الانتهاء من تدقيق التعيينات في الوظيفة العمومية يثير الارتياح في تونس

أخيرا توصلت لجنة القيادة الخاصة بإجراء تدقيق شامل لعمليات التوظيف والإدماج في الوظيفة العمومية والهيئات والمؤسسات والمنشآت العمومية في تونس إلى صياغة تقريرها النهائي وقدّمته إلى الحكومة، ما مثّل رسالة طمأنة واضحة بشأن جدية السلطة في محاربة الفساد بعد فترة طويلة من الانتظار.
تونس - تلقت الحكومة التونسية التقرير الختامي المتعلق بالتدقيق الشامل لعمليات التوظيف في القطاع العمومي، في خطوة يرى مراقبون أنها خلّفت نوعا من الارتياح الشعبي بعد سنوات من المطالبة بفتح ملف التعيينات على أساس الولاءات الحزبية أو باعتماد الشهائد العلمية المزورة.
وبدا واضحا أن الدعوات المتصاعدة لإجراء عمليات التدقيق في تعيينات الموظفين بالمؤسسات العمومية، خصوصا بعد إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو 2021، اعترضتها عدة صعوبات تقنية وتنظيمية وأثارت مخاوف بخصوص إمكانية إتمام عمليات التدقيق، ذلك أن لجان التدقيق في التعيينات بالوظيفية العمومية والقطاع العام احتاجت إلى وقت إضافي لاستكمال مهامها وإعداد تقرير نهائي في الغرض.
وواجهت تونس بعد 2011 موجة كبيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والضغط من أجل توفير الوظائف، كما صدر مرسوم العفو التشريعي العام في 19 فبراير 2011، الذي تم بمقتضاه توظيف حوالي 7 آلاف موظف في الوظيفة العمومية، من دون مناظرات رسمية.
وأثار تزوير الشهائد العلمية والتعيينات المشبوهة في عدد من القطاعات، في ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، جدلا واسعا في الفترة الأخيرة.
وأشرف رئيس الحكومة أحمد الحشّاني مساء الخميس، بقصر الحكومة في القصبة، على اجتماع لجنة القيادة الخاصة بإجراء تدقيق شامل لعمليات التوظيف والإدماج في الوظيفة العمومية والهيئات والمؤسسات والمنشآت العمومية والشركات ذات المساهمة العمومية وسائر الهياكل العمومية الأخرى، والمتعلقة بالفترة من 14 يناير 2011 إلى 25 يوليو 2021.
واطّلع رئيس الحكومة على النتائج النهائيّة التي تم التوصل إليها، كما قُدّمت له نسخة من التقرير الختامي للجنة.
ويأتي هذا الاجتماع تطبيقا لمقتضيات الأمر عدد 591 لسنة 2023 المؤرخ في 21 سبتمبر 2023.
وانطلقت اللجان المكلفة بعمليات التدقيق في عملها منذ بداية شهر أكتوبر من العام الماضي، كما تم التمديد في عمل تلك اللجان حتى 20 مارس الماضي.
وكان من المفترض أن يتم يوم 20 مارس الماضي تقديم التقرير الختامي لأشغال التدقيق الشامل لعمليات الانتداب والإدماج في الوظيفة العمومية والقطاع العام إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن تم تجاوز الأجل الأول المحدد في 20 يناير الماضي، والتمديد في الأجل بشهرين وفق الأمر عدد 86 لسنة 2024 المؤرّخ في 26 يناير 2024.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “هناك جرأة من هذه الحكومة في التعاطي مع ملف التعيينات العشوائية والشهائد المزورة، كما ستقطع أشواطا مهمة في هذا الملف بتعليمات من الرئيس قيس سعيد”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس سعيد حريص على استكمال هذا الملف من أجل قطع الطريق على من تسلّلوا إلى الإدارة التونسية لغايات سياسية ولا تتوفر لديهم الكفاءة والخبرة”.
وطرح تجاوز الآجال المحددة لعمل اللجنة مرة ثانية تساؤلات لدى المتابعين للشأن التونسي بخصوص جدية التعاطي مع هذا الملف ومحاولة تمييعه، فضلا عمن يقف وراء تعطيل عمليات تدقيق التعيينات.
3
آلاف موظف من عائلات ضحايا الثورة وجرحاها تم تعيينهم بعد 2014 بصفة عشوائية، فضلا عن شبهات التوظيفات السياسية
وسبق أن عبر مرصد رقابة عن استنكاره لتجاوز عمليات التدقيق مرة أخرى الآجال القانونية، معتبرا ذلك “فشلا متكررا”، وتساءل عمن يتحمل مسؤولية ذلك؟
واعتبر مرصد رقابة أن التأجيل هو دليل واضح على أن الأجل القانوني الذي تم تجاوزه لأول مرة هو أجل ترتيبي وليس بأجل استنهاضي، وكان يتعين على لجنة قيادة عمليات التدقيق التي يترأسها رئيس الحكومة التقيد بالأجل الترتيبي الجديد الذي جاء باقتراح من حكومته، مذكرا ببعض محطات هذه العملية ومرجحا أن يكون هناك من يعطلها.
وأوضح أنه تم في 21 سبتمبر 2023 إصدار الأمر عدد 591 لسنة 2023 المتعلّق بإجراء تدقيق شامل في عمليات التوظيف والإدماج في الوظيفة العموميّة والهيئات والمؤسّسات والمنشآت العموميّة والشركات ذات المساهمة العمومية وسائر الهياكل العمومية الأخرى والمنجزة من 14 يناير 2011 إلى 25 يوليو 2021، وأنه كان من المفروض حسب نص الفصل 6 من الأمر أن تنهي لجان التدقيق مهامها بتاريخ 20 ديسمبر 2023.
وأفاد بأنه كان من المفروض أيضا حسب نفس الفصل أن يقدّم رئيس لجنة القيادة التقرير الختامي إلى رئاسة الجمهورية في أجل أقصاه 20 يناير 2024 وبأن المرصد كان قد أصدر يوم 23 يناير الماضي بلاغا للرأي العام نبه فيه إلى تجاوز الآجال القانونية لإنجاز عمليات التدقيق الشامل وتقديم التقرير الختامي.
وذكر أنه صدر بتاريخ 26 يناير الماضي الأمر عدد 86 لسنة 2024 الذي ينص على التمديد بشهرين في الأجل الممنوح للجان التدقيق من أجل إنجاز مهامها لتصبح الآجال كالتالي: 20 فبراير 2024 تاريخ انتهاء أشغال لجان التدقيق و20 مارس تاريخ تقديم التقرير الختامي من طرف رئيس لجنة القيادة (رئيس الحكومة) إلى رئاسة الجمهورية.
وكان الرئيس سعيد قد كشف خلال لقائه برئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية عماد الحزقي بتاريخ 20 نوفمبر 2023 أن النتائج الأولية التي تم التوصل إليها من قبل لجنة التثبت والتدقيق تبين حجم التلاعب بالمال العام، وقال إنه تم التفطن في إحدى الوزارات فقط إلى عدم وجود 15 ألف ملف توظيف أو إدماج، إلى جانب عدم توفر بعض الشروط القانونية في عدد من الذين تم انتدابهم خاصة في المؤسسات والمنشآت العمومية.
وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان إن “التدقيق في التعيينات أنهى مرحلة مهمة وسيغلق الباب نهائيا أمام ما سمّي بالتوظيف العمومي على أساس الولاءات الحزبية، كما سيظهر حقيقة ما جرى في إدارات تلك المؤسسات بعد 2011”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “نتائج التقرير ستمكننا من معرفة من فتح الباب أمام أولئك الموظفين وأدخلهم إلى الإدارة، وسيتبع بإجراءات قانونية وإدارية”.
ودعا باسل الترجمان إلى “ضرورة تغيير كبير في آليات تعيين الموظفين بعيدا عن الملفات الورقية، في ظل التطور التكنولوجي القائم، وذلك باعتماد الرقمنة في الإدارة وتحيين المعطيات المتعلقة بالموظفين حتى لا يتم تكرار تلك الأخطاء السابقة”.
وتتركّب لجان التدقيق وفق الفصل الرابع من المراقبين أو المتفقّدين المنتمين إلى هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية، وهيئة الرّقابة العامّة للماليّة، وهيئة الرّقابة العامّة لأملاك الدّولة والشّؤون العقاريّة، والتفقديّات العامّة ومختلف الهياكل المكلّفة بالرقابة، على أن تنهي أشغالها في أجل شهرين من تاريخ مباشرتها لمهامها.
وكان أحمد الحشّاني قد أمضى بتاريخ 19 أكتوبر الماضي 26 إذنا بمأموريّة تمّ بمقتضاها تكوين لجنة خاصة للتدقيق الشّامل في عمليات التعيين والإدماج بكل وزارة وسائر الهياكل الراجعة لها بالنظر. وأذن بانطلاق كافة اللّجان في إنجاز مهامّها بداية من يوم 20 أكتوبر 2023.
ووفق مقترحات لجنة قيادة عمليّات التدقيق برئاسة الحكومة، فقد تشكّلت لجان التدقيق الخاصّة بكل وزارة من مهنيين من أهل الاختصاص في أعمال الرّقابة والتفقّد والتدقيق.
وسبق أن أحالت وزارة الشؤون الاجتماعية أكثر من 200 ملف على القطب القضائي المالي بخصوص تزوير شهائد علمية وتعيينات مشبوهة، وذلك بعد تحقيقات إدارية.
وحسب دراسة رسمية أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، تم بعد 2014 تعيين ثلاثة آلاف موظف من عائلات ضحايا الثورة وجرحاها بصفة عشوائية، فضلا عن شبهات التوظيفات السياسية.