إيران الغائب الحاضر في مفاوضات الدوحة

لا أحد يجزم كيف سيكون مصير محور المقاومة بعد انتهاء الحرب وهل يبقى عصا إيران التي تلوح بها أم يتم تفكيكه إذا حصلت طهران على ما تريد.
الثلاثاء 2024/08/20
عواصف كثيرة في فنجان إيران

يبدو أن إيران نجحت في توظيف موقفها السياسي كدولة لها حضور في المنطقة، فجاء اغتيال إسماعيل هنية فرصة ذهبية لكي تفرض طهران شروطها، ليكون لها مكان تحت الشمس. المفاوضات التي جرت في الدوحة والتي سوف تكتمل في القاهرة نهاية هذا الأسبوع من أجل الخروج بصيغة توافقية بين إسرائيل وحماس كان لطهران حضور أو بصمات حتى لو لم يكن تواجدا مباشر. فالرئيس الأميركي ضاغط باتجاه تحقيق انفراجة من أجل منع توسع رقعة الحرب، والخوف من الرد الإيراني وحزب الله. والكل معني بعدم اشتعال منطقة الشرق الأوسط ودخول الولايات المتحدة الحرب، كما أن إيران تسعى إلى عدم الانجرار لحرب مباشرة معها، حتى تحفظ ماء وجهها. استغلت إيران فرصة المفاوضات التي جرت في الدوحة، وأملت شروطها المتمثلة في وقف الحرب على غزة، مقابل عدم الرد. إذا ما وضعت الحرب أوزارها تكون إيران هي من كسب الجولة تمامًا. منذ أكثر من عشرة شهور والعالم ضاغط باتجاه إنهاء الحرب دون جدوى. الملخص ببساطة “الثورة يفجّرها مغامر، ويخوض غمارها ثائر، ويجني ثمارها جبان”.

عواصف كثيرة في فنجان واحد، وهي أن إيران تعرضت للكثير من الهزات التي أطاحت بمكانتها السياسية والعسكرية والأمنية، بدءًا باغتيال العشرات من علماء الذرة، ومرورًا باغتيال قاسم سليماني، وانتهاءً باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس على أراضيها، مما سبب لها إحراجًا سياسيًا وأمنيًا.

طبيعة إيران لا تتسرع في الرد، وتحصد النتائج بتروّ، فجاءت مفاوضات الدوحة كصيد ثمين لها. السؤال الملح هنا وعلى لسان السواد الأعظم من الناس: إلى أي مدى يتحقق ما يريده الرئيس الأميركي جو بايدن في وقف الحرب؟

حتى هذه اللحظة، هنالك تفاؤل حذر بما جرى في قطر، وما سوف يجري في القاهرة في الأيام القادمة. ما نعرفه هو إصرار بايدن على وقف الحرب بصيغته المعدلة، التي حتمًا تصب في صالح إسرائيل وإيران، وهذا ما يحرج حماس التي باتت تحت ضغط قطر ومصر لقبول الصفقة. ما يغيب عنا أن إيران تبدو موافقة على هذه الصفقة، لأسباب منها النأي بنفسها عن الإحراج وتحقيق نصر، وبأنها هي التي أوقفت الحرب. وهذا بديل عن ردها العسكري لضرب إسرائيل، وأيضًا لتثبت للولايات المتحدة أنها صاحبة نفوذ ومؤثرة في الشرق الأوسط.

◄ إيران تعرضت للكثير من الهزات التي أطاحت بمكانتها السياسية والعسكرية والأمنية، بدءًا باغتيال العشرات من علماء الذرة، ومرورًا باغتيال قاسم سليماني، وانتهاءً باغتيال إسماعيل هنية على أراضيها

إذا كانت توقعاتي تلك صحيحة، إذن ماذا حققت حماس؟ لقد انطلقت حماس في السابع من أكتوبر برزمة أهداف، حرية الصلاة في المسجد الأقصى، وتحرير الأسرى الفلسطينيين أصحاب الأحكام المؤبدة طويلة الأمد، وتحسين ظروف اعتقالهم. بعيد عملية طوفان الأقصى كانت تصريحات قادة حماس تصب في تبييض السجون.

التوقعات اليوم اختلفت، تطالب حماس بإطلاق سراح أصحاب الأحكام الطويلة. في المقابل، اعتقلت إسرائيل بعد 7 أكتوبر ما يقارب عشرة آلاف فلسطيني، وشددت الحصار على المسجد الأقصى، ومنعت المصلين من الضفة الغربية وفلسطينيي الداخل من دخول القدس والأقصى إلّا ضمن شروط قاسية.

للأسف نحن تحكمنا عواطفنا. إيران التي تمتلك مشروعًا توسعيًا تحت مبدأ “تصدير الثورة”، وتحت غطاء “نصرة المستضعفين”، ومن هذا المنطلق يبرز أحد الأسباب في دعم حماس. من سمات مشروع إيران أنه إقليمي توسعي، وهذا يعني أنه يهدف إلى ترك تأثير في البلاد العربية والإسلامية. الطيف الأكبر من هذه الشعوب يؤيد المقاومة، ويعادي إسرائيل، وهنا تظهر إيران على رأس تطلعات شعوب المنطقة، طبعًا بما يخدم مصالحها فقط وليس من باب نصرة القضية الفلسطينية. أهدافها غير المعلنة تتمثل في نشر التشيع في الدول العربية والتحكم في البحر الأحمر كدولة تعتبر نفسها ندًا للولايات المتحدة.

حتى اللحظة لا يوجد برنامج واضح تجاه ترميم البيوت المدمرة في غزة، وإعادة بناء البيوت التي هدمتها إسرائيل. كل ما يتم طرحه اليوم هو من سيسيطر على محور فيلادلفيا ونتساريم، ودخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. أما في ما يتعلق بالنازحين، فهذا ربما يحتاج إلى جولة مفاوضات أخرى قد تستغرق سنوات. أما الدور الإيراني في المساهمة في إعادة الإعمار، فيبدو غير وارد ولنا تجارب معها في الحروب السابقة على القطاع وما خلفته إسرائيل من دمار.

وبعيدًا عن سرديات محور المقاومة وتفاصيله التي تتمحور في تحالف من الجماعات المعارضة لإسرائيل والنفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، ويشمل حركة حماس وحزب الله اللبناني والميليشيات في العراق وجماعة الحوثيين في اليمن، لا أحد يجزم كيف سيكون مصير المحور بعد انتهاء الحرب. هل يبقى عصا إيران التي تلوّح بها في وجه الولايات المتحدة، أم يتم تفكيكه إذا حصلت طهران على ما تريد وقاسمت أميركا الكعكة؟

في مطلق الأحوال، أستبعد تفكيك هذا التحالف فهو البعبع الذي تحذر منه الولايات المتحدة العرب وتستفيد منه إيران. نحن في حاجة إلى صحوة، وهذه ضرورة ملحة من لتفويت الفرصة على الولايات المتحدة وإيران الطامعتين في خيرات العرب. إذا، إلى متى هذا السبات؟

9