التشكيك في الشهادات الجامعية لمسؤولين يُحرج الحكومة المصرية

السيرة الذاتية لوزير التعليم تحولت إلى مادة خصبة للطعن في إمكانية حدوث أيّ تغيير في دولاب الحكومة.
الثلاثاء 2024/07/09
اختيارات تثير غضبا شعبيا على مدبولي

القاهرة- زاد الغضب الشعبي والسياسي في مصر ضد الحكومة الجديدة مع اتساع رقعة التشكيك في السيرة الذاتية لبعض الوزراء والمحافظين والطعن في مشروعية شهاداتهم الجامعية، وسط مطالبات بفتح تحقيقات بشأن ما تردد حول حدوث تزوير في أوراق رسمية، ومحاسبة المسؤولين عن اختيار تلك الأسماء في الحكومة الجديدة.

ووصلت أزمة وزير التعليم محمد عبداللطيف إلى النائب العام بعد أن تقدم أحد المحامين ببلاغ يطالب بالتحقيق معه في ما أثير حول حصوله على “دكتوراه وهمية” من جامعة أميركية، وتقديم الحقائق للرأي العام، ومحاسبة الوزير إذا ثبت قيامه بتزوير درجاته العلمية.

ونالت جاكلين عازر محافظة البحيرة الجديدة قدرا كبيرا من السخرية والتشكيك في شهاداتها العلمية، بعد انتشار سيرة ذاتية لها تتضمن حصولها على درجة الماجستير في الطب عام 2015 ثم حصولها على الدكتوراه بعد عام وحد.

ناجي الشهابي: استمرار وزير التعليم قد يجلب نتائج سلبية على الحكومة
ناجي الشهابي: استمرار وزير التعليم قد يجلب نتائج سلبية على الحكومة

وتسببت الواقعتان في جدل واسع أمام غياب الحقيقة وصمت الحكومة وعدم الرد، ما نسف بوادر إيجابية ظهرت من وزراء جدد، بينهم وزير التموين الذي قرر الإطاحة بالقيادات القديمة والاستعانة بالشباب، ووزير النقل والصناعة الذي قرر إعادة فتح جميع المصانع الحكومية المغلقة منذ سنوات.

وحظيت تحركات وزراء آخرين في الأيام الأولى للاستعانة بهم بردود فعل جيدة، لكنها تاهت وسط الجدل حول السير الذاتية لبعض الوجوه الجديدة في الحكومة، ولم تظهر تحركات سريعة لتهدئة الشارع بتوضيح الحقيقة والدفاع عن آلية اختيار هؤلاء.

وهدف الرئيس عبدالفتاح السيسي من توسيع قاعدة التغيير في الحكومة والمحافظين، إلى امتصاص غضب المواطنين وإعادة الأمل إليهم بعد قلق من عواقب الأزمات المعيشية.

وتحولت السيرة الذاتية لوزير التعليم إلى مادة خصبة للطعن في إمكانية حدوث أيّ تغيير في دولاب الحكومة، فأحد أهم الوزراء الخدميين يفتقر لما يؤهله لشغل المنصب، ومتهم بتزوير شهادة جامعية، وكل خبراته أنه عمل مديرا تنفيذيا لمجموعة مدارس خاصة تمتلكها أسرته.

وقاد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لكشف حقيقة التاريخ العلمي للوزير الجديد، ونشروا ما يفيد أنهم تصفحوا مواقع الجامعات التي قال إنه درس بها، وتبينوا عدم صدق ما يُسوّق له في سيرته الذاتية، وأن الجامعة الأميركية التي ادّعى أنه حصل منها على الدكتوراه هي مؤسسة ليس لها مقر أو هيئة تدريس.

وشن الإعلامي عمرو أديب مقدم برنامج “الحكاية” على فضائية “إم بي سي – مصر” هجوما ضاريا على وزير التعليم، وكشف عن الجامعات التي قال عبداللطيف إنه درس بها وحصل منها على درجات علمية، وتبين أنها غير موجودة، مستنكرا أسباب الاستعانة به في الحكومة الجديدة.

وأمام الجدل المتصاعد، نشرت صفحة “هيئة الرقابة الإدارية”، وهي أعلى جهة رقابية في الدولة السير الذاتية لوزراء الحكومة الجديدة، تضمنت حصول وزير التعليم على بكالوريوس السياحة والفنادق، والماجستير في “تطوير التعليم” من جامعة لورنس بالولايات المتحدة، والدكتوراه بنظام التعليم عن بُعد في “إدارة وتطوير التعليم” من جامعة كاردف سيتي الأميركية.

ولم تنجح خطوة الجهاز الرقابي، في تهدئة الرأي العام، وأدى القيام بنشر السيرة الذاتية للوزير لزيادة حدة الجدل، وسط استنكار الاستعانة بخريج كلية سياحة ليكون مسؤولا عن المنظومة التعليمية.

وحاول الإعلامي والبرلماني المقرب من السلطة مصطفى بكري تهدئة الرأي العام بتأكيده أن “أي وزير عليه علامات استفهام لن يستمر في منصبه”، لكن ذلك لم يحقق الغرض، واستمر الحديث عن خلفيات الوزير الجديد.

وقال رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي في تصريح لـ”العرب” إن إدارة الحكومة لأزمة ملف الخلفية الأكاديمية لوزير التعليم خطأ، وتسببت في غضب شعبي، لن يتوقف قبل استقالة الوزير، فاستمراره قد يجلب نتائج سلبية على الحكومة مهما فعلت من إجراءات إيجابية، ومن الأفضل أن تكون هناك حكمة بإبعاد الوزير عن المشهد.

دوائر سياسية ترى أن جزءا من الأزمة تقف خلفه جهات لها مصلحة في تشويه صورة النظام

ومن المقرر أن تعرض الحكومة الجديدة برنامجها على مجلس النواب، الاثنين، لتحظى بثقة البرلمان، وإذا رُفض البرنامج عليها أن تستقيل، في حين يطالب مؤيدون ومعارضون حسم مصير وزير التعليم قبل أن يمنح النواب الثقة للحكومة، لأن هناك وثائق توحي بأن الوزير ليس مؤهلا للمنصب، واستمراره مغامرة.

وشكك رئيس حزب الجيل في قدرة البرلمان على الوقوف في وجه الحكومة لإزاحة بعض الشخصيات المثيرة للجدل، لأن الأغلبية في المجلس تمثل ظهيرا سياسيا للحكومة، وسيمررون الثقة بها، لكن هذا خطر على صورتها، مع أن الأجواء العامة تقتضي الاستماع لنبض الشارع.

وأكدت مصادر حكومية لـ”العرب” أن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بحث عن شخصية ذات عقلية استثمارية لإدارة المنظومة التعليمية دون اكتراث بالشهادات الجامعية لأنها نجحت في القطاع الخاص، والارتباك في ملف التعليم يحتاج عقلية إدارية أكثر منها صاحبة تاريخ علمي، لأن الملفات التربوية بالوزارة لها متخصصون ولا يتدخل الوزير في أعمالهم.

وتعتقد دوائر سياسية أن الأزمة ترتبط بوجود رفض واسع من مناصري النظام قبل معارضيه، لبعض الوجوه الجديدة في الحكومة، ما ضاعف الضغوط عليها، وأن خصوم السلطة من جماعة الإخوان استثمروا تلك الحالة لتحقيق نصر معنوي من بوابة إحراج الأجهزة المعنية بالتحري المسبق عن الوزراء والمحافظين.

وترى الدوائر أن جزءا من الأزمة تقف خلفه جهات لها مصلحة في تشويه صورة النظام، بدليل أن السيرة الذاتية لمحافظة البحيرة صاحبة الجدل الأكبر مع وزير التعليم تم تزييف ما نُشر عن تزويرها الشهادة الجامعية، وهي لم تحصل على الدكتوراه عام 2017، بل نالتها عام 2022، وهو أمر طبيعي.

2