الكتاب المصور بين تحقيق شروطه وكسرها

كتاب الطفل المصور، يحكي الحكاية بالكلمات والرسوم معا، وأول من بدأ في إصدار الكتاب المصور هو الفنان البريطاني راندولف كالديكت، حين أخرج 16 كتابا مصورا في الفترة من 1870 إلى 1880، ومن وقتها والكتاب المصور  يلقى رواجا كبيرا بين الأطفال وأسرهم، لما له من طابع مبهج، ويحقق شروطا لمتعة الطفل بالحكي، الذي لا يقتصر فقط على الكلمة مثل كتب الكبار.

والفئة المستهدفة من الكتاب المصور هي الأطفال من سن الميلاد حتى 8 سنوات في أغلب الآراء، ويمكن تقسم تلك الفئة إلى فئتين، فئة من يقرأ لهم الكبار، وفئة من يقرأون بأنفسهم. ويمكن تقسيم الكتب أيضا إلى كتاب كرتوني (مقوى)، وكتاب مصور، ويعتبر الكتاب المقوى نوعا من أنواع الكتاب المصور ولكنه لصغار الأطفال، ويعتبر غلافه وورقه الداخلي مقوييْن بخلاف الكتاب المصور الذي له غلاف مقوى فقط.

كتب مهمة

تتراوح عدد كلمات الكتاب المصور بين 50 كلمة وحتى 1000 كلمة، حسب الفئة الموجه لها الكتاب، ويعتبر عدد الصفحات القياسية للكتاب هي: 32 صفحة، وقد تكون 24 أو 28، وتصل في بعض الأحيان إلى 40 صفحة.

ويتنوع شكل الكتاب بين المستطيل والمربع، مع اختلاف أبعاد الكتاب، وهناك الكتاب المصور المستطيل طوليا، والمستطيل عرضيا، ويتم تحديد الشكل المناسب للكتاب، حسب موضوعه والرسوم المرافقة له، ويراعى في تصميمه ترك حواف كافية حتى لا يختفي جزء من الرسوم أو الكتابة أثناء قص أو تجميع الكتاب في صورته النهائية.

وفي المقال أحب أن أقدم نماذج لكتب مصورة للطفل لها بعد نفسي جميل، وقائمة على فكرة مبتكرة ومبدعة، ولكن تشترك في أنها غير مترجمة للغة العربية، وهي ترشيح مني للناشرين لترجمة هذه الأعمال المتميزة للعربية، سأذكر مع كل قصة الفكرة القائمة عليها، الجانب النفسي الذي اهتمت به القصة، الفئة المستهدفة منها وتعليقي على استهداف تلك الفئة.

وسأبدأ بقصة “The Kissing hand”، أو “اليد التي تُقَبِّل”، من تأليف أودري بن، ورسوم روث إ هاربر، نانسي إم ليك، وتحكي عن طفل يترك أمه لأول مرة ذاهبا إلى الحضانة، وهنا يتحدث الكاتب عن قلق الانفصال المرتبط بالفئة العمرية الموجه لها الكتاب وهي “2-6” سنوات.

تأتي الكاتبة أودري بن مؤلفة الكتاب بفكرة جميلة وملموسة وهي أن الأم تقبل يد صغيرها “حيوان تشيستر راكون” الذي يرفض الذهاب للمدرسة، بل يريد أن يمكث معها ويلعب مع أصدقائه ويلعب بألعابه، فتهمس في أذنه أنه علينا أحيانا أن نقوم بأشياء لا نرغب فيها، حتى لو بدت غريبة أو مخيفة، ولكنك ستحب المدرسة بمجرد أن تبدأها، وقبل أن تتركه أمه وتذهب طلب منها يدها وزرع أيضا قبلة في باطن كفها، قبلة حب ترسي أيضا سريعا من كفها إلى ذراعها إلى قلبها.

ورسوم الكتاب مميزة جدا، ويختم الرسام بعلامة الحب عند الصم والبكم. وأتفق مع توجيه الكتاب لهذه الفئة العمرية ولن يختلف ذلك من مجتمع إلى مجتمع لأن هذه السن هي التي يبدأ فيها الطفل الذهاب إلى الحضانة والمدرسة وينفصل عن الأسرة لأول مرة.

نماذج إبداعية

كتاب “The colore Monster”، لمؤلفته وصاحبة الرسوم أيضا Ann Llnas، وكتاب موجه للفئة العمرية من 3 إلى 5 سنوات، ويتحدث عن المشاعر وكيف أن وجودها مختلطة داخل الإنسان تجعله غير قادر على فهمها ولا التعبير عنها، فتأتي للوحش، بطل القصة الذي تظهره الرسوم بألوان مختلفة ومتداخلة “شخبطة”، صديقة تساعده على فهم مشاعره وتصنفها من خلال وضعها في زجاجات كل لون في زجاجة، وتسمية كل مشاعر حسب لونها، الأخضر هو الهدوء، الأسود هو الخوف، الأحمر هو الغضب، الأزرق هو الحزن، والأصفر هو السعادة.

والكتاب كما يتضح من فكرته أنه يتحدث عن المشاعر والتي يُصعّب على الأطفال بل وعلى الكبار أحيانا تحديد مشاعرهم في المواقف المختلفة وبالتالي التعامل معها بما يتناسب مع كل شعور، ولذلك أرى أن تحديد الفئة العمرية هنا حتى 5 سنوات يظلم الكتاب الذي سيكون مناسبا لأكبر من ذلك أيضا.

أما الكتاب الرائع “The heart and the bottle”، أو القلب والزجاجة، تأليف ورسوم أولفر جيفرز والذي يحكي قصة مؤثرة للغاية عن الفقد، يحكيها بسلاسة ومشاعر عالية وخيال وبإشارة دون تصريح عن الموت، فالفتاة بطلة القصة تستمع لجدها الجالس على الكرسي يحكي لها الحكايات وتسرح بخيالها مع كل حكاية، تجد نفسها تحلق في السماء بين النجوم، تغوص في المحيطات، تتعلم عن جسم الإنسان وأعضائه، والحيوانات والنباتات.

مع كل كتاب تدخل عالمه، تسرح الفتاة بخيالها، تتعلم جديدا عن هذا الكون، حتى يأتي يوم يصبح الكرسي فيه فارغا، ومع فراغ الكرسي يفرغ الخيال لديها، وتشعر أن قلبها غير مطمئن ولا آمن فتبحث له عن مكان آمن، فلا تجد سوى أن تخرجه من صدرها لتضعه في زجاجة وتعلق الزجاجة في رقبتها، ظنا منها أن قلبها هكذا لن يتألم، فغاب الخيال عنها، ولم يطمئن قلبها، لتقرر أن تعيده إلى مكانه، وبعد عدة محاولات تنجح في ذلك، وتجلس هي على الكرسي مكان جدها لتقرأ الكتاب بنفسها، ويعود لها خيالها الغائب.

حين كنت أقدم محاضرة عن الكتاب المصور بإحدى الجامعات المصرية الخاصة، لمست القصة قلوب الطلبة الذين مازال لديهم شعور الخوف من الفقد، فمن منا في صغره لم يذهب ليتفحص نفس والديه وهما نائمان، أو جدته أو جده ليطمئن أنهم بخير، وإلى أي سن استمر هذا الخوف، وكيف تغلب عليه البعض ولم يتغلب عليه آخرون؟ ولهذا فإن توجيه الكتاب لسن من 3 إلى 6 سنوات، سيثير بالطبع الجزء الخاص باختفاء الجد سؤال الأطفال: إذن أين ذهب؟ وأسئلة حول فكرة القلب في الزجاجة نفسها، وما علاقة ما حدث بغياب الخيال؟ لذلك فعلى الأبوين الذين سيقرأون هذا الكتاب مع أبنائهم أن يستعدوا بالإجابات المقنعة والحقيقية.

وأذكر أيضا كتاب الولد غير المرئي The invisible” boy”، تأليف: ترودي لودويج، رسوم: باتريس باترون، تحكي هذه القصة عن طفل غير مرئي في الفصل من معلمته ومن زملائه، ففي الفصل لا تلتفت إليه المعلمة، وأثناء اللعب لا يلتفت إليه الأطفال، الكل لا يراه، ويرسمه الرسام بالأبيض والأسود بينما باقي الشخصيات بالألوان، يظل هكذا حتى يأتي زميل جديد لهم، وحين يتناول غذاءه أمام باقي الأطفال الذين يسخرون منه، ويتنمرون عليه بسبب هذا الغذاء الغريب الذي لا يعرفونه، فيغضب الطفل منهم، ويتعاطف معه الطفل غير المرئي ويكتب له خطابا يمدح طعامه، وحينها يدرك الزميل الجديد وجوده ليطلب حين يبدأ الأطفال اللعب أن يلعب معهم.

 وحين يأكلون يجلس هو معه، ثم حين يتم تقسيمهم مجموعات من قبل المعلمة يختاره ضمن فريقه ومعهم زميل ثالث، ليكتشف الاثنان مزايا ومواهب الطفل الخفي “غير المرئي”، وحينها تتحول رسوم الكتاب فيصبح الطفل نفسه من ألوان بالأبيض والأسود إلى رسم ملون مثل باقي الشخصيات، ولفتني جدا فكرة استخدام الأبيض والأسود هنا في مرحة البطل الأولى ثم التحول للملون في المرحلة بعد التغيير.

والكتاب موجه للأطفال من عمر 5 إلى 8 سنوات، وهي سن دخول المدرسة، وأراه مناسبا من سن أصغر من ذلك ومناسب لسن أكبر من ذلك، فقد يكون مناسبا من سن 4 إلى 10 فهناك أطفال يظلون غير مرئين رغم تقدمهم في السنوات الدراسية لأنهم لم يجدوا فرصة من يدمجهم داخل فصلهم سواء قام بهذا الدور زميل لهم أو مدرس.

وكما تحدثت عن الكتاب المصور ونماذج متنوعة له تنطبق عليها الشروط، أذكر نماذج لكتب مصورة كسرت وخالفت تلك الشروط، فأبدا بالكتاب الذي لا يحوي كلمات مجرد رسوم وفكرة وسيناريو يحكي الحكاية “wordless picture book”، وقد يحوي كلمة واحدة أو كلمات قليلة فهي أيضا تندرج تحت نفس الفئة، ومن الأمثلة الجميلة لهذا النوع هو كتاب حطام السفينة “Flotsam“ والذي يحكي بالصور دون كلمة واحدة في الكتاب، قصة طفل أشقر يحصل على كاميرا يجدها في البحر وحين يأخذها يجد داخلها صور، يطبع هذه الصور فيكتشف أنها قامت بتصوير خفايا عالم البحار الغريبة والجميلة، وبعد أن يتسمتع بها، يقرر أن يعيدها إلى البحر من جديد لعلها تلتقط صورا أخرى.

وبالفعل تلتقط الكاميرا صورا كثيرة أخرى غير التي كانت التقطتها في المرة الأولى، لتطفو فوق سطح الماء من جديد ويلتقطها هذه المرة طائرا يلقيها على الشاطئ فيلتقطها طفل آخر، والكتاب موجه ل(3-7) سنوات، وهي فئة مناسبة للكتاب.

نماذج لكتب مصورة للطفل لها بعد نفسي جميل، وقائمة على فكرة مبتكرة ومبدعة، ولكن تشترك في أنها غير مترجمة للغة العربية

وهناك أيضا الكتاب المصور بالأبيض والأسود، ومن قصصه المميزة قصة شجرة العطاء “The giving tree”، والتي تحكي عن شجرة تعطي كل ما لديها لإنسان، كلما جاء طلب منها شيئا أعطته إياه دون انتظار مقابل أو شكر، ورغم أن هذه القصة صدرت عام 1964 وموجهة لعمر (4- 8) سنوات ستكتشف حين تقرأها أنها مناسبة لكل الأعمار، حتى الكبار سيستمتعون بها.

وكما ذكرت سابقا فالمتعارف عليه في الكتاب المصور أنه يكون حتى عمر 8 سنوات، وهناك كتبا مصورا خاطبت عمرا أكبر من ذلك مثل كتاب Who do you think are ، والذي تمت ترجمته بالعامية المصرية إلى “إنت فاكر نفسك مين” والكتاب شعري له معنى كبير عن الفئة الأصلية للكتاب المصور، لذلك وجهته المؤلفة لفئة (12-14) سنة، وهو مناسب في الواقع لعمر أكبر من ذلك، وهو كتاب تحفيزي موضوعه أنك كإنسان كون صغير قائم بذاته مثل الكون الكبير.

ويحظى الكتاب المصور باهتمام عالمي كبير وله مسابقات كبرى عالمية، أشهرها وأهمها التي تمنحها جمعية المكتبات الأمريكية وأهمها “ميدالية كالديكوت” رائد الكتاب المصور عالميا، لأهم كتاب مصور أمريكي للطفل، وسام نيوبري، كاريتا سكوت كينج، جائزة مايكل إل برينتز، جائزة بورا بيلبري.