"مواليد حديقة الحيوان" ثلاث روايات في رواية واحدة

الروائي المصري أشرف العشماوي يكشف مصائر البشر المؤلمة.
السبت 2024/07/06
لكل متهم قصة وحلم (لوحة للفنان صادق كويش)

تعتبر المحاكم أكثر الأماكن خصوبة في إنتاج الحكايات المروعة وكشف الآلام الإنسانية وتفاصيل عجيبة لا يصدقها عقل، إذ تمثل فضاءات تختلط فيها حكايات الناس بين الصادقة والكاذبة والمروعة والمضحكة والمؤسفة وغيرها مما يبين خفايا النفوس. هذه الحكايات حولها الكاتب المصري أشرف العشماوي بخياله إلى رواية من ثلاث روايات.

تجربة جديدة للروائي أشرف العشماوي يخوضها من خلال إصداره الجديد “مواليد حديقة الحيوان” الصادر عن الدار المصرية – اللبنانية، حيث يكتب لأول مرة الرواية القصيرة، فيكتب ثلاث روايات في رواية واحدة، تحمل الأولى عنوان “كابينة لا ترى البحر”، والثانية “مزرعة الخنازير”، والثالثة تحمل عنوان الرواية وهي “مواليد حديقة الحيوان”.

يقول العشماوي “لا يمكنني تأكيد أن الأحداث حقيقية، وفي الوقت ذاته لا أستطيع النفي”، ربما لا يمكنه تأكيد ذلك لأن الحكايات أغرب من الخيال، ولا يمكنه النفي لأن الواقع في أحيان كثيرة يفوق الخيال، خاصة أن جميع الروايات تنظر قضية البطل في المحاكم، ويتولى محام الدفاع عن كل بطل من أبطال الرواية، وهو ما يتناوله في رواياته الثلاث.

ثلاث روايات

جميع الروايات تنظر قضية البطل في المحاكم بينما يتولى محام الدفاع عن كل بطل من أبطال الرواية
جميع الروايات تنظر قضية البطل في المحاكم بينما يتولى محام الدفاع عن كل بطل من أبطال الرواية

لأن العشماوي يعمل قاضيا ورئيسا لمحكمة تعرض عليه الكثير من القضايا التي لا يصدقها العقل ويستنكرها المنطق، وترفضها الفطرة السليمة، ولعل هذه الروايات مستوحاة من بعض تلك الحوادث، ستصدمك نهايات الأبطال، ستتمنى لو تدخلت لتغيرها بنفسك، سترى ما حدث لهم ظلما، ستبكي عليهم وتحزن لوجعهم، ولن تملك سوى أن تتجاوز رواية لأخرى حتى تكتمل من القراءة، لتقف مع نفسك وقفة غير المصدق، لتتمنى لو أن ذلك كله من وحي خيال الكاتب.

الرواية الأولى “كابينة لا ترى البحر” بطلها عارف الفتى المراهق، الذي لا يعرف عن الحياة سوى الفقد، والتعرف على جسده واكتشاف غرائزه في هذه السن، لتنقلب حياته رأسا على عقب بسبب أمنية تمناها كانت تبدو مستحيلة، وليتها ظلت مستحيلة وما طلبها ولا حققها، وكم منا يتمنى الأمنية ويدعي الدعاء ظنا منه أنه خير ثم يكتشف أنه شر محيق، لم يكن يتخيل ما سيحدث له لأنه أسوأ من أسوأ كوابيسه.

الصندوق الذي يحوي حل اللغز، ليبيا التي سافر إليها الجد والتي لم تكن ليبيا في الحقيقة، بين السفر والزواج الثاني والثالث وبين السجن حلا للغز الحقيقي.

ولعلي أستعرض هذه الرواية من خلال عدة تساؤلات: من عاش في هوان كيف لا يمكنه التخلص منه إذا سنحت له الفرصة لذلك؟ بل يفرضه على أفراد أسرته ويجبرهم عليه؟ لماذا لم يملك شجاعة رفض العرض؟ لماذا لم يقل لقد ضحيت بسنوات من عمري مرتين ولن أضحي بحفيدي؟ هل هو طمع في المكافأة؟ أم خوف من  العقاب؟ أم ظنا أن المكافأة ستحمي الحفيد من الفقر بعد خروجه من السجن؟ هل صدق فعلا قول المحامي إن العقوبة ستكون سنة فقط؟ لماذا لم يساعده الخواجة وزوجته رغم وعدهما لعارف بذلك؟ من الذي استدعاهما قبل أن يذهبا معه إلى الشرطة لحكاية الرواية الحقيقية؟ هل تم شراء ذمتهما؟ هل كل شيء يشترى؟ وهل كل الأشخاص قابلون لشراء ذمتهم؟

لماذا من هو راع ومسؤول عن رعيته لا يقوم بحق الرعاية؟ بل يفرط فيها ويهملها ويهينها بل ويدمر مستقبل من يعيل؟ هل نموذج الجد موجود في الواقع؟ أدعي أنه نعم. هل هذا النموذج محدود أم أكثر بقليل؟ لا يمكنني الإجابة عن هذا التساؤل. ولكني أجزم بأنه يتخذ عدة أشكال في المجتمعات الفقيرة.

بيع الأب ابنته لثري عربي يتزوجها فترة ثم يرميها حاملا ولا يستطيعون الوصول إليه حتى لطلاقها أو كتابة المولود باسمه هو تفريط في الأمانة واستكانة واستهانة، عمالة الأطفال وحرمان الصغار من حقهم في الطفولة وإرسالهم للخدمة في البيوت (البنات) وإرسال الأولاد لتعلم حرفة في سن صغيرة استكانة واستهانة، تزويج القاصرات رغما عنهن استهانة واستكانة وتفريط، إذا عادت الابنة إلى بيت أبيها بعد ضرب زوجها لها فيرفضها الأهل ولا يقفون أمام الزوج دفاعا عن حق ابنتهم بل ويعيدونها إليه ويطلبون منها أن تتحمل فيقتلها الزوج هو استهانة واستكانة، ومن هذه النماذج يمكنني أن أقول إنها كثيرة خاصة في الأوساط الفقيرة التي يصل فيها الأمر إلى بيع “الضنى” -الابن- لأسرة غنية لصعوبة الإنفاق عليه، فلماذا أنجبوه؟

تبدأ الرواية بوصف مشاعر الحزن على الأم ولحظة الدفن وتلقي العزاء، فيبدأ اتضاح شخصية الجد الشديد المتحكم غير الحنون وغير المتفهم، الذي يأمر فيطاع، وشخصية الجدة التي لا تملك من أمرها شيئا على الإطلاق، وحياة الحفيدة، وأخت البطل التي ليس لها من اسمها نصيب على الإطلاق، بل ويصفها عارف أخوها بأنها خبيثة، ويرى أنها تبدو بريئة وطفلة في جسد آنسة، لكنها ليست كذلك، عارف الفضولي الذي يعرف ما حوله ولديه حدس قوي في الأشخاص، جريء في بعض المواقف، خاضع في أخرى، عاجز أغلب الوقت.

الحلم وتفسيره، حيث يرى عارف مناما ويشعر بحدسه أن شيئا خطيرا سيحدث له، وحين ماتت حياة ظن أن هذا هو الأمر الخطير، حتى صارحه جده بطلبه، وهذا ما ظهر في رمزية الحلم أن جده كان يغرقه في الماء. كم يشقى المرء بدعائه، وكم منع الله عنا شرورا بعدم إجابة الدعاء. تندهش كونهم أسرة بسيطة إلى هذا الحد ورغم ذلك لديهم خادمة، هذا الأمر ليس شائعا الآن، لديهم خادمة رغم ظروفهم المادية فالجد على المعاش، والخادمة ليست كبيرة في السن، فقد كان تهديدها بكشف سرها مع سائق الباشا سبيلا لعارف ليقيم علاقة معها ويقع في الخطيئة.

الأحلام البسيطة للبسطاء كما تقول الروايات الثلاث مجتمعة تودي بهم إلى حتفهم ونهاية مأساوية غير متوقعة

الرواية الثانية “مزرعة الخنازير” هي أطول الروايات، وربما أصعبها، تحكي عن تاجر الخنازير فايز حنا الذي يعيش في فترة حكم السادات، وقت التحول الكبير في المجتمع المصري، والذي كان متوجسا منذ ظهور جماعات دينية متشددة خاصة في الصعيد، فبدأوا في إصدار فتاوى متشددة، وأصبحت كلمتهم مسموعة وفوق القانون، وأصبح الجميع ينفذ أوامرهم، قناعة بما يقولون أو خوفا من بطشهم.

وقد اعتمد العشماوي في بنائها على تأجيل الكشف عن مقصود العبارات في شكل تشويقي يقف القارئ أمام العبارة لا يفهمها فيقرأها من جديد لعل فاته جزء يشرح ما أُبهم عليه، فإذا أكمل السرد وصل إلى مقصود الكاتب، مثل عبارة محامي فايز بطل الرواية الذي قال له واصفا خطته التي ستنقذه من الحبس لسنوات وقضايا كثيرة بسبب تعثره ماديا لكتابة شيكات دون رصيد: “لن تقدم إلى قضاة في محكمة أخرى إلا إذا فشلت، وقتها ستكون دليل الإدانة الأول على فايز نفسه”، كما لم يخبرك الروائي بخطة المحامي لتتكشف لك وهي تُنفذ، وبعد تنفيذ الخطة تتوقف وتتساءل هل هي الخطة أم صدفة واستغلها المحامي؟ وحتى نهاية الرواية لا تعرف كيف تمت صناعة الحدث؟ هل يمكن أن يكون المحامي اتفق مع المجنون؟ لم يفصح الروائي عن هذا الجزء وتركه لخيال القارئ.

كما أنك في بداية الرواية لا تعرف سبب طلب المحامي من فايز ارتداء النقاب حتى تصل إلى الصفحة 96 من الرواية لتعرف أن الجماعة السنية بالمنيا أهدرت دمه، حتى قال له المحامي “حياتك في موتك”. وطوال الرواية يفر فايز من الموت، مرة من إهدار دمه من قبل الجماعة السنية، ومرة من المحاكمة، حتى يلاقيه خائفا بعد اعترافه في الكنيسة بذنبه.

ومحامي فايز هو محامي صاحب حيلة تم رسم شخصيته بشكل شديد الواقعية، فهو على صلة بالعديد من المسؤولين وعلى دراية بالحيل التي يمرر بها الخطأ، وحين استخرج بطاقة مزيفة لفايز احتفظ باسمه الأول لأنه لن يشك أحد في أنه هو لو شَبَّه عليه، فلا يعقل أن يغير شخص اسمه ويحتفظ باسمه الأول، وفي عملية نقل لحم الخنازير في سيارات النقل الخمس وضع عليها صورا للسادات وضيفه كارتر ولم ينس شعار المعونة الأميركية، وكل هذا لتسهيل مرور السيارة، حتى أنه حين اعترضه ضابط كمين أهداه 10 كيلوغرامات من لحم الخنزير “الضاني”!

المحامي الذي تاريخه مخالف لحاضره استغل خوف فايز لمصلحته، فالمحامي كان الأول على دفعته، كان يطمح للتعيين في النيابة، رفض طلبه لأن والده يعمل عملا بسيطا فخافوا أن يسرق لأنه من أصول ليست غنية، رغم أن والده اشتهر بسبب حادث شهير كتبت عنه الصحف بسبب أمانته، إلا أن ذلك لم يشفع لابنه، يتحول من شخص طموح لتطبيق العدالة إلى شخص يعرف جيدا كيف يكسب من التحايل على القانون واستغلال الآخرين.

الأحلام البسيطة للبسطاء كما تقول الروايات الثلاث تودي بهم إلى حتفهم ونهاية مأساوية غير متوقعة لهم

والرواية تعرض لشخصية الأثرياء الجدد الذين ظهروا في فترة الانفتاح الاقتصادي في نهاية عهد السادات، وتلقي الضوء على التحول الاجتماعي والثقافي والنظرة للآخر والسطحية والازدواجية والحكم بالمظاهر المقدم على جوهر الإنسان، والتدين الشكلي الذي غزا المجتمع المصري منذ ذلك الحين ومازال المجتمع يعاني منه حتى الآن.

فترى شخصية الرجل المهيب الذي يصلي وسط الناس ويسمع شكواهم، وفي نفس الوقت يمرر صفقة لحم الخنزير على أنها لحم ضأن. والجملة المعبّرة على لسان المحامي لفايز “منين ما تأمن يجيلك الخطر” كأنها كانت رسالة تحذيرية لكليهما، فقد تحققت مع كليهما. ويظهر توظيف العشماوي للأحداث المتنوعة في زمن الرواية، والذي يمكن تحديده في عام 1977 سنة إصدار السادات قرار منع ذبح المواشي ومقاطعتها، وفنيا: عرض مسرحية “شاهد ما شافش حاجة” الذي بدأ سنة 1976 وصورت للتلفزيون سنة 1978.

ولأنها رواية مكثفة جدا ومليئة بالأحداث والإشارات، فإن التزاوج بين السلطة ورأس المال وضح جليا في تلك الفترة ومازال مستمرا حتى الآن، فهذا مساعد أمين التنظيم يُمَرِّر كالرجل المهيب صفقة لحوم الخنازير، بل ويدخل فايز حنا الذي أصبح الشيخ فايز مجلس النواب بعدما رأى التفاف الناس حوله للاستفادة من سمعته واسمه وشهرته بين الناس، ولكن حين أصبح الأمر على وشك اكتشافه ضحى بالجميع للحفاظ على الكرسي لأنهم ببساطة مثل رضا -خادم فايز- “ضمن قائمة طويلة بأسماء اللاعبين مع الكبار الذين خرجوا عن قواعد اللعبة أو عرفوا أكثر مما ينبغي ولو بالصدفة، ولم يدركوا يوما أنهم سيكونون عبئا على السفينة، وحمولة زائدة لا بد من التخلص منها قبل الرسو على البر”.

وهو ما يثير لديك تساؤلا عن كيفية بناء الأضرحة في مصر، هل كان ذلك بناء على ما ظنه الناس خيرا في شخص لم يعرفوا أصله ولا فصله؟ أم لأن شخصا ما أراد إخفاء حقيقة المتوفى بحمل الناس على ذلك؟ أم تهدئة للعامة الذين حزنوا على وفاة رجل صالح من وجهة نظرهم؟ لتختتم الرواية بزيارة سياحة دينية لضريح الشيخ فايز “المسيحي” وليحكي المرشد للزوار الحكاية المشهورة عن فايز التي تخالف حقيقته التي عاشها قبل مجيئه إلى القاهرة وبقائه فيها أشهرا معدودة. وكأن الكرم والعطاء يخفيان أي عيب والبخل لا تبقى معه ميزة.

في بداية الرواية تختار العرافة فايز من بين كل من في الغرفة بالمحكمة وتسحب كفه لتقرأه له وتقول له بلهجة حاسمة “إذا نظرت قضيتك ستموت”، لتمضي حياة فايز في الخطة التي رسمها له المحامي، حتى إذا قبل نهايته بوقت وجيز يرى في المنام “غرابا كبيرا يحوم حول رأسه، ثم هبط عليه ونزع عمامته ونقر جبهته فأدماها”، ولا أعرف هل سأل العشماوي مفسر أحلام عن رمزية الأحلام في المنامات، أم اعتمد على الرمزية الشائعة للغراب في منام فايز، ففي تفسير الأحلام الغراب هو شخص يوحي بأنه سيحقق لك الأحلام ولكن ذلك لا يتعدى كونه كلاما، وإذا واجهته يكشر ويعبس في وجهك، وكان مساعد أمين التنظيم هو من وراء نهاية فايز والمحامي والخادم، وهو الغراب في المنام.

تجربة جديدة للروائي أشرف العشماوي يخوضها من خلال إصداره الجديد، حيث يكتب لأول مرة الرواية القصيرة
تجربة جديدة للروائي أشرف العشماوي يخوضها من خلال إصداره الجديد، حيث يكتب لأول مرة الرواية القصيرة

أما الرواية الثالثة “مواليد حديقة الحيوان” فتحكي عن الشاب إسماعيل، شخص آخر من الأشخاص المهمشين في الحياة ولكن في نهاية فترة الرئيس السادات وتحديدا قبل اغتياله وبداية ولاية الرئيس مبارك الأولى، إسماعيل شاب يرغب مثل أي شاب في سنه أن يتزوج حبيبته ويحصل على شقة من وزارة الإسكان، في سعيه لتحقيق هذا الحلم يقع فريسة لمدير حديقة الحيوان التي ولد فيها، لذلك فهو من مواليد حديقة الحيوان، كان حلمه ذنبه، ففي سبيل تحقيق هذا الحلم استمع لنصيحة ورأي محامي بأن ينقل بعض الأثاث القديم إلى الاستراحة التي كان يعيش فيها والده وولد فيها، ومحل ميلاده عليها، الأمر الذي جعله طوال عمره مثار تنمر ممن حوله.

ولكن الأحلام البسيطة للبسطاء كما تقول الروايات الثلاث تودي بهم إلى حتفهم ونهاية مأساوية غير متوقعة لهم، فبالفعل تتحول فكرة المحامي التي عجز إسماعيل عن تحقيقها إلى نقطة لابتزازه من قِبل مدير الحديقة، فيجعله يرتدي هو وخطيبته ملابس أسد ولبؤة ويوضعان في قفص الأسد بديلا للأسدين اللذين توفيا بسبب صفقة لحوم حمير فاسدة تورط فيها المدير، ولا ينجو إسماعيل بالصدق وإنما ينجو بحيلة المحامي، ولكن نجاته ليست كاملة فقد اتهم بالفعل الفاضح هو وخطيبته في الحديقة، ولكنهما نجيا من تهمة قلب نظام الحكم، لأن الأحداث دارت وقت اغتيال السادات.

عدو البطل هنا هو مدير الحديقة، الذي أظهر الود الزائف عند احتياجه للبطل، رغم أنه مارس عليه أقصى درجات الاحتقار حين عينه حارسا لقفص الفيل وهو طبيب بيطري، ولأن عارف ضعيف ويحتاج إلى أي فرصة وعمل وافق على ذلك، ثم وافق على إذلال نفسه وخطيبته بارتداء ملابس حيوانات وأداء حركاتها في مهانة ارتضاها لنفسه ولمحبوبته التي لم تتخل عنه قط.

أبطال مشتركون

تتقاطع الروايات الثلاث في عدة أمور، فهناك قضية تنظر في المحكمة ضد البطل، هناك محام، خطأ ارتكبه البطل، مصير أقسى من الخطأ، راودت الأبطال أحلام مشروعة، ورأوا رؤى تحققت، في الروايات الثلاث رأينا إساءة استخدام السلطة والنفوذ، ولكل بطل من أبطال الروايات ماض مؤلم ونقطة تحول لا تعود بعدها حياته كما كانت، كرامة الأبطال الثلاثة مهدورة، وتتفق الروايات الثلاث في أنك تتمنى لو أنها غير حقيقية، ولكن يساورك شعور أنها حقيقية ولن تنس شخصيات الرواية التي رسمت بحرفية شديدة وكتبت بصورة إنسانية جدا.

في الرواية الأولى الراوي هو البطل، في الرواية الثانية والثالثة الراوي هو الراوي العليم.

تدور روايتان في فترة حكم السادات، والثالثة في الوقت الحالي، رسم الشخصيات بتفاصيلها الدقيقة الشكلية والنفسية والاجتماعية، ورسم نقاط التحول لكل شخصية، وماضيها وأزمتها، وصراعها مع القانون، مرتين دون ذنب، ومرة بذنب لا يستحق تلك النهاية، تتفاوت أعمار الأبطال بين طفل وشابين، اثنان من أبطال الروايات مسلمان، والثالث مسيحي اضطر إلى ادعاء إسلامه للهروب من الموت ولكنه مات، وكأن ما تهرب منه يطاردك أكثر. وقع بطلان في قصة حب كان لها تأثير في مجريات حياتهما وخيارتهما وقراراتهما بل ومصيرهما، بالطبع هذان البطلان هما بطلا الرواية الثانية (مزرعة الخنازير) المسيحي فايز حنا، وبطل الرواية الثالثة المسلم إسماعيل.

ودائما ما أبحث عن دلالة اختيار اسم الأبطال لدى الروائي، إن كانت هناك دلالة، وبطل الرواية الأولى المراهق عارف كان اسمه نقيض حياته، فلم يكن يعرف كيف أن حلمه سيكون كابوسا، ولا كيف أن عودته من المصيف كان فيها الخلاص وأن فرحته بلقاء حفيد الباشا الذي أقنع جده بالبقاء ستكون نهاية أخته حياة، لم يعرف أن حياة الأغنياء لها ضريبة، وأنه سيكون كبش فداء حال حدوث مصيبة يرتكبها أحد الكبار، بينما البطل الثاني فايز حنا، الذي ربما فاز ببعض المال لبعض الوقت، ولكن انقلبت حياته تماما وخسر كل شيء حتى أنه خسر حياته ولم يفز بشيء.

وثالث الأبطال إسماعيل على اسم الذبيح سيدنا إسماعيل كاد يكون ذبيحا فعلا، حين قرر رئيسه في العمل أن يستخدمه للنجاة من مصير محتوم بسبب فساده، فيجعله كبش فداء لأجهزة الأمن، يضحي به لينجو هو ومن معه، ولكن كتب الله له النجاة في نهاية الرواية مثلما نجا الذبيح عليه السلام.

12