البرلمان المصري يضع ملف الحبس الاحتياطي كأولوية سياسية

الحكومة المصرية تسعى لحسم ملف الحبس الاحتياطي لإظهار أن هناك إرادة سياسية في تبريد عناصر الخلاف وكسب ثقة الرأي العام والمعارضة، والتخلص من الصورة القديمة التي تتعامل مع هذا النوع من الحبس على أنه عقوبة وانتقام.
القاهرة - أكد تحرك مجلس النواب المصري لمناقشة تعديل قانون الإجراءات الجنائية وما يتضمنه من مواد خاصة بالحبس الاحتياطي خلال فترة الإجازة البرلمانية، أنه يتعاطى مع الملف كأولوية سياسية تستهدف تعزيز الصورة الإيجابية للسلطة.
وعقد حنفي جبالي رئيس البرلمان اجتماعا، السبت، خصص لاستعراض نتائج أعمال اللجنة الفرعية المكلفة بصياغة وإعداد قانون الإجراءات الجنائية الجديد ضمن تكليف رسمي لأعضاء لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالانتهاء من تعديلات القانون خلال فترة الإجازة البرلمانية للمجلس الممتدة حتى أكتوبر المقبل.
وكلّف رئيس مجلس النواب أعضاء اللجنة بتجهيز قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وما يتضمنه من مواد خاصة بملف الحبس الاحتياطي قبل عودة البرلمان للانعقاد، تمهيدا لمناقشته والمصادقة عليه في صورته النهائية بما يرضي جميع الأطراف.
وشارك في الاجتماع الموسع الذي عقد السبت، وزير العدل، ورؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في مجلسي النواب والشيوخ، ونقيب المحامين، وممثل عن الحوار الوطني، وشخصيات عامة وحقوقية، وممثلون عن الوزارات والجهات المختصة المعنية بملف الحبس الاحتياطي، وأعضاء بمجلس حقوق الإنسان.
ويشير تعامل البرلمان بجدية مع قانون الحبس الاحتياطي إلى أن السلطة لديها رغبة لإدخال تعديلات تكسب من خلالها ثقة الرأي العام والمعارضة بعدما وجدت أن الإصلاح السياسي يوفر لها دعما يساعدها على تجاوز الانتقادات المتكررة في مجالات خدمية واجتماعية مختلفة.
وترغب الحكومة ومعها مجلس النواب في إقناع قوى المعارضة بأن هناك إرادة سياسية لحسم ملف الحبس الاحتياطي، وإن استمرت الحركة المدنية الديمقراطية في مقاطعة جلسات الحوار الوطني، وأن النظام لا يتلكأ في الاستجابة لمطالبها، لكنه يتحرك وفقا لإجراءات قانونية قد تستغرق وقتا.
وتُتهم بعض الجهات الرسمية بإساءة استغلال الحبس الاحتياطي وتحويله إلى عقوبة، مع أن الغرض منه اتخاذ تدابير لمنع هروب المتهم من المحاكمة، لكن القانون المطبق حاليا لا يضع حدا أقصى لفترة حبس المتهم دون إدانة أو تبرئة، وقد يظل الشخص قابعا في السجن وقتا من دون محاكمة. وتأتي التحركات الأخيرة من البرلمان والحوار الوطني في سياق اقتناع السلطة بأن مواجهة التحديات تتطلب تهدئة غضب المعارضة الناجم عن التوسع في الحبس واحتجاز أفراد وسياسيين فترة بلا محاكمة نهائية، وعدم وجود أيّ مزايا لهذا الإجراء.
وتشير بعض الدوائر إلى أن الحكومة اقتنعت بقيمة التفاعل الإيجابي مع المخرجات السياسية للحوار الوطني، بما يعزز مصداقيتها وسط تعقيدات اجتماعية واقتصادية، وشعور البعض من المواطنين بأن الحوار أداة لتخدير المعارضة والرأي العام. وتقتنع أصوات معارضة بأن أيّ إنجاز برلماني يتعلق بمخرجات الحوار الوطني، وما لم تنتج عنه إجراءات قانونية مرتبطة بالحبس الاحتياطي فلا قيمة له، مهما كانت هناك إفراجات متتالية عن سجناء رأي وسياسيين من لجنة العفو الرئاسي.
وقرر رئيس مجلس النواب تشكيل لجنة فرعية من أساتذة جامعيين متخصصين في القانون، وممثلين عن وزارات لها علاقة بالحبس، وخبراء في حقوق الإنسان، للتواصل مع الحوار الوطني قبل بدء الإجازة البرلمانية، لتحديد المواد المطلوب تعديلها أو حذفها نهائيا. وتأمل الحكومة في تسريع البرلمان لإجراء مناقشات واسعة حول الحبس الاحتياطي لتليين موقف المعارضة وحثها على العودة للمشاركة في الحوار، والاقتناع بأن النظام لا يسوّق لإنجازات خيالية لتحسين صورته أو تعزيز مصداقيته بجلسات للفضفضة.
ويستبعد مراقبون أن تُقدم الحركة المدنية على مراجعة مواقفها من مقاطعة الحوار، أو تحسين نظرتها إليه، لمجرد أن البرلمان بدأ يتعاطى بجدية مع تعديلات قانون الحبس الاحتياطي، لتباعد المسافات حول الهدف من مناقشة ملف المحبوسين. وقال نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب الخراط (معارض) إن المعارضة تراقب كل خطوة تقدم عليها الحكومة بإصلاح سياسي، ولن تتسرع في العودة إلى الحوار حتى تتم الاستجابة لمطالبها كمدخل مهم لمعالجة الأزمات السياسية.
وأضاف لـ”العرب” أن الخطوط بين السلطة والمعارضة تحتاج إلى إرادة سياسية لسد الفجوة، وتدخّل البرلمان في ملف الحبس الاحتياطي نقطة إيجابية، ومن المهم عدم العودة إلى الإجراءات العشوائية في مسألة القبض على أشخاص بسبب موقفهم السياسي. ويرتبط الخلاف الراهن بأن السلطة تتمسك بشمولية الحبس الاحتياطي للجميع مهما كانت خلفياتهم السياسية، في حين تصر المعارضة على استثناء أصحاب الرأي، أو عدم معاقبة أيّ شخص على موقفه السياسي، وعدم مطاردة المختلفين مع السلطة.
◙ تعامل البرلمان مع قانون الحبس الاحتياطي يشير إلى أن السلطة لديها رغبة لإدخال تعديلات تكسب من خلالها ثقة الرأي العام والمعارضة
ولفت الخراط إلى أن العبرة في استجابة الحكومة للمعارضة في مسألة الحبس الاحتياطي لسجناء الرأي، فالمطلوب ألا يتم القبض عليهم أصلا، مع إطلاق سراح من هم في السجون بسبب آرائهم أو مواقفهم السياسية، طالما لا يشكون خطورة أمنية. وثمة مشكلة أخرى، تتعلق بدور الأجهزة الرسمية في الملف الحقوقي، حيث ترفض الحكومة غلّ يد الأمن عن اتخاذ إجراءات تكرس للاستقرار وتجابه تيارات معادية، وهو ما تعتبره المعارضة لا يحل ملف الحبس الاحتياطي.
وتبني قوى سياسية مختلفة مع السلطة موقفها على أن الرئيس عبدالفتاح السيسي تعهد بالاستجابة لمطالب الحوار الوطني والمعارضة، طالما أنها تستهدف المصلحة العامة. وترغب الحكومة في وضع حد للأرقام المغلوطة عن المحتجزين والمعتقلين على ذمة قضايا، وهو الملف الذي تم استغلاله من جانب منظمات حقوقية دولية لتوجيه انتقادات للسلطة، وممارسة ضغوط سياسية، تراها القاهرة وصلت حد الابتزاز.
وقد لا ينفصل تسريع البرلمان من تحركاته نحو غلق ملف المحبوسين عن اقتناع القاهرة بأن سياسة الدفاع بنفي تهمة انتهاك حقوق الإنسان لا قيمة لها، لأنه لم يتم اتخاذ إجراءات ملموسة بتعديل تشريعي، ووضع نصوص قانونية معاصرة تعزز أهداف السلطة لتحقيق إصلاحات سياسية.
وترى أحزاب مؤيدة للنظام أن التعديلات التي انتهى إليه الحوار مع اللجان البرلمانية، كافية لإثبات حسن نوايا السلطة، حيث تقرر تخفيض مدد الحبس الاحتياطي لتكون في الجنح أربعة أشهر بدلا من ستة، والجنايات اثني عشر شهرا بدلا من ثمانية عشر، وبعدها يُخلى سبيل المتهم.
وأصبح الأمن ملزما بالحصول على إذن قضائي مسبب قبل إجراء عمليات القبض والتفتيش ودخول المنازل، احتراما لحقوق الأفراد وحرياتهم، كضمانة دستورية لعدم الاستهداف، مع تنظيم المنع من السفر ليكون بنصوص قضائية، وليس بقرار أمني. وتحمل الاستجابة رسالة من السلطة بأنها لن تتخلى عن الحوار لتقريب المسافات مع المعارضة، لأن هناك مؤشرات على وجود تحديات خطيرة تهدد الأمن القومي المصري، تتطلب دعم الجبهة الداخلية وعدم وجود فجوة شاسعة مع القوى الوطنية.