزواج.

جاء تصعيد قضية المصارحة بين المخطوبين ليكون ضمن أولويات المؤسسة الدينية، على خلفية استقبال دار الإفتاء استفسارات مرتبطة بقيمة أن يُصارح أحد طرفي العلاقة الآخر بما لديه من أمراض ومشكلات نفسية، أم إخفاء ذلك لاستمرار الزواج؟

جزء من المشكلة، أن محاكم الأسرة في مصر تعج بقضايا طلاق بسبب إخفاء بعض عيوب الشريك، كأن يكون الزوج أو الزوجة يعاني من مرض يمنعه من الإنجاب، ويطلب الطرف المتضرر الطلاق، مع احتفاظه بحقوقه الشرعية لأنه تعرض لخديعة.

◙ دار الفتوى عممت رأيا دينيا أعلنت فيه أن الشريعة الإسلامية حثت على المصارحة بين المخطوبين فيما بينهما من العيوب
◙ دار الفتوى عممت رأيا دينيا أعلنت فيه أن الشريعة الإسلامية حثت على المصارحة بين المخطوبين فيما بينهما من العيوب

وعممت دار الفتوى رأيا دينيا، أعلنت فيه أن الشريعة الإسلامية حثت على المصارحة بين المخطوبين فيما بينهما من العيوب، والأمراض التي من شأنها أن تعطل مقاصد الزواج أو تجلب عليها الفساد أو البطلان، وجعلها من باب الغش المنهي عنه شرعا، ولا بد من إخبار كل طرف بالحقيقة.

وهناك شبه اتفاق بين المسؤولين عن مركز الإرشاد الأسري بدار الإفتاء المصرية، على أن إطلاع المخطوبين بعضهما بما لدى كلاهما من مشكلات أو عيوب قبل إبرام عقد الزواج، يجنب العلاقة الطلاق المبكر، لكن اقتناع الأسر بتلك الثقافة يتطلب تكثيف التوعية في المجتمع بمختلف فئاته لدفع الشباب والفتيات إلى الإيمان بالقضية.

تأتي تحركات المؤسسة الدينية في هذا الملف الأسري متناغمة مع توجهات الحكومة المصرية التي تسعى لتكريس المصارحة بين الشريكين قبل الإقدام على خطوة الزواج رسميا، بحيث يكون كل طرف على دراية مسبقة بالظروف الصحية والنفسية والمادية والعائلية التي يعيشها الشريك لتجنب حدوث صدامات بين الطرفين في المستقبل.

وتخطط الحكومة المصرية لتضمين قانون الأسرة الجديد نصا يتيح للرجل والمرأة أن يتزوجا وهما على علم بكل شيء، ضمن ثقافة الزواج الصحي التي تسعى السلطات إلى نشرها بين الأسر والأجيال الجديدة، بحيث لا تكون هناك خديعة أو تزييف للحقائق من طرف تجاه الآخر للحد من أزمة الطلاق السريع.

والمصارحة جزء من السلامة الصحية التي تستهدفها الحكومة في مصر عبر فحوصات شاملة قبل إبرام عقد الزواج، ويتم إجراؤها على كل أجزاء الجسد، وتقييم الحالة العقلية للمخطوبين والتحقق من عدم وجود أمراض تؤثر على حياتهما الزوجية.

وترفض شريحة من الشباب والفتيات ومعهما الأسرتان أحيانا الكشف عن وجود مشكلة صحية أو نفسية من أي طرف، بحجة أن ذلك قد يتسبب في هدم العلاقة قبل أن تبدأ، إذ يصعب على الرجل الزواج من فتاة تصارحه بأنها مصابة بمرض يمنعها من الإنجاب أو القيام بواجباتها الزوجية.

وتدافع دار الفتوى عن تدخلها في القضية بأن المصارحة يجب أن تتحول إلى أساس لتكوين أسرة ذات قوام راسخ، كي لا تكون العلاقة قائمة على مغالطات من البداية، بحيث يقرر كل طرف هل يستكمل العلاقة مع شخص غير مناسب أم يتراجع قبل أن يتورط في زواج قد يدفعه إلى الندم مستقبلا ويلجأ إلى الطلاق.

ويخضع كل شاب وفتاة في مصر رسميا لفحوصات شاملة، لكن قد يُخفي أحدهما عن الآخر إصابته بجينات وراثية خطيرة ولا يترك له الحرية في إتمام الزواج من عدمه. ويرى مؤيدون للمصارحة المطلقة بين المخطوبين أنها تبني جدارا من الثقة بين الطرفين، والمكاشفة لا تعني هدم العلاقة، بل تجعل الخطبة أكثر متانة وتنتهي إلى زواج سعيد، لأن الطرفين ارتضيا بما لدى الآخر من مشكلات عضوية أو نفسية.

أما الإخفاء، فيجعل العلاقة الزوجية قائمة على الزيف والخداع، لأن كل طرف يعيش في وهم حتى يصطدم بالواقع الحقيقي بعد ذلك، وإما أن يطلب الشريك المتضرر الطلاق للهروب من تلك الخدعة، أو يصبح مجبرا على البقاء في علاقة مع شخص لا يتوافق معه، وفي الحالتين يصاب الطرفان بانتكاسة زوجية يصعب الخروج منها.

◙ محاكم الأسرة في مصر تعج بقضايا طلاق بسبب إخفاء بعض عيوب الشريكين، كأن يكون أحدهما يعاني من مرض ما

يعتقد متخصصون في شؤون الأسرة بالقاهرة أن نشر ثقافة المصارحة خلال فترة الخطبة ليس بالمهمة الصعبة، والعبرة في اقتناع الأسرة بجدواها، والتعامل مع الزواج غير الصحي باعتباره مقدمة لمشكلات معقدة لن يجني منها أي طرف إلا المزيد من المخاطر على المستوى النفسي والصحي والاجتماعي.

أكدت عنان حجازي استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة أن المشكلة في تعامل بعض الأسر مع المكاشفة قبل الزواج بأنها مقدمة لفضيحة مجتمعية، كأن يصارح الشاب خطيبته بإصابته بمرض يمنعه من الإنجاب، ومن هنا يتم إخفاء الأمر كي لا تنتشر المعلومة ويعيش الشاب حياته دون زواج.

وأضافت لـ”العرب” أن المصارحة وقت الخطبة أهم خطوة لزواج مستقر وكيان أسري صلب مهما كانت التبعات، والكل سوف يعيش راحة مستدامة، فقد تتقبل فتاة أن تعيش مع شاب مريض عندما يحترمها ويصارحها، وقد يكون من الصعب أن تستمر إذا شعرت بالخديعة بعد الزواج، واكتشفت الحقيقة بعيدا عنه.

ولفتت إلى أن الزواج الذي يبدأ بأنانية ولا يفصح أحد الطرفين عن الحقيقة للشريك، نادرا ما يستمر، ودخول المؤسسة الدينية طرفا في نشر ثقافة المصارحة ليس حلا كافيا، لأن القضية تحتاج إلى جهود مضاعفة من جميع الأطراف المتقاطعة مع ملف الوعي، مثل الإعلام ومراكز الشباب والهيئات الثقافية والمساجد والكنائس.

وتزداد مخاوف بعض الشباب والفتيات من المكاشفة دون سقف عندما تكون بينهم علاقات عاطفية ويخططون للزواج مهما كانت المنغصات، فقد تتقبل الفتاة إصابة خطيبها بمرض، لكن العائلة لن تفعل ذلك، وربما تتدخل بقوة لإنهاء العلاقة، ما يتطلب إقناع الشباب والفتيات وإرشادهما إلى إعمال العقل وقت المصارحة، ولا يكون كل طرف أسيرا للعاطفة.

وبعيدا عن آلية إقناع المقبلين على الزواج بالمكاشفة، فالأهم تغيير الخطاب التوعوي الموجه إليهم بعيدا عن اختزال الأمر في لغة الحلال والحرام، ونشر ثقافة الزواج الصحي وأهميته للشريكين والأبناء مستقبلا بأسلوب مرن، قبل أن يتورط الطرفان في علاقة تهدم سريعا ويدفع ثمنها كل الأطراف لمجرد إخفاء معلومة كانت ستجنب الجميع مصيرا مأساويا

15