"هجرة".. فيلم كرتون عائلي مناسب لكل الأعمار

حكايات وصراعات وعلاقات تتشابك مع الواقع في أغلب العائلات.
الخميس 2024/05/16
عائلات تواجه تحديات وجودية

قد يرى البعض أن أفلام الكرتون موجهة إلى الأطفال ولا فائدة منها، لكنها في الحقيقة نموذج عن الواقع الذي نعرفه، تقدم قصصا وحكايات بمعالجة تراعي قدرات الطفل، وتحاول توعيته وتعليمه مع الترفيه عنه، وهو ما يجب أن تهتم به الأسر العربية وتعتني بمشاركته مع الأطفال.

“هجرة” فيلم كرتون مدبلج باللهجة المصرية، اللهجة التي تعطي نكهة محببة خاصة لأفلام ديزني، ولم يختلف هذا الفيلم عن سابقيه في ما قدم من متعة وبهجة وقيمة.

يحكي الفيلم عن هجرة عائلة من البط البري إلى جاميكا، عائلة البط مكونة من أم وأب وابن أكبر وابنة صغرى.

اعتاد أفراد العائلة أن يقضوا الشتاء في تزيين بيتهم، يلعبون سويا، ويحكي لهم الأب قصصا مخيفة حتى لا يبتعد الأبناء فيتعرضون للخطر، وتتدخل الأم في الوقت المناسب وأحيانا يكون التدخل متأخرا لتصحح للأب ما يقدمه لأولاده من حكي قد يخيفهم ويؤثر سلبا على نفسيتهم. حتى أتت جماعة من البط إلى بركتهم في توقف مؤقت أثناء رحلتها إلى الكاريبي، فتلتقيها الأم وتدعو الأب إلى الحديث معها والترحيب بها.

تدعوهم عائلة البط إلى مصاحبتها في رحلة الهجرة، ولكن الأب الخائف دائما على عائلته من المجازفة والذي يؤثر السلامة يرفض ذلك ويتحجج بانشغالهم، وأنهم قد يصحبونها في العام القادم، وقبل وصول الأم كان الابن والابنة قد سبقوها إلى لقاء ابنة عائلة من العائلات المهاجرة، ليستلطفها الابن، ويعبر عن إعجابه بجمالها، مصححا كلمة كان يقصد بها أخته وظنت البطة الصغيرة أنها هي المقصودة.

ثم نتعرف بشكل سريع على شخصية كل فرد من الأسرة، الأب رجل يخشى التجربة والمجازفة، يسعى للاستقرار والمحافظة عليه، ومن أشكال المحافظة على الأبناء تخويفهم من الغرباء، من خلال حكاية عن “البلشون” الذي يحب أن يأكل البط البري، الحكاية التي أخافت الأبناء. أما الأم فتخاف على أبنائها ولكن بشكل أكثر اتزانا من الأب، لديها رغبة في التغيير، تحاول مع زوجها وحين يرفض تتحمله وتظل تدعمه حتى يرضخ للتغيير الذي رغبت فيه مع أبنائها. الابن الأكبر لديه رغبة في الاستكشاف وعنده مهارات قيادية ويتمتع بشجاعة قد تكون غير محسوبة دائما وهي إحدى سمات فترة المراهقة، أما البنت الصغرى فخفيفة الظل، تصنع الضحكة والفكاهة بمنتهى البساطة والتلقائية.

الفيلم يقدم معاني جميلة وتربوية مثل عدم مكابرة الأب حين أخطأ، ومساندة الزوجة لزوجها ومساعدته حتى يكون التغيير سهلا عليه

ولا ننكر أن سلوك الأب حيال الخوف الزائد على الأبناء يحدث في الأسر من أحد الوالدين وربما أحد مقدمي الرعاية الآخرين للطفل، ليظهر تأثير ذلك على الصغار الذين خافوا وذهبوا إلى النوم، وهنا تنتهز الأم الفرصة بعد محاولات عديدة للتدخل من أجل تعديل الحكاية؛ وذلك بأن “جوين” البطة الصغيرة ستبلل فراشها، لنتعرف على أحد مسببات التبول اللاإرادي عند الصغار.

هل يغير الأب موقفه من عدم الرغبة في السفر؟ من سيكون السبب في ذلك؟ نعم لقد غير الأب موقفه، وسببُ ذلك “أونكل دان” (العم دان)، إحدى شخصيات الفيلم، الذي قال للأب بطريقة تقريرية ساخرة “نعم إن كنت تريد أن تصبح مثلي عندما تكبر وتصبح وحيدا”  لامسا بذلك أحد مخاوف الأب غير المعلنة وهو الخوف من الوحدة، والمتمثل في رغبته أن تكون أسرته دائما حوله، بأضيق دائرة من المعارف.

ومن هنا تبدأ رحلة هجرة أفراد الأسرة، ويصطحبهم في الرحلة “أونكل دان”، الذي رغم نصيحته غير المباشرة للأب بالهجرة والسفر وتجربة شيء جديد مع عائلته، إلا أنه كان يشعر بأنه فات وقت التغيير بالنسبة إليه، فقد تقدم في العمر ولم يعد ذلك الأمر مناسبا له، وما إن أصرت جوين الصغيرة على أن يصطحبهم بكلمتها الشهيرة “وحياتيييي” حتى رضخ لها، لأنها أشعرته بأنه مهم بالنسبة إليهم وأنه ليس وحيدا.

تبدأ العائلة رحلتها وتمر بالعديد من المواقف والتحديات، والتصاعد في الأحداث، والعقبات التي تواجه الأبطال حتى يصلوا إلى وجهتم في نهاية الرحلة.

هناك مواقف تستوقف المشاهد للفيلم حين يحلل الأحداث ومواقف الشخصيات، يجد معاني جميلة قدمها الفيلم، أحد هذه المواقف يظهر حين يغير الأب رأيه في فكرة الهجرة بعد أن وجد أن جميع أفراد أسرته متحمسون للتجربة الجديدة، كما لم يحرج الأب “أونكل دان” حين أقنعته جوين بالسفر معهم، رغم عدم رغبته وأسرته في ذلك في بداية الأمر، خوفا من أن يصبح عبئا عليهم بسبب كبر سنه، كما كان الأب ممتنا جدا لزوجته على دعمها له وتشجيعه الدائم على التغيير والصبر عليه. كذلك موقف إعطاء الأب القيادة للابن بعد أن كان إقدامه وشجاعته سببا في إنقاذ الأم والأب بعد سقوطهما من طائرة الشيف، والزوجة التي تدخلت حين اختلف الأب مع الحمامة خيبة بشأن الساندوتش، ويكون تدخلا حكيما أنهت به الخلاف وحلت المشكلة، الأمر الذي لم يرفضه الأب بل شكرها على حكمتها.

هذا بالإضافة إلى تعاون الأم والأب في الحصول على المفتاح من الشيف لتحرير الببغاء الكاريبي، وفخر الأبناء بوالديهما حين أنجزا مهمة بدت في البداية مستحيلة.

أما المواقف التي رأى بعض رواد السوشيال ميديا أنها سلبية وتداولوها بل واعتبروا أن للفيلم رسائل مبطنة وحملوه ما لا يحتمل فهي كالتالي: حين قال الابن للأب عندما خاف من أن يذهب أحد لإحضار المفتاح من سفاح البط (الشيف) “مش كلنا بنخاف زيك!” (لسنا جميعا نخاف مثلك). هذه الجملة الجارحة التي لا يليق أن تصدر من طفل لوالده، والتي تكررت حين رفض الأب أن يذهب الابن لتحذير البط من الشيف الذي أتى لشرائهم من أصحاب المزرعة، ليخالف الابن أمر الأب ويذهب لتحذير البط، ما أدى إلى إصابته وقص جناحه، وحين نهره الأب على ذلك التصرف صرخ في وجهه وتركه ونزع يده عن كتفه بعد أن اعتذر له حينما انتبه إلى أنه أهانه أمام المجموعة.

هذه المواقف التي لم يعتذر عنها الابن، ولم تنبهه الأم إلى خطأ أن يتجاوز حق والده، بالإضافة إلى تقديم الشيف (سفاح البط) في صورة الشخص الشرير الذي يفرق عائلات البط، الأمر الذي جعل بعض أولياء الأمور يقولون إن أبناءهم قرروا رفض أكل البط وكل أشكال الطيور، كما أن الأم كانت تختلف مع زوجها أمام الأولاد ولعل ذلك جعل الابن يتجرأ بردود وقحة على الأب، كما لم يستمع الأبناء لتحذير الأم والأب من الحديث مع الغرباء دون وجودهما، وهذا ما خالفه الأبناء.

الحقيقة أن الفيلم للأسرة وليس موجها إلى الطفل وحده، ودائما ما نقول كمتخصصين في علم النفس والتربية إنه يتوجب على الأهل أن يشاهدوا ما يشاهده الأبناء ومناقشتهم فيه، والفيلم يعرض نموذجا طبيعيا لما يحدث في أي بيت عربي، بل وربما ما يحدث في الواقع يفوق ما قدمه الفيلم بمراحل.

الفيلم للأسرة وليس موجها إلى الطفل وحده، وهو يعرض نموذجا طبيعيا لما يحدث في أي بيت عربي
الفيلم للأسرة وليس موجها إلى الطفل وحده، وهو يعرض نموذجا طبيعيا لما يحدث في أي بيت عربي

في الفيلم دائما ما كانت تلك المشاكل تحل وتعود المياه إلى مجاريها بين أبطال العمل، وهو أيضا مثل ما يحدث في أي بيت، إذن فالمشكلة ليست في تقديم نموذج طبيعي لما يحدث في البيوت، ولكن في طريقة التناول البسيطة واللطيفة، والتي لا تحمل توجيها مباشرا للطفل، بل تدعوه إلى التفكير وهو يضحك، وتدعو الأهل إلى التفكير في أي أخطاء تربوية يقومون بها مع الأبناء، مثل الحماية الزائدة والخوف من تجربة الجديد الذي لا بد وأنه سيحمل خبرات يكتسبها الطفل ومهارات ستتم تنميتها، بالإضافة إلى إعطاء الأبناء الثقة في التجريب تحت اشراف الوالدين بدلا من أن يجربوا بعيدا عنهما فيتعرضون للخطر.

الفيلم قدم معاني جميلة وتربوية مثل عدم مكابرة الأب حين أخطأ، ومساندة الزوجة لزوجها ومساعدته حتى يكون التغيير سهلا عليه وهو الشيء الذي عاش عمره كله يرفضه، واعتراف الزوج بذلك لزوجته وامتنانه لها.

واحتوى الفيلم على الكثير من المواقف الكوميدية، ومن أكبر مصادر الكوميديا في الفيلم البطة الصغرى جوين وأونكل دان والحمامة “خيبة” التي عبرت عن حماية الضعاف وفي نفس الوقت القوة التي تصدر من شخص صغير الحجم وضعيف البنية، ولكن قدرتها على حماية حقوق أتباعها هي التي منحتها تلك القوة، فتراها تساعد أفراد الأسرة على إكمال رحلتهم من خلال إيصالهم بالببغاء المخطوف القادم من الكاريبي وتحديد جاميكا، وحين تقرر أن تذهب معهم لتقودهم تصطدم عدة مرات بأتوبيسات، وموتوسيكل، رغم أنها كانت تحذرهم من الخطر.

وجوين حين تعرض على أخيها أن يحصل على حضن بعد قص جناحيه من الشيف يطلب منها أن تتركه، إلا أنها تحتضنه رُغما عنه، وتنظر إليه وتسأله “هل الآن أفضل؟” فيجيب بـ”لا”، فتقول له “إذن لم يصل المفعول بعد”. وهو مع كونه مشهدا كوميديا يظهر مدى محبة الأخت لأخيها ورغبتها في التخفيف من حدة شعوره.

وكذلك حين سمعت أونكل دان يشتبك مع الطيور، وقالت “أونكل دان معاه حكاااية”.

والعم دان عندما اختلف مع الحمام على الساندوتش الذي وجده، فأخذ يلحس الساندوتش حتى يصاب الحمام بالقرف ومن ثمة يعزف عن مشاركته في تناوله، ويستمر في لحس الساندوتش بعد قرار قسمته، وحين قال لخيبة “مش مسامح في الساندوتش”.

تنتهي القصة بأن يمنح الأب الابن زمام القيادة، وبداية رحلة جديدة، يكون الأب هنا هو من يبادر باتخاذ القرار بعد أن رأى السعادة على وجه أسرته، ليعارض أونكل دان هذا القرار، فتتدخل جوين مرة أخرى وتقنعه بكلمتها اللطيفة “وحياتيييييي”.

فيلم “هجرة” من إنتاج 2023، قام بالدبلجة للهجة المصرية عادل رأفت في دور الأب ماك، وسالي النمس في دور الأم بام، وشادي عبدالسلام في دور الببغاء ديلروي، وجهاد أبوالعينين في دور أونكل دان، وياسمين ممدوح وافي في دور الحمامة خيبة، ورأفت عادل في دور الابن داكس، وفيروز وليد في دور الابنة جوين.

14