الحكومة المصرية تستجيب لمطالب نقابة الصحافيين بالتفاوض وليس الصدام

تعيين المؤقتين يعيد الأمل في إنقاذ مؤسسات الصحافة القومية.
الخميس 2024/08/15
حقوق من الحكومة رويدا رويدا

أظهر تجاوب الحكومة المصرية مع نقيب الصحافيين في مسألة تعيين المؤقتين، رغم أنه محسوب على تيار معارض، أن لا نية لها لتصفية المؤسسات الصحفية القومية، كما يؤكد أنها قد تستجيب لأيّ طلب عادل يخص أبناء المهنة، شريطة أن يكون ذلك بأسلوب تفاوضي هادئ دون إثارة البلبلة.

القاهرة - نجحت نقابة الصحافيين المصرية في تحريك ملف المحررين المؤقتين العاملين في صحف قومية، وانتزعت موافقة الحكومة على تعيينهم بعد سنوات من إخفاق مجالس نقابية عدة في حسم هذا الملف، أمام مشكلات اقتصادية تعاني منها الكثير من المؤسسات الصحفية، وعدم قدرتها على توفير موارد مالية لتعيينات جديدة.

وأعلنت الهيئة الوطنية للصحافة عقب اجتماع عقد مع نقيب الصحافيين خالد البلشي، الاثنين، الموافقة على بدء إجراءات تعيين المحررين المؤقتين بالصحف الحكومية، على أن يكون ذلك بدءا من شهر سبتمبر المقبل، وعلى دفعات شهرية، بحيث يتم الانتهاء من تعيين المستحقين خلال فترة زمنية قصيرة.

واتفقت الهيئة مع النقابة على وضع آلية وقواعد لاختيار مستحقي التعيين، خاصة أن هناك مؤقتين لا يستحقون الحصول على هذه الميزة، وبعضهم دخل المؤسسات في غفلة أو عن طريق وسطاء، ولم يقدموا للمهنة أو جهة العمل، ما يستحقون عليه أن يكونوا ضمن قوائم الصحافيين المفترض أن يتم تعيينهم لتطوير الأداء المهني.

وتؤكد موافقة الحكومة على تعيين الصحافيين المؤقتين أنها منحت نقيب الصحافيين فرصة إعادة انتخابه نقيبا لفترة جديدة، ولا تمانع في ذلك، لأن هذا الملف يحظى باهتمام بالغ من غالبية الصحافيين في المؤسسات القومية والخاصة، ونجاح خالد البلشي في التسوية يحمل انتصارا له ولمجلس النقابة.

يحيى قلاش: مجلس نقابة الصحافيين نجح في ملف معقد للغاية
يحيى قلاش: مجلس نقابة الصحافيين نجح في ملف معقد للغاية

ومعروف أن أغلب أعضاء مجلس نقابة الصحافيين من المعارضين والمستقلين وعلى رأسهم البلشي الذي عرف عنه المعارضة ضد توجهات السلطة، ومنذ نجاحه في المنصب وهو يتعامل مع الحكومة بسياسة التفاوض لا الصدام، ونجح في بناء علاقات قوية مع دوائر صناعة القرار أملا في الحصول على مكتسبات لأبناء المهنة.

وتبدو الرسالة الواضحة أن الحكومة ليست لديها نية لتصفية المؤسسات القومية كما يعتقد بعض أبناء المهنة، وإلا ما كانت أقدمت على خطوة جريئة بضخ دماء جديدة من مئات الشباب على أمل تطوير الأداء المهني في بعض الصحف والإصدارات الورقية أو الإلكترونية، وكان يمكن لها أن تستمر على موقفها برفض التعيين إذا كانت هناك نية للتصفية.

وتسبب قرار الحكومة بوقف تعيين كوادر جديدة في صحفها منذ نحو عشر سنوات في تراكم المحررين الذين لا يحصلون على حقوقهم المادية، ويجدون أنفسهم في ورطة بين استكمال عملهم إلى حين حدوث انفراجة تنهي معاناتهم والبحث عن فرص عمل أخرى والدوران في فلك أزمات التعيين التي يعاني منها محررو معظم الصحف.

وظل ملف المؤقتين مزعجا لمجالس النقابات المتعاقبة، لكنها كانت لا تأخذه على محمل الجد، اعتقادا منها بأن حل تلك الأزمة يتطلب صداما مع الحكومة، ما يؤثر على مستقبل النقيب وأعضاء المجلس، وأحيانا لم يكن لدى النقابة موقف محدد تجاه تلك الإشكالية واتُّهمت بأنها تنحاز لصالح المؤسسات الصحفية على حساب المتدربين.

وأظهر تجاوب الحكومة مع نقيب الصحافيين في مسألة المؤقتين، رغم أنه محسوب على تيار معارض، أنها قد تستجيب بسهولة لأي طلب عادل يخص أبناء المهنة، شريطة أن يكون ذلك بأسلوب تفاوضي هادئ، وبطريقة لا تثير أزمة للنظام أو تجعل من نقابة الصحافيين حزبا سياسيا مناوئا لها لأغراض انتخابية مستقبلية.

ويمثل وجود خالد البلشي في منصب النقيب بالنسبة للحكومة ميزة ذات أهداف سياسية، فهو شخصية ليس في تناغم كامل مع السلطة، ما يجعلها تسوق لكونها تصون الحريات ولا تُسكتها كما يتهمها معارضون، بالتالي فمساندة الحكومة لنقيب معارض في ملف حيوي كالمؤقتين، يضيف لها ولا يسحب منها.

وتعني موافقة الحكومة على تعيينهم في هذا التوقيت أنها مقتنعة باستحالة الاستغناء عن بعضهم، وأنها تتعامل معهم باعتبارهم أفضل كفاءة من مئات المعينين، ويجب وجود خطة لاستيعاب خبرات شبابية تمنع وصول الصحف القومية إلى الشيخوخة.

واعتاد بعض المسؤولين في المؤسسات الصحفية اللجوء إلى سياسة تخدير المؤقتين من خلال التعهد بعدم التخلي عنهم أو التنازل عن حقوقهم، وأنهم ينتظرون الوقت المناسب للنظر في تثبيتهم، ومن ثم التحاقهم بنقابة الصحافيين كأعضاء فيها يحق لهم الحصول على البدل النقدي الشهري الذي يصرف لأعضاء النقابة فقط.

ولا يحق لأي محرر الحصول على عضوية النقابة إلا إذا تم تعيينه في مؤسسة صحفية معترف بها، حكومية أو خاصة، ولديه سابقة أعمال صحفية، ويصعب لنقابة الصحافيين ضم المحررين المؤقتين إلا إذا تم تعيينهم أولا في أماكن عملهم، وفق نصوص القانون الذي يطالب الصحافيون بتغييره لصالح العمالة المؤقتة.

حل أزمة الصحافيين المؤقتين لا يكفي لانتشال المؤسسات القومية من عثراتها المهنية، ما لم تكن هناك إرادة لاختيار كفاءات في المناصب الإدارية والتحريرية، لأن العبرة ليست في تعيين صحافي، بقدر ما يرتبط الأمر بوجود مدراء يستطيعون توظيف هؤلاء الشباب بما يخدم الصحيفة

ويعمل أغلب الصحافيين المؤقتين في الصحف الإلكترونية التابعة للمؤسسات القومية، ومن النادر وجود محرر مؤقت في جريدة ورقية، أي أن وجودهم ارتبط بالتحول إلى الرّقمنة ومواكبة العصر وإطلاق مواقع رقمية تنافس المؤسسات الخاصة، وكانت هناك حاجة إلى ضخ دماء جديدة من الشباب الموهوبين.

ومع إطلاق إصدارات رقمية فُتح الباب على مصراعيه لاستقبال خريجين وخريجات من كليات إعلام وصحافيين من مؤسسات تم إغلاقها، ومحررين تعرضوا للفصل التعسفي من إصدارات مختلفة، لكن أمام تراكم الأزمات الاقتصادية تدخلت الحكومة لوقف التعيين، رغم أن الصحف الرقمية تقوم على أكتاف الكثير من المؤقتين.

أكد يحيى قلاش نقيب الصحافيين السابق أن الموافقة على تعيين المؤقتين رسالة إيجابية تعطي الأمل لأبناء المهنة في إمكانية تغيير الأوضاع إلى الأفضل، المهم أن تكون هناك إرادة لذلك، لافتا إلى أن مجلس نقابة الصحافيين نجح في ملف معقد للغاية وأثبت أنه صوت لكل أبناء المهنة، ولا يعمل لحسابات ضيقة كما تروج بعض الأصوات.

وأوضح قلاش لـ”العرب” أن جميع الصحف القومية في حاجة ملحة إلى دماء جديدة من الصحافيين الشباب، والتحول الرقمي ساهم في إقناع الحكومة بفتح ملف التعيينات، لكن المهم أن تكون هناك ضوابط مهنية لانتقاء العناصر التي تستطيع أن تحمل المؤسسات على أكتافها وتنتشلها من مشكلاتها وتعيدها إلى سابق عهدها.

وميزة الصحافيين المؤقتين من الشباب في المؤسسات القومية أنهم يجيدون التعامل مع الضغط المستمر، عكس غيرهم ممن أضحى لهم وجود مقنن داخل صحفهم وأغلبهم باتوا عبئا على مؤسساتهم، لكن لا تستطيع الحكومة الاستغناء عنهم.

وتظل معضلة المؤقتين بالمؤسسات الصحفية الخاصة، وهؤلاء لا تستطيع نقابة الصحافيين التركيز معهم بذات الاهتمام، لأن الصحف الخاصة ليست محكومة بقانون تنظيم الإعلام وتخضع لقوانين الشركات المساهمة، عكس الصحف الحكومية التي تخضع لقوانين العمل الإعلامي وتكفل حقوق الصحافيين في التعيين.

ويتفق بعض خبراء الإعلام على أن حل أزمة الصحافيين المؤقتين لا يكفي لانتشال المؤسسات القومية من عثراتها المهنية، ما لم تكن هناك إرادة لاختيار كفاءات في المناصب الإدارية والتحريرية، لأن العبرة ليست في تعيين صحافي مهني نشيط، بقدر ما يرتبط الأمر بوجود مدراء يستطيعون توظيف هؤلاء الشباب بما يخدم الصحيفة من حيث التفرد والتميز، وليس تحويلهم إلى مجرد موظفين.

5