استسهال الترشح رغم ضعف الحظوظ: ظاهرة تتكرر مع كل انتخابات في تونس

حوالي مئة شخص يعلنون ترشحهم للانتخابات الرئاسية.
الاثنين 2024/07/29
صناديق الاقتراع ستحسم الأمر في أكتوبر القادم

كشفت قائمة المرشحين التي قاربت سقف المئة مرشح، لخوض السباق الرئاسي في تونس الخريف المقبل، عن حالة من الاستسهال السياسي للحدث والمنصب على حدّ السواء، فضلا عن ضعف في الحظوظ، في وقت يؤكّد فيه خبراء أن تقلّد منصب الرئاسة يتطلب حدّا أدنى من التجربة السياسية والدراية بمختلف المطالب الاجتماعية للفئات الشعبية.

تونس – ناهز عدد الشخصيات التي أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في تونس في السادس من أكتوبر المقبل، المئة مرشّح، ما كشف حسب المراقبين حالة من استسهال عملية الترشّح لمثل هذه المناصب العليا في السلطة، رغم ضعف الحظوظ.

وترى أوساط سياسية أن طفرة أعداد المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية باتت أمرا مألوفا مع كل استحقاق، في واقعة تعيد إلى الأذهان الإقبال على التنظّم الحزبي والسياسي بعد 2011.

وتضيف تلك الأوساط أن هناك دوافع شخصية وطموحات ذاتية غلبت على تفكير جلّ المرشحين، حيث وجدت غالبية المرشحين يعلنون ترشّحهم للانتخابات خارج إطار الأحزاب التي كانت تتكفل بعملية ترشيح شخصية يتمّ التوافق والإجماع بشأنها.

المنذر ثابت: الطموح الشخصي يغلب على جل المرشحين للانتخابات
المنذر ثابت: الطموح الشخصي يغلب على جل المرشحين للانتخابات

وأدى ضعف دور الأحزاب وتفكّكها في المشهد السياسي بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021، إلى سقوط الوسائط التقليدية السياسية (التشكيلات السياسية)، في عمليات الترشيح إلى الرئاسية، وهو ما يرى مراقبون أنه لا يمكن أن يخدم مصالح بعض المرشحين من تلقاء أنفسهم.

وتشير آخر الأرقام الرسمية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إلى أن عدد الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية 2024 الذين قاموا بسحب استمارة التزكية الشعبية، بلغ إلى حدّ الجمعة السادس والعشرين من يوليو الجاري 97 مرشحا. وتضبط هيئة الانتخابات قائمة الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية 2024، على موقعها الرسمي والتي يتم تحيينها دوريا.

وفي الثاني من يوليو الجاري دعا الرئيس  قيس سعيد المواطنين إلى انتخابات رئاسية في السادس من أكتوبر، بعدها أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الرابع من الشهر ذاته أن قبول الترشح للانتخابات يبدأ في التاسع والعشرين من يوليو ويستمر حتى السادس من أغسطس المقبل.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “الأمر يتعلق بانفلات الكبت السياسي، ذلك أنه توجد فورة من الطموح الشخصي مع غياب التقاليد السياسية للاستحقاق الديمقراطي باعتبار أن الأحزاب أصبحت ضعيفة وأصبحت متفككة، وهي من كان يصنع المرشح، وهذا هو سياق ما قبل الديمقراطية الحقيقية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “من الناحية الشكلية كل شخص له الحرية في الترشح متى توفرت فيه الشروط، لكن الواقع الفعلي والملموس، نحن في ظرف خاص وانتقالي، والطموح الشخصي يغلب على جلّ المرشّحين”.

وتابع ثابت “سقوط الرموز التقليدية للتنظمات السياسية، دفع بهذا الجمع من المواطنين إلى المراهنة على الحظ”، مستدركا “لا أعتقد أن شخصا دون تجربة سياسية قادر على الفوز بالانتخابات الرئاسية، وهناك من يترشّح من أجل ترشّح قادم يكون حاسما”.

ولفت المحلل السياسي إلى أن “الرئيس التونسي قيس سعيد، قبل سنة 2019 كان يعرف كشخصية أكاديمية وناشط حقوقي، أيضا الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي كان غير معروف”. وبرأي ثابت فإن “مسألة التزكيات ستفرز غربلة للعديد من الأسماء، وبالتالي عدد المرشحين سيتقلص حتما”.

هناك دوافع شخصية وطموحات ذاتية غلبت على تفكير جلّ المرشحين، حيث وجدت غالبية المرشحين يعلنون ترشّحهم للانتخابات خارج إطار الأحزاب

وحددت هيئة الانتخابات عدد التزكيات التي يجب على المرشحين جمعها، حيث تشترط تزكية المرشح للانتخابات الرئاسية من أعضاء المجالس النيابية المنتخبة أو من الناخبين المسجلين في السّجل الانتخابي كالتالي: 10 نواب من مجلس نواب الشعب أو من المجلس الوطني للجهات والأقاليم أو من 40 من رؤساء الجماعات المحلية المنتخبة المباشرين لمهامهم في فترة قبول الترشحات وهم رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية أو الإقليمية أو البلدية أو من عشرة آلاف ناخب موزعين على عشر دوائر انتخابية على الأقل، ويجب ألا يقل عددهم عن 500 ناخب من كل دائرة منها.

واشترطت هيئة الانتخابات كذلك أن يدلي المرشح بنسخة ورقية وإلكترونية من قائمة المزكين تتضمن الاسم الكامل للمزكي وصفته والدائرة الانتخابية التشريعية التي ينتمي إليها وعدد بطاقة تعريفه الوطنية وتاريخ إصدارها واسم الأم. وبيّنت أنه يجب أن تتضمن النسخة الورقية إمضاء المزكّي ويشترط التعريف بالإمضاء لدى ضابط الحالة المدنية بالنسبة إلى تزكيات أعضاء ورؤساء المجالس النيابية المنتخبة، موضّحة أنها لا تقبل التزكيات التي لا تعتمد الأنموذج المعد من الهيئة أو التي لا تتضمن جميع المعطيات والبيانات المطلوبة لجمع التزكيات.

كما تنص شروط الترشح على أن يكون المرشّح متمتعا بجميع حقوقه المدنية والسياسية وألاّ يكون قد تولى منصب رئيس الجمهورية لدورتين كاملتين متتاليتين أو منفصلتين، وألاّ يكون مشمولا بأي صورة من صور الحرمان من الترشح على غرار فقدان صفة الناخب وفقدان الحق في الترشح المترتب على الإدانة من أجل الجرائم المنصوص عليها بالفصلين 161 جديد و163 جديد من القانون الانتخابي والفصل 30 من المجلة الجزائية.

مراد علالة: هناك ترشحات استعراضية وفلكلورية وأخرى جدية
مراد علالة: هناك ترشحات استعراضية وفلكلورية وأخرى جدية

 وأكّد فاروق بوعسكر، رئيس هيئة الانتخابات، أن مجلس الهيئة حرص على الحفاظ على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المعمول بها منذ سنة 2014. وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “الشروط التي حددتها الهيئة موضوعية وبعيدة عن الأسباب التي خلفت سابقا خيبات انتخابية، حيث كانت بمثابة نوع من الحصانة لعدد من المرشحين في المحطات الانتخابية السابقة”.

ويرى متابعون للشأن التونسي أن القائمة الحالية، وإن كانت تعكس استسهالا واضحا من غالبية المرشحين، فإن قادم الأيام سيحمل مستجدات تفيد بتقلص عدد المرشحين لعدة اعتبارات أهمها عدم الإيفاء بالشروط الكاملة للترشح.

وحسب هؤلاء، فإن مظاهر استسهال الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، تبرز خصوصا في تواضع المستوى الفكري والعلمي لبعض المرشحين، فضلا عن ضعف التجارب السياسية والإدارية للكثير منهم وهو ما يعتبر شرطا أساسيا لضمان تحقيق نتائج في السباق الانتخابي.

وأكد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة أن “الظاهرة طبيعية، وهناك ترشحات استعراضية وفلكلورية، وأخرى للضغط على السلطة، كما توجد أيضا ترشحات جدية، لأن طبيعة الانتخابات الرئاسية مهمة للغاية”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “هناك حقيقة مرّة وهي استسهال المنصب مع نوع من سوء تقدير له، ويفترض في خطة رئيس الدولة وهي أعلى رتبة في مناصب السلطة، أن يكون الترشح جديا ومدروسا”.

وأوضح مراد علالة “بعد 2011، أصبح كل شخص يرى نفسه قادرا على المنافسة، وهذا من قبيل الطفيليات، لكن من المؤكد أن عملية الفرز ستتم، ونفس هؤلاء لن يتمكنوا من توفير الشروط اللازمة للانتخابات ونصف هذه الترشحات أصحابها سيسجلون بها حضورهم، وبالتالي سنرى قائمة ترشحات صغيرة في قادم الأيام”.

ويواجه بعض المرشحين المحتملين الآخرين، بمن فيهم الصافي سعيد ومنذر الزنايدي ونزار الشعري، ملاحقات قضائية في قضايا مختلفة من بينها التدليس والفساد وتبييض الأموال. وكان الرئيس التونسي قد انتقد “تهافت” السياسيين، الذين قاطعوا الانتخابات التشريعية الماضية، على خوض السباق الرئاسي، معتبرا أن هدف أغلبهم هو الكرسي.

وتتهم أحزاب المعارضة، التي يقبع عدد من قادتها في السجن، حكومة سعيد بممارسة ضغوط على القضاء لتعقب منافسيه في الانتخابات وتمهيد الطريق أمامه للفوز بولاية ثانية.

 

اقرأ أيضا:

         • هيئة الانتخابات في تونس تطمئن المؤسسات الإعلامية: لن نمر مباشرة إلى الإجراءات الزجرية

4