وزراء الحكومة المصرية يهجرون المكاتب بحثا عن كسب الشارع

القاهرة – عكس الظهور المتكرر لوزراء ومحافظين مصريين في الشوارع والميادين على غير العادة وجود توجه رسمي داخل النظام يقرّ بضرورة أن تقدم الحكومة بصمتها إلى الشارع على أمل استعادة الثقة المفقودة في أقرب وقت ممكن، أمام اتساع دائرة التململ الشعبي وشعور الناس بأنه لا بادرة أمل لتحسن الأوضاع الاقتصادية ولو تغيّرت الحكومة بالكامل.
وبدأت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بمقاطع فيديو مصوّرة لوزراء ومحافظين ونوابهم يتجولون وسط العامة، وينخرطون معهم في أحاديث مطولة، وينزلون فجأة لزيارة مواقع العمل في بعض المؤسسات الخدمية، ويستطلعون آراء المواطنين في مطالبهم وشكاواهم، دون الاعتماد على التقارير المكتبية، ما جلب إلى الحكومة ردود فعل إيجابية غابت عنها على مدى سنوات خلت.
وظهر كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء ووزير النقل والصناعة، في مقطع فيديو وهو يوبخ مسؤولة كبيرة في هيئة التنمية الصناعية لكونها تخاذلت عن تسريع إجراءات الترخيص لمصنع يمتلكه شاب، حيث شكا الأخير للوزير من البيروقراطية وتعطيل مصالح المصنعين لعدة أشهر، ما دفع الوزير إلى إلزام المسؤولة بإنهاء إجراءات ترخيص المصنع خلال أربع وعشرين ساعة.
وقال وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف في تصريحات صحفية إنه لن يجلس في مكتبه حتى يقف على حقيقة المشكلات التي تعاني منها المنظومة التعليمية، وبعدها يتم وضع حلول ناجزة لكل مشكلة على حدة، وقرر الجلوس مع المعلمين والموظفين ومدراء المدارس وأولياء الأمور، وكل من له صلة، لجمع مطالبهم وشكاواهم ودراستها بتعمق مع المختصين.
وأعلن عدد من الوزراء والمحافظين أنهم سيديرون القطاعات التي هم مسؤولون عنها من الميدان، بعيدا عن المكاتب، ولن يكتفوا بالتقارير التي ترد إليهم من القيادات، للوقوف على حقيقة ما يعاني منه الناس بمختلف طبقاتهم والبحث عن حلول جذرية له، لأن استماعهم إلى المواطنين مباشرة يختلف عن التقارير التي ترد إليهم وقد تكون متعارضة مع طموحات الشارع.
وبلغ احتكاك مسؤولي الحكومة بالشارع حد التحرك دون طواقم حراسة ضخمة كما كان سابقا، مع تعمد الوصول إلى مناطق لم يكن ليذهب إليها أي مسؤول، مثل القرى والمناطق النائية؛ إذ ظهر محافظ الدقهلية شمال شرق القاهرة وهو يقف في شارع صغير مع مجموعة مواطنين بسطاء، تحاصر مياه الصرف الصحي بيتوهم، دون حل المشكلة.
واستقل محافظ الجيزة وسيلة مواصلات عامة يستقلها بسطاء (ميكروباص)، دون أن يعرفه أحد، وسأل عن تسعيرة الركوب واستفسر عن مطالب المواطنين ومعاناتهم في المحافظة، فيما قامت محافظة البحيرة شمال القاهرة جاكلين عازر بالتجول في مناطق زراعية وتحدثت مع البسطاء حول شكواهم من الخدمات والمرافق والمطالب المتعلقة بهم، وقامت بتسجيلها في مفكرة خاصة بها.
وتتزامن تلك التحركات مع شعور شبه عام عند المصريين بأن الكثير من الوزارات في وادٍ والشارع في وادٍ آخر. ولئن كانت السلطة تنوي تحديث تركيبة الحكومة والاستعانة بوجوه جديدة في التعديلات الوزارية الأخيرة، فإن ذلك لن يفضي إلى نقلة إيجابية على مستوى المطالب التي تمس صميم حياة الناس، وهي إشكالية تؤرق الحكومة وتحاول إيجاد حل لها.
وقال جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إن “العبرة ليست بتحركات المسؤولين على الأرض، وإنما بتدخلهم لحل المشكلات المعروفة للجميع، وتوفير السلع بأسعار عادلة، لأن الناس يواجهون ضغوطا فاقت قدرتهم على التحمل، ومن الطبيعي أن يراودهم الشعور بأن الحكومة لا تملك عصا سحرية للتوصل إلى حلول جذرية”.
وأضاف لـ”العرب” أن “إقناع الناس بالتغيير إلى الأفضل بحثا عن رضاء شعبي يتطلب إجراءات حاسمة حول قضايا تمس صميم احتياجات الناس، مع تقديم أدلة توحي بوجود تغيير حقيقي في طريقة إدارة الوزارات، لأن هناك ميراثا من السخط عند المواطنين حول الأداء الحكومي بشكل عام، والتعامل مع شكواهم برعونة واستخفاف، ومطلوب إثبات العكس بإجراءات”.
وأوحت تصريحات مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء مؤخرا، حول حتمية احتكاك المسؤولين بالمواطنين بشكل غير تقليدي، بأن إجراءات إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين لا تزال الملف الأكثر صعوبة لاتساع الفجوة بين الطرفين بما يشكل تهديدا للأمن القومي، ولم تعد هناك رفاهية لدى النظام للتأخر في اختراق هذا الملف لما يشكله من خطورة على الاستقرار.
وتعتقد دوائر سياسية أن هناك تكليفات عليا تقضي بالإسراع في إقناع المواطنين بأن التحديث الذي طال تركيبة الحكومة أبعد من مجرد تغيير في الوجوه، لأن ذلك المسار الوحيد تقريبا لإعادة صناعة الأمل وتهدئة غضب الشارع وتضييق الفجوة بين المواطنين والحكومة، ولن يتحقق ذلك قبل أن يشعر كل مواطن بوجود أفق لتغيير طريقة إدارة العلاقة مع الرأي العام.
وشهدت الحكومة تعيين 20 وزيرا جديدا و23 نائبًا للوزراء، مع تعيين نائبين لرئيس الحكومة، والإطاحة بغالبية المحافظين والإبقاء على 6 فقط من الوجوه القديمة، وتعيين 32 نائبًا في المحافظات المختلفة، في محاولة لتحسين الأداء الخاص بالخدمات المقدمة للمواطنين وإيجاد حلول جذرية لأزمات اقتصادية واجتماعية معقدة تشكل تهديدا للاستقرار السياسي.
واعترف رئيس الحكومة بأن اهتمام المواطن المصري في الوقت الراهن ينصب على مدى تركيز الدولة على تحقيق مطالبه وتدبير احتياجاته الرئيسية، ونجاحها في السيطرة على ارتفاع الأسعار وتحسين الأوضاع الاقتصادية، ومن دون الوصول إلى تحقيق هذه النوعية من الأهداف قد لا يلاقي كل ما يتم التسويق له من إجراءات إيجابية اهتماما في الشارع.
ويرى فريق معارض أن الجولات التي يقوم بها عدد من الوزراء والمحافظين أقرب إلى الدعاية السياسية، ومجرد “شو إعلامي”؛ لأن المشكلات المرتبطة بكل ملف وقطاع معروفة وواضحة للجميع، ولا تحتاج إلى استنزاف وقت وجهد للتعرف عليها واقعيا، بقدر ما تتطلب حلولا عاجلة وناجزة تبث في نفوس المواطنين الأمل فيشعرون بأن ثمة تغييرا يحدث وإجراءات جيدة يتم اتخاذها.
ويبرر أصحاب هذا الرأي موقفهم بأن التحديات الموجودة في كل قطاع داخل الحكومة يفترض أن تكون معروفة لدى المسؤول المختص، لا أن ينزل إلى الشارع ليتعرف عليها، وما يحدث من جولات مكوكية يقود إلى ترحيل أمد الحل بما يجعل كل مشكلة تتراكم لتصبح أزمة يصعب حلها بسهولة مهما كانت هناك نوايا حسنة في مساعي إيجاد الحل، وسيكون من الصعب تحسين صورة الحكومة.
وهناك فريق من المصريين لا يكترث بما ستؤول إليه تحركات المسؤولين على الأرض، أو ما سينتج عن ذلك من تجميع لشكاوى الناس، بدعوى أن الوزير المعني بأي حقيبة -أو المحافظ في الإقليم- هو موظف منزوع الصلاحيات، ويكتفي بتنفيذ السياسات التي تُرسم له ويُطلب منه تطبيقها، سواء أكان مقتنعا بها أم لا، ما يعني استمرار نفس التوجهات السابقة.
اقرأ أيضا:
• فجوة واسعة بين الأرقام الوردية للحكومة المصرية والضائقة الاقتصادية التي تعاني منها الملايين