عودة البينغ بونغ وجر المنطقة إلى حرب لا نهاية لها

مسرحية طال أمدها لا أحد يخرج منها منتصرا فالجميع يغرق في وحل الاستنزاف السياسي والعسكري والنفسي والاقتصادي والولايات المتحدة تسحب نفسها من المشهد وتتظاهر بأن لا دخل لها بما يحدث.
الأربعاء 2024/08/07
هل من نهاية لما يحدث

الأحداث في الشرق الأوسط تتدفق والظلام يتعاظم، بدءا من مقتل 12 طفلا في مجدل شمس وتوجيه الاتهامات إلى حزب الله وتحميله المسؤولية عن الحادث. ثم رد إسرائيلي باغتيال رئيس أركان حزب الله في الضاحية، إلى اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية على أرض طهران، الاغتيال الذي لم تتبنه وتعلن عنه صراحة تل أبيب.

إسرائيل مستمرة في توجيه ضربات قاسية لحزب الله وحماس، أي لإيران وأطفالها. وخامنئي يأمر بقصف إسرائيل بالمسيرات ومهاجمتها ردا على هجماتها وسياسة اغتيالاتها. إذا، عاد الشرق الأوسط ليقع في أحضان فخ البينغ بونغ بين إيران وإسرائيل.

مسرحية طال أمدها، لا أحد يخرج منها منتصرا، فالجميع يغرق في وحل الاستنزاف السياسي والعسكري والنفسي والاقتصادي. والولايات المتحدة تسحب نفسها من المشهد، على أساس أن لا دخل لها بما يحدث في المنطقة..

◄ بحرب المسيرات وعودة مسرحية البينغ بونغ من جديد.. ثم ماذا؟ جر المنطقة إلى المزيد من الدمار والنزيف البشري المادي العقيم؟

الولايات المتحدة التي تقول إن ما يحدث حرب بين إسرائيل وإيران والفصائل التابعة لإيران، وإن جل ما تستطيع فعله أن تقول لإسرائيل “الرجاء ضبط النفس وعدم توسيع الصراع”.

الولايات المتحدة تمتلك حسا فكاهيا هزليا، فهي الممول الرئيسي والأب الروحي والمادي والحقيقي الداعم لإسرائيل في حربها ضد إيران وأذرعها، أهناك من ينكر ذلك؟

الأرقام تتحدث، والوقائع تشهد على ذلك.. من الدعم العسكري وتزويد الأسلحة إلى الاحتفاء بنتنياهو.

نعود إلى مجريات أحداث الشرق الأوسط المتداعي، حيث تنتظر إسرائيل وتتوقع ردا إيرانيا أو بالأحرى من أذرع إيران. قد يكون هجوما مكثفا موحدا من العراق وسوريا ولبنان واليمن. وإسرائيل، على حد قولها، تتأهب بفتح ملاجئها وتشديد أمنها. ونتنياهو يقول إن إسرائيل تنتظرها أيام صعبة، وعلى الإسرائيليين الصمود لمدة أطول وسط الهجمات التي يتعرضون لها.

لكن، هل كل ما يحدث له نهاية أم أن الشرق الأوسط والمنطقة وقعا في الوحل وغرقا في ظلام دامس يبدو أنه لا أمل بالخروج منه قريبا؟

هل يمكن أن نخرج من هذه الدائرة المظلمة قريبا أم ربما ستشهد المنطقة تغييرا مهولا في جغرافيتها وتركيبتها مع خلط الأوراق المستمر والمواجهات التي لا تنتهي؟

ماذا تريد إسرائيل من صراعاتها الممتدة؟ هل تريد فرض واقع كما تشاء ريشتها، وأن تصبح كيانا مقبولا به وسط شرق أوسط هش أم تريد فرض قوانينها وقواعدها كما تشاء هي بالسلم أو بالحرب، وتنهي دور كل من تعتقد أن دوره انتهى في مسرحياتها، وتنهي كل من تراه مصدر تهديد لوجودها؟

لكن، أين ديمقراطية إسرائيل التي تدعيها؟ إسرائيل والولايات المتحدة تقولان إنهما تقودان محور الحداثة.. أتكون الحداثة بإقصاء وإلغاء الآخر؟

أي حداثة؟ حداثة إبادة مدنيين أم حداثة تدمير بنى تحتية أم حداثة إنهاك دول وتفكيك مجتمعات؟

أين الحداثة في كل ذلك؟

إسرائيل والولايات المتحدة تقولان إنهما تعاديان كل متطرف وكل الأطراف المنغلقة فكريا، القاسية والرجعية، كل الأطراف التي تريد قمعا ورعبا وإرهابا.

◄ إيران يمكن اتهامها أيضا باحتلال العراق وسوريا ولبنان واليمن، فهي تسلب أهالي تلك الدول حقوقهم في تقرير مصيرهم وعيش تجربتهم الفكرية السياسية الاجتماعية والقيمية الخاصة بهم

ولكن، هل غزو بلاد الآخرين يندرج تحت الحداثة؟ وهل الأطفال وأصحاب الهمم في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق يمكن اعتبارهم مصدر إرهاب ورعب؟

المزيد من الإرهاب والقمع سيولد المزيد من الأجيال الحانقة الغاضبة الناقمة على واقعها وعلى من يستبد بحياتها وحقوقها. في هذه المرحلة إذا الجميع أسير حلقة غضب وكره وسخط لا تنتهي.. فكيف يمكن كسرها؟ وكيف يمكن وقفها؟

الحروب تتعاظم فاتورتها من جيب المواطنين.. في غزة والضفة ولبنان وسوريا واليمن والعراق والأردن ومصر..

حروب، كل أهالي المنطقة يدفعون فاتورتها من الأسعار الملتهبة وعيشهم المكدر وأمانهم المخترق وحرياتهم المخطوفة المكبلة وحقوقهم المسلوبة.

يدفعون الثمن على شكل قوافل موتى لا تنتهي. يدفعون من أموالهم وممتلكاتهم ومنازلهم وأحلامهم وذكرياتهم. وهذا كله مقابل ماذا؟

يتم جر المنطقة إلى وكر الشيطان. ما النتيجة المرجوة من ذلك؟ هل هي تدمير الدول وتكدير عيش الأجيال وإلغاء المستقبل؟

تتعاظم فاتورة الخسائر ولا أحد يبدو قادرا على إيقافها. الحرب تتمدد، تتصاعد، تودي بالمنطقة في الجحيم ولا أحد قادر على كبحها. المجتمع الدولي أصبح أصمّ أخرس، حتى الإدانات باتت هزيلة وهشة، وكأن العالم يقول: ما الفائدة؟

صوت العالم تعب من الإدانة وبدأ يتقطع من الاستنكار الفارغ ومن كلمات متطايرة في الهواء. نتنياهو لا يسمع، وبن غفير يريد حرق المنطقة على رؤوس أصحابها، وسموتريتش يبدو أنه مقتنع بأفضلية إثنيته وعرقه ومذهبه وفكره ويرفض الآخر رفضا قاطعا.

حتى أصوات العقلاء في إسرائيل تلاشت، وطاولة الحوار هُجرت تماما.

ولا صوت إلّا أصوات الحرب، وأصوات الأسلحة والقذائف، وروائح الدماء في كل مشهد.. لكن، لماذا؟

لأن إسرائيل تريد رسم الواقع بريشتها وحدها؟

لأن الولايات المتحدة تريد وضع يدها في كل مفصل من مفاصل هذا العالم؟

وإيران، التي لا يبدو أنها تأخذ بثأر أي من رجالها، ماذا تريد؟

هل تريد إزالة إسرائيل، أم دعم القضية الفلسطينية، أم توسيع نفوذها في الشرق الأوسط وتعزيز معسكراتها؟

ربما ما تريده إيران هو توسيع مصالحها وتعزيز اسمها بكونها قطبا عالميا وكيانا بمصالح اقتصادية سياسية عسكرية أمنية عالميا، وربما لا تكترث حقيقة بإزالة “مشروع إسرائيل”!

◄ الولايات المتحدة تمتلك حسا فكاهيا هزليا، فهي الممول الرئيسي والأب الروحي والمادي والحقيقي الداعم لإسرائيل في حربها ضد إيران وأذرعها

بالرغم من استثمارها في القضية الفلسطينية وتسخير الكثير من جهدها ووقتها وأفرادها في صراعاتها.. لكن، هل كل هذا من أجل القضية أم من أجل مكانة إيران، وكيان إيران، ووجود إيران، ورسم الواقع كما تشاء إيران؟

إيران يمكن اتهامها أيضا باحتلال العراق وسوريا ولبنان واليمن، فهي تسلب أهالي تلك الدول حقوقهم في تقرير مصيرهم وعيش تجربتهم الفكرية السياسية الاجتماعية والقيمية الخاصة بهم.

نعود ونسأل: كيف ردت إيران على اغتيال رجالها؟ كيف ترد الآن على مقتل هنية على أرضها؟

بحرب المسيرات وعودة مسرحية البينغ بونغ من جديد.. ثم ماذا؟ جر المنطقة إلى المزيد من الدمار والنزيف البشري المادي العقيم؟

يقول البعض إن إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة.. إن نظر أحدهما إلى المرآة رأى الآخر بها. كيانان قائمان على فكر ديني متطرف. إقامة دولة على فكرة الدين الواحد، والفكر الواحد، والنظرة الواحدة..

وكما قال فولتير: إن إقامة الدولة على دين واحد ونهج واحد ومذهب واحد سيحولها إلى دولة استبدادية. وهذا يتناقض مع كل تعاليم الديمقراطية والحضارة، ويتناقض مع محاولة إيجاد واقع يحترم كيان الإنسان.. واقع يؤمن بالتعددية والحقوق والحريات.

9