لجان "أولاد الأكابر" تتكرر في مصر مع إعلان نتائج البكالوريا

استمرار الغش في التعليم يضرب منظومة العدالة، وما لم تكن هناك إرادة قوية للقضاء عليه ستكون النتائج خطيرة.
الخميس 2024/08/08
الحكومة في مأزق

القاهرة – وضعت الحكومة المصرية نفسها في مأزق محرج أمام الرأي العام عندما أعلنت عن نتيجة شهادة امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) قبل يومين، وهي تتضمن شبهات غش جماعي لأعداد كبيرة من الطلاب في لجان ومناطق محددة، ما أثار غضبا واسعا أعاد إلى الأذهان مصطلح “لجان أولاد الأكابر”.

وبدت بعض المقاعد في الكليات المعروفة بـ”القمة” محجوزة لأصحاب الدرجات المرتفعة في عدد من اللجان المتهمة بالغش الجماعي، بعد أن نُشرت وثائق من نتيجة البكالوريا تتضمن حصول المئات من الطلاب على درجات متشابهة في لجان بعينها.

وتثار كل عام أزمة وجود لجان بعينها في امتحانات البكالوريا مصنفة إعلاميا على أنها مخصصة لـ”أولاد الأكابر”، ينتشر فيها الغش، وتتسرب منها أسئلة الامتحانات على مواقع التواصل ولا تتخذ الحكومة إجراءات صارمة ضد “الغشاشين”.

تكرار حصول أعداد كبيرة من الطلاب على درجات مرتفعة بالغش وغياب المحاسبة الصارمة يعنيان زيادة الإحباط المجتمعي بين شريحة الشباب

وأثير غضب واسع العام الماضي بسبب ارتفاع معدلات الرسوب في جامعات مصرية، ووصلت نسبة النجاح إلى 25 في المئة، ما جعل أصابع الاتهام تطال مؤسسات تعليمية لم تواجه ظاهرة الغش الجماعي، والتي تكررت هذا العام بشكل أوسع.

وتعتقد دوائر مراقبة في القاهرة أن تكرار وقائع الغش في أهم الامتحانات وعدم التدخل الحاسم من قبل الحكومة يعنيان إثارة منغصات سياسية للحكومة في ملف حيوي مثل التعليم، ووجود ما يشبه “العناد” أو اللامبالاة، وعدم منح أولوية لهذه القضية.

ويرى مراقبون أن تكرار حصول أعداد كبيرة من الطلاب على درجات مرتفعة بالغش وغياب المحاسبة الصارمة يعنيان زيادة الإحباط المجتمعي بين شريحة الشباب الذين يفترض أنهم الشريحة السكانية الأكبر والمفترض أن تتقارب مع الحكومة.

ويعول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على تطوير التعليم ونظم الامتحانات لظهور جيل معاصر من الشباب، بالتزامن مع إستراتيجية التنمية المعروفة بـ2030، بحيث يحافظ هذا الجيل على المكتسبات التنموية التي يجري تحقيقها، وتكون هناك دولة ذات قوام راسخ، فكريا وثقافيا وتنمويا.

ولم يعد الخطاب الحكومي بالطريقة الراهنة مقبولا لدى الشارع المصري، ولا يحظى بثقة مجتمعية كبيرة، لأن الواقع يشير إلى عكس ذلك، ويكفي أن شريحة الطلاب المجتهدين تُظلم، فمن نجحوا بالغش هم من يتقدمون الصفوف في الجامعات.

وتسعى الحكومة لإقناع الشارع بأنها تستهدف العدالة التعليمية وضرب معاقل الفساد، وأنها لن تقف متفرجة على نتائج امتحانات البكالوريا وهي محاطة بشبهات غش، لمنع ضرب مصداقيتها في كل خطاب عن انتقاء الكفاءات.

وقال الحقوقي والباحث الأكاديمي وائل كامل إن استمرار الغش في التعليم يعزز الظلم الاجتماعي، ويضرب منظومة العدالة في مقتل، وما لم تكن هناك إرادة قوية للقضاء عليه ستكون النتائج خطيرة، وتستمر القناعات بأن الصعود إلى القمة يتطلب غشا.

وأضاف لـ”العرب” أن الأزمة التي نشبت بين الشارع والحكومة تعود إلى أن الأخيرة تبدو غير مهتمة بالتعليم كأولوية مع أنه ملف حيوي ويخص غالبية السكان، وفي الوقت الذي يسير فيه خطابها عكس ذلك يجد مواطنون كثيرون شواهد على اختفاء أصحاب الكفاءات لصالح الغشاشين.

ولم تتحقق رهانات الرئيس السيسي على تطوير التعليم في عهد العديد من وزراء التعليم الذين تعاقبوا على هذه الوزارة، وأخفقوا في كسب ثقة الرأي العام، واصطدمت رغبة النظام المصري في أن يدخل ملف تطوير التعليم ضمن قائمة المشروعات الضخمة التي تحظى بقبول ورضا شعبي بإخفاقات الوزراء المتتالية.

وترتبط المخاطر السياسية المتأتية من استمرار التخبط في إدارة ملف التعليم بأن تلك المنظومة وحدها تضم قرابة 26 مليون طالب، بخلاف أسرهم، أي أن الملف يمس معظم التركيبة السكانية، وقد يحمل الإخفاق في ترضيتهم تداعيات سلبية، مهما بلغت نجاحات الحكومة في قطاعات أخرى.

وخلق تخبط مؤسسات حكومية في إيجاد حل عادل لمنظومة الامتحانات نوعا من المعارضة الشعبية من قبل الأسر ذاتها، وهي لا تنضم إلى أحزاب أو تيارات معارضة، في حين أن النظام المصري يعوّل على هذه الشريحة لدعمه.

لم تُدرك الحكومة بعد أن الشريحة الشعبية الناقمة على التعليم يصعب أن تقوم بدعم النظام المصري، ولا سبيل إلى إعادة احتواء تلك الشريحة إلا بإظهار القدرة على التغيير وتبنّي إجراءات عملية

وتظل المشكلة كامنة في أن الفئة نفسها التي ترجى منها مواجهة الخصوم، يعنيها في المقام الأول حصول أولادها على تعليم جيد وعادل، والمشروعات التي تنمو في قطاعات أخرى لن تجدي نفعا إذا استمر التلاعب بمصير الأبناء، ولا قيمة في نظر العديد من الأسر لأي إنجاز بعيد عن تحقيق العدالة التعليمية ومنع حدوث الغش في البكالوريا.

ولم تُدرك الحكومة بعد أن الشريحة الشعبية الناقمة على التعليم يصعب أن تقوم بدعم النظام المصري، لأن هناك مؤسسات تصمت على التلاعب، ولا سبيل إلى إعادة احتواء تلك الشريحة سوى إظهار القدرة على التغيير وتبنّي إجراءات عملية.

واعتادت وزارة التعليم نفي وجود تلاعب في الامتحانات أو شبهات غش جماعي، مع أن هناك وثائق تثبت عكس ذلك، وفي كل مرة تتبرأ من وجود ما يسمى بلجان “أولاد الأكابر” التي يتم تخصيصها لفئة من الطلبة لتتمكن من الغش بصورة مقننة، لكن الوقائع الأخيرة فضحت البعض وأثبتت أن الأمر تجاوز الحالات الفردية.

وأكد وائل كامل لـ”العرب” أن هذه الظاهرة تطرح علامات استفهام مختلفة حول الاستمرار في تطبيق نظام يسهّل الغش في امتحانات البكالوريا، ووجود عجز في مواجهة طرق الغش الحديثة، وتقتضي الحكمة إقرار نظام امتحانات يصعب معه وصول الضعفاء تعليميا إلى الصفوف الأولى.

وتتمسك الحكومة بأن تكون امتحانات البكالوريا بطريقة 85 في المئة أسئلة اختيار من متعدد و15 في المئة أسئلة مقالية، وثمة اتفاق بين الخبراء على أن تلك الطريقة تسهل الغش، ويمكن حل الأسئلة الاختيارية في دقائق معدودة دون قيام الطالب بجهد.

ويشير الغضب الراهن من الغش الجماعي إلى أن هناك مؤسسات في مصر تمثل عبئا على الدولة، وتقدم هدايا مجانية لدوائر معارضة بطريقة توسع الفجوة بين الحكومة والشارع في ملفات بالغة الحساسية وتوقيتات سياسية حرجة.

1