ختان الإناث يضاعف استياء المصريين من اللاجئين السودانيين

أطباء سودانيون يغذون الميراث الفكري لدى أسر مصرية حول الختان.
الاثنين 2024/07/01
عادة الختان ترافق السودانيين أينما حلوا

تتعالى الأصوات المصرية الداعية للوقوف في وجه الممارسات الدخيلة على المجتمع المصري وثقافته، وذلك في ظل إصرار بعض اللاجئين السودانيين على ختان الإناث علنا في تحدٍّ سافر للقوانين المُجَرِّمة للظاهرة، حيث يرى حقوقيون معنيون بشؤون الطفل أن الحكومة إن لم تتدخل بصرامة ستواجه أزمة معقدة، لاسيما أن شريحة من الأسر المصرية مازالت تؤمن بهذه الطقوس الدينية والاجتماعية، داعين إياها لتطبيق القانون على الجميع بلا تفرقة بين مصري ومقيم ولاجئ.

القاهرة- أحدث قيام أحد الأطباء السودانيين المقيمين في مصر بالإعلان عن إجراء عمليات ختان للأطفال صدمة للكثيرين، حيث فسر الإعلان أنه خاص بالإناث، فانتفض أعضاء في مجلس النواب وقرروا استدعاء المسؤولين عن القطاع الصحي، لوضع حد لظاهرة قيام بعض السودانيين بإجراء عمليات ختان للإناث في المنازل.

وبينما تتم عمليات الختان من جانب أطباء مصريين في سرية تامة وبعيدا عن أعين السلطات خشية العقوبات، يعلن سودانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن القيام بها جهرا، مع أن القانون المصري يُجرم ختان الإناث كليّا.

واتهم برلمانيون بعض أعضاء الجالية السودانية في مصر بفرض ثقافتهم على المجتمع، وزيادة حدة الاحتقان الشعبي، ويرتكبون تصرفات مناهضة للقانون، تعرقل جهود الحكومة للقضاء على ظاهرة خطيرة، وتعمل الدولة على الخلاص منها بشكل نهائي.

عادل بركات: خوف المصريين من عقوبات الختان يدفع للجوء إلى سودانيين
عادل بركات: خوف المصريين من عقوبات الختان يدفع للجوء إلى سودانيين

وذكر عدد من أعضاء البرلمان في طلبات الإحاطة المقدمة منهم للمسؤولين عن القطاع الصحي بتطبيق القانون على الجميع بلا تفرقة بين مصري ومقيم ولاجئ، طالما يعيش في مصر، لأن التراخي في المواجهة والاستسلام لثقافة الغير يعقدان الأزمة.

جاءت واقعة الإعلان عن ختان الإناث من سودانيين بينهم طبيب، لتزيد من الغضب في مصر ضد أبناء الجالية السودانية، ومع أن التصرف فردي، لكنه تزامن مع قيام آخرين باستفزاز الشارع عبر رفع خرائط لبلادهم على بعض المحال، تضم منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين مصر والسودان منذ عقود طويلة.

ويُتهم سودانيون بإضعاف الخدمات المقدمة إلى المواطنين المصريين في مناطق بعينها، والمساهمة في زيادة الغلاء بالنسبة إلى الغذاء والسكن، وتُضاف الآن محاولة بعضهم تحدي القوانين المصرية عبر إعادة دعم ختان الإناث.

ما ضاعف الامتعاض البرلماني والشعبي أن مصر جنت ثمار تركيز الخطاب التوعوي لمؤسساتها التعليمية والصحية على شباب الأسر بشأن التخلي عن ختان الإناث، وتراجعه لنحو 14 في المئة مقارنة بـ37 في المئة منذ خمس سنوات.

وقررت لجنة الصحة في مجلس النواب عقد اجتماع طارئ لمناقشة أزمة الختان، لأنها صارت تهدد خطة المؤسسات المصرية المرتبطة بالتصدي للظاهرة التي تحولت إلى وصمة عار في جبين الدولة، وتعاملت معها هيئات مختلفة بجدية لتغيير ثقافة الأسر.

مشكلة بعض الأطباء، وربات المنازل المعروفات في مناطق سكنية تشهد كثافة من أبناء الجالية السودانية، أنهم عمموا إجراء عمليات ختان الإناث دون توجيه خطابهم للأسر السودانية، وربط تلك العادة بشرف الفتاة، وربما العائلة كلها.

وقامت صفحة باسم الطبيب السوداني الصادق إسماعيل على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بالترويج لعمليات الختان ونشر فيديو للتعريف بفوائد الختان، والمفارقة أن الفيديو حمل صورا من إعلان تابع لحملة للحكومة المصرية مناهضة لختان الإناث.

وروج الطبيب السوداني عن نفسه بنشر أرقام هاتفه المحمول، مؤكدا أنه متواجد في مصر وجاهز لإجراء عمليات الختان، ما اعتبر تحديا سافرا للقوانين في مصر.

صورة

ونشر أحد المتابعين الذي يحمل الجنسية المصرية محادثة مع الطبيب السوداني للاتفاق معه على إجراء عملية ختان لطفلة عمرها خمس سنوات بحي فيصل بمحافظة الجيزة، المجاورة للقاهرة وطلب الطبيب مبلغ 3 آلاف جنيه (نحو 60 دولارا) لإجراء العملية.

ويعتقد حقوقيون معنيون بشؤون الطفل في مصر أن الحكومة المصرية ما لم تتدخل بصرامة لفرض قوانين محاربة ختان الإناث على الجميع، ستواجه أزمة معقدة ترتبط بنقل ثقافة بعض الدول تجاه الختان إلى مصر، بشكل قد تصعب مواجهتها.

وصعّدت السلطات إجراءاتها ضد المتورطين في جرائم ختان الإناث، وقررت حبس كل من لهم علاقة بالجريمة، سواء أطباء أو أرباب أسر، أملا في القضاء على الختان، في ظل اتهامها من منظمات حقوقية وصحية بأنها عجزت عن مواجهة الختان.

وقال عادل بركات الباحث المصري المتخصص في العلاقات الاجتماعية وتقويم السلوك إن الخطر الأكبر مرتبط بأن ختان الإناث في السودان أمر طبيعي، وهناك مناطق تفرضه بلا خوف من السلطات، ويجب وقف نقل هذه الثقافة لمناطق مصرية.

وأضاف لـ”العرب” أن خوف الأطباء المصريين من عقوبات الختان قد يدفع البعض للجوء إلى سودانيين لإجرائها، لكن ما يخفف من وطأة الأزمة أن التلاحم بين مواطني البلدين في العادات والتقاليد لازال بعيدا.

وتتمسك الحكومة المصرية، ممثلة في المجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، بالقضاء على ختان الإناث ومحاصرة ثقافة العفّة، لكن المشكلة في ترويج سودانيين له بداعي الحفاظ على الشرف والطهارة، ما يجد تجاوبا في مصر أحيانا.

◄ برلمانيون اتهموا بعض أعضاء الجالية السودانية في مصر بفرض ثقافتهم على المجتمع، وزيادة حدة الاحتقان الشعبي، ويرتكبون تصرفات مناهضة للقانون، تعرقل جهود الحكومة للقضاء على ظاهرة خطيرة

تعد ثقافة العفة، هي المتهم الأول في استمرار ارتكاب جريمة الختان من جانب بعض الأسر في مصر، لكن مؤخرا تحرك مجلسا المرأة والطفولة، لتنظيم حملات منزلية موسعة، بغرض الطعن في الميراث الفكري والديني الذي يبيح الختان.

وأكد عادل بركات لـ”العرب” أن جزءا من المشكلة المرتبطة بالختان عند السودانيين قد ينتقل بشكل أسرع إلى الفئة الأمية في مصر، مع ارتفاع معدل غير المتعلمين، وهم لا يعرفون أن هناك قوانين تحاكم الأسر على جريمة الختان.

كما أن عقوبات الختان نادرا ما تطبق على المصريين أنفسهم، بحكم السرية التي تفرضها الأسرة على العملية برمتها، ويصعب أن يبلغ الجيران عن بعضهم لإيمانهم بأن ذلك من الأمور العادية في المناطق التي تنتشر فيها وقائع الختان.

ويتمسك حقوقيون بأن تتخذ الحكومة المصرية إجراءات صارمة باستخدام سلاح الترهيب كحل لمواجهة أي ثقافة دخيلة على المجتمع يمكن أن تكرس ظاهرة الختان، مع إصرار بعض اللاجئين عليها رغم العقوبات المطبقة داخل البلاد.

وتصل عقوبة الختان في مصر إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز ثلاث سنوات، لكن استمرار وقائعها يشير إلى أن تفعيل العقوبة ليس كافيا لتحصين الفتيات المصريات من التعرض لهذه العادة الذميمة، مع وجود أصوات تدعو إليها علانية، وتحرض الأسر على ارتكابها.

ويرى مصريون غاضبون من تصرف بعض السودانيين والدعوة على الختان علانية، أن الخوف يأتي من إجراء عمليات الختان بطرق بدائية، كانت تنتشر في مصر سابقا، لكنها اختفت بنسبة كبيرة، حيث يتم اللجوء إلى “الداية”، وهي امرأة غير متعلمة تمارس الختان بطريقة بدائية، من خلال مشرط، ومع التقدم الطبي اختفت تقريبا، في حين أن صورا التقطت لسودانيات أظهرت قيام “الداية” بعمليات ختان لفتيات.

ومازالت تؤمن شريحة من الأسر المصرية بالطقوس الدينية والاجتماعية، وتعتقد أن ختان الفتاة يحصنها من الانحراف ويحجم رغباتها الجنسية، وهي إشكالية تزداد تعقيدا عندما يقوم بعض اللاجئين بدعم الفكرة والعمل على نشرها.

ومن غير المتوقع أن تمرر الحكومة ما يحدث من بعض السودانيين دون محاسبة في ظل تمسك برلماني بضرورة عقاب هؤلاء بتهمة التحريض على الختان قبل أن تجد نفسها في مأزق، بين مواطنين محليين يرتكبون الجريمة سرا ولاجئين ينفذونها علنا.

16