مصر تخفض الأمية الأسرية وتجني حصاد ربط الدعم بتعلم الآباء

تراجع الأمية بين الآباء الفقراء يُعطي أملا لمعالجة أزمات أسرية متوارثة.
الثلاثاء 2024/07/09
الأمية الأسرية وراء الكثير من الأزمات العائلية

يدعم مجلس النواب والكثير من المنظمات الحقوقية في مصر توجه الحكومة نحو اشتراط صرف المساعدات النقدية بمحو أمية الشخص المستفيد في سياق مظلة للحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة. وتمثل النساء في برنامج الدعم نحو 75 في المئة من المستفيدات نقديا، مقابل 25 في المئة للرجال. وتدافع الحكومة عن هذا الخيار بأن استمرار الأمية الأسرية دون إيجاد حلول جذرية لها يقود إلى توريثها للأبناء.

القاهرة - أكد انخفاض نسب الأمية بين الأسر المستفيدة من الدعم النقدي للحكومة في مصر وجود تجاوب مع خطة نشر الوعي بين العائلات الفقيرة، عندما تكون هناك برامج فعالة تستطيع إقناع المواطنين بجدوى الخطوة وانعكاساتها على حياتهم.

وأعلنت وزارة التضامن، وهي الجهة المعنية بتقديم المساعدات النقدية في مصر، قبل أيام أن معدلات الأمية الأسرية انخفضت إلى 45 في المئة بين العائلات التي تستفيد من الدعم النقدي بعد أن كانت منذ ست سنوات 62 في المئة، وهي دلالة على أهمية ربط الحكومة الدعم بمحو الأمية الأسرية.

وأطلقت الحكومة برنامجا للدعم يقوم على اشتراط صرف المساعدات النقدية بمحو أمية الشخص المستفيد، وتمثل النساء في البرنامج نحو 75 في المئة من المستفيدات نقديا، مقابل 25 في المئة للرجال، وكان معدل الأمية مرتفعا بين مستحقي الصرف.

وأخفقت كل الحلول مع تلك الأسر لإقناعها بالبدء في محو أمية الآباء والأمهات سابقا، ثم لجأت إلى ورقة الدعم لحثهما على التعلم، لأن هناك سلوكيات خاطئة يصعب تغييرها في ظل غياب الوعي، فقررت ربط المساعدات بالتعلم.

تراجع معدلات الأمية بعد ربطها بالدعم يعني أن هناك شريحة معتبرة من الأسر تتقبل فكرة التعلم، ولو تقدم بها السن

وتدافع الحكومة عن هذا الخيار بأن استمرار الأمية الأسرية دون إيجاد حلول جذرية لها يقود إلى توريثها للأبناء، طالما أن الوالدين لا يستطيعان التمييز بين الصواب والخطأ، ولا يُدركان أهمية التخطيط للأسرة، ولزاما عليهما التعلم لاستمرار الدعم.

يدعم مجلس النواب (البرلمان) والكثير من المنظمات الحقوقية في مصر توجه الحكومة نحو وضع شروط لصرف الدعم، في سياق مظلة للحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة، جعلت ورقة المساعدات مرهونة بمحو الأمية لتغيير عادات تشكل خطرا مجتمعيا.

وأطلق برنامج “تكافل وكرامة” عام 2016 ليكون داعما للأسر الفقيرة، بحيث يحصل رب الأسر على مساعدة مالية شهرية من الموازنة العامة للدولة، ومع بدايات تطبيق البرنامج، أعلنت وزارة التضامن وجود 2.5 مليون لا يجيدون القراءة والكتابة من الآباء والأمهات.

ولم تضع الحكومة شرط التعلم ضمن معايير صرف المستحقات المالية النقدية في ذلك الوقت، لكن مع فتح الباب لإدراج عناصر جديدة من الأسر البسيطة من بين المستحقين، وُجد أن نسبة الأمية مرتفعة في صفوفها، ما دفع المؤسسات الرسمية إلى إطلاق برنامج قومي بعنوان “لا أمية مع تكافل وكرامة”.

واتهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سابقا الأمية الأسرية بأنها وراء الكثير من الأزمات التي تعصف بالكيان العائلي من خلال ارتكاب أخطاء ساذجة استسلاما لعادات وتقاليد وموروثات، ما انعكس سلبا على مستقبل الأبناء باعتبارهم النواة الأولى التي تتأسس منها الأسرة في المستقبل.

ولأن هناك الكثير من الأسر البسيطة في مصر لا تستطيع العيش في غياب الدعم الحكومي مع ارتفاع معدلات الغلاء إلى مستويات قياسية، وجدت الدولة أنه سلاح فعّال لمقايضة تلك الشريحة بالدعم مقابل محو الأمية، وورقة رابحة للقضاء على الجهل الأسري.

وأمام النتائج الإيجابية، قررت وزارة التضامن الاجتماعي التوسع في فصول محو الأمية في الأقاليم المصرية المختلفة، وتتم الاستعانة بخريجي كليات التربية لأداء الخدمة العامة في تلك الفصول كشرط لمنحهم شهادة التخرج في الجامعة بشكل نهائي.

ولم يخل التوجه الحكومي من ربط الدعم بمحو الأمية الأسرية من اتهامات لها وأنها ترغب في خفض عدد المستفيدين بحجة أنهم غير متعلمين، لكن الحكومة تدافع عن الفكرة بالتأكيد على أن استمرار الأمية خطر على الأسرة ويقود إلى عادات سيئة.

وتصطدم بعض البرامج التوعوية التي تحاول من خلالها الحكومة معالجة الأزمات الأسرية بجهل شريحة من الآباء والأمهات بالحد الأدنى من المعرفة، والإصرار على مسايرة حياتهم حسب العادات، وهناك أبناء كثر ضحايا للاضمحلال الفكري لوالديهم.

ولا تدرك الفئة الأمية مثلا شيئا عن القوانين التي تصدر لحماية الأسرة والأبناء، ويتم التمرد عليها تحت وطأة الجهل، وغالبا ما تكون الأعراف مهيمنة، مثل تشريعات معاقبة سلوكيات ختان الإناث والزواج المبكر والعنف الأسري والتسرب التعليمي.

ويتعامل الأب غير المتعلم مع ختان الإناث على أنه يوازي العفة والطهارة، مع أن القانون يجرم هذا التصرف ويعاقب عليه بالحبس، ويتم تبرير هذا السلوك بأن الأسرة لم تسمع عن القانون شيئا بسبب الأمية، ويتم التحجج بالعديد من التصرفات الخاطئة للسبب ذاته، وهو ما ترى الحكومة أنه خطر على الأسرة والمجتمع.

الأمية تتحمل جزءا من كثرة الإنجاب بما يفوق قدرات الأسرة، فضلا عن عدم معالجة أزمات ختان الإناث والزواج المبكر وعدم تعليم الفتيات والاقتناع بأنهن خلقن من أجل خدمة أزواجهن فقط

وقال الرئيس المصري منذ نحو ثلاث سنوات إن التحركات الحكومية للقضاء على العشوائيات ونقل الأسر البسيطة إلى مناطق سكنية جديدة حضرية لا تؤتي ثمارها جيدا، لأن المعالجة لم تتطرق بشكل جذري إلى الجهل وهو أصل الأزمة، وطالما لا يوجد وعي، لن تتحقق الأهداف المرجوّة.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة أن تراجع معدلات الأمية بعد ربطها بالدعم يعني أن هناك شريحة معتبرة من الأسر تتقبل فكرة التعلم، ولو تقدم بها السن، فالمهم أن تتعامل الحكومة مع الملف كقضية أمن أسري، لأن استمرار الأمية يغذي الجهل وينقله إلى الأبناء.

ويؤكد هؤلاء المتخصصون أن القضاء على الأمية الأسرية يجب أن يرتقي في فهم الحكومة إلى مشروع قومي يُحدد له سقف زمني للانتهاء منه، وإلا سوف تستمر المشكلات الأسرية التي تجلب انعكاسات خطيرة على المجتمع، ولن تعالجها التشريعات مهما كانت صارمة، لأن الجهل بها سوف يظل قائما.

وأوضح علاء الغندور استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة أن انخفاض معدل الأمية بعد ربط التعلم بالدعم هو مؤشر يجب أن تبني عليه الحكومة المزيد من الخطط القابلة للتطبيق، لأن عوائد تعلم الأبوين تضر بالأسرة وتعرضها لانتكاسات خطيرة لاحقا.

وأضاف لـ”العرب” أن محو أمية الأبوين يقي أبناءهما من سلوكيات متوارثة فرضتها عادات وتقاليد وأعراف بالية، والعبرة في وجود برامج تعليمية لكبار السن ترتبط بالثقافة القديمة لمحوها، وليس القراءة والكتابة فقط لتوسيع مداركهم المجتمعية.

ولفت إلى أن الأمية تتحمل جزءا من كثرة الإنجاب بما يفوق قدرات الأسرة، فضلا عن عدم معالجة أزمات ختان الإناث والزواج المبكر وعدم تعليم الفتيات والاقتناع بأنهن خلقن من أجل خدمة أزواجهن فقط، وهذه ثقافات يصعب محوها بتشريعات، بل عن طريق نشر الوعي الذي يبدأ بمحو الأمية، ثم تبنى عليه تلك المفاهيم.

وجزء من عوائد التعلم أن الأبناء أنفسهم لن يرثوا أفكارا مغلوطة، فشريحة من الأجيال الجديدة في المناطق الريفية والشعبية تستلهم سلوكياتها من الآباء باعتبارهم، كعرف وتقليد، مصدر المعرفة وأصحاب الكلمة العليا في قرارات الأولاد.

ولذلك فالأبناء هم أكبر شريحة مستفيدة من القضاء على الجهل الأسري في مصر، فعندما يتحدّثون مع آبائهم لإقناعهم بأمور تخص صميم حياتهم يفشلون في المهمة، لأن مستوى تفكير الأبوين توقف عند مرحلة بعينها، ما ينتج صراعا بين الأجيال داخل الأسرة لم يعد من الممكن استمراره وتحمل عواقبه.

15