انقطاعات الماء الصالح للشرب تفاقم مشاكل العطش في تونس

خبير بيئي: ثلث مياه السدود مهددة بالتبخر.
الجمعة 2024/06/21
عادات تقليدية في تخزين الماء لمواجهة العطش

مع حلول فصل الصيف وتزايد درجات الحرارة، تتجدد صعوبات التونسيين مع الانقطاعات المتواترة للماء الصالح للشرب، في ظل شح كميات المياه التي فرضتها التغيرات المناخية، ما يطرح تساؤلات لدى المراقبين حول طرق الدولة في مواجهتها ومدى قدرتها على توفير الآليات اللازمة لها.

تونس - تعاني مختلف المناطق التونسية من معضلة الانقطاع المتكرر لمياه الشرب في وقت تتزايد فيه درجات الحرارة مقابل تراجع نسب المياه في السدود، وسط تحذيرات الخبراء من إهدار الماء لتجنّب تهديدات العطش.

وكانت السلطات التونسية، قد أعلنت في مارس الماضي أنها ستواصل العمل بإجراءات ترشيد استهلاك الماء المتخذة العام الماضي نظرا لضعف المعدل السنوي للأمطار.

ويرى مراقبون أن الانقطاعات المتواترة للمياه تعود إما لمشاكل هيكلية تتعلق بالبنية التحتية المتقادمة لقنوات نقل الماء التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد)، أو لعدم توزيع الماء حسب أولوية القطاعات الاجتماعية والزراعية والصناعية.

وأكّد عادل الهنتاتي، الخبير في البيئة والتنمية المستدامة، الأربعاء أن “التغيرات المناخية أدت إلى ارتفاع مستوى البحر الذي سيؤثر على الحياة اليومية لمتساكني السواحل وسيزيد من الشح المائي”.

وأضاف في تصريح لوسائل إعلام محلية “أظهرت دراسات في تونس أنّ ثلث مياه السدود مهدّدة بالتبخّر بمفعول درجات الحرارة المرتفعة في الأيام القادمة”.

ولفت الهنتاتي إلى “تسجيل ارتفاع كبير في درجات الحرارة بـ12 درجة، مقارنة بالمعدلات الطبيعية لشهر يونيو من العام الماضي”، لافتا إلى أن “كل المؤشرات تبيّن أنّ صيف 2024، سيكون أشدّ حرا من صيف 2023”.

حسين الرحيلي: هناك 22 في المئة من المياه المهدورة صالحة للشرب
حسين الرحيلي: هناك 22 في المئة من المياه المهدورة صالحة للشرب

وأوضح الهنتاتي أن “درجات الحرارة ستتجاوز الـ50 درجة، وفق نموذج المحاكاة في بعض البلدان، وهو دليل أساسي للتغيّرات المناخية التي تشهدها الأرض”.

وتحتل تونس المرتبة الـ30 عالميا من حيث ندرة المياه، حيث تبلغ حصة الفرد 420 مترا مكعبا سنويا، وشهدت البلاد سنوات متتالية من الجفاف.

كما تُصنّف تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش.

وقال حسين الرحيلي، الخبير في التنمية والموارد المائية، إن “الانقطاعات المتكررة للمياه منها ما هو مرتبط بالانقطاع الدوري وهناك انقطاعات مرتبطة باهتراء البنية التحتية للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد)، نظرا للتراجع الحاد في العشرين سنة الأخيرة لدعم الدولة للمؤسسات العمومية وأهمها صوناد”.

وأكد في تصريح لـ“العرب” أن “الإشكاليات مرتبطة بتقادم شبكة توزيع المياه، فضلا عن تراجع نسبة مياه السدود، وتزايد درجات الحرارة أدى إلى تبخّر 600 ألف متر مكعب في الأيام الماضية”، داعيا إلى “ضرورة مراجعة تخزين المياه، في ظل وجود 22 في المئة من المياه المهدورة”.

واستطرد الرحيلي “الأزمة هيكلية، والمقاربة في مواجهتها لا تزال تقليدية، كما أن الشعارات موجودة لكن دون تفعيل”.

ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب السدود التونسية مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن الجفاف يمنع تعبئة أكثر من نصف طاقتها سنويا.

وتشهد الموارد المائية في تونس منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات والإفراط في استغلال المياه، ولهذا السبب يؤكد المسؤولون أنه أصبح من الضروري وقف نزيف الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ المائية.

وأفاد الأستاذ في علم المناخ زهير الحلاوي بأن “الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب مظهر من مظاهر اختلال التوازن بين العرض والطلب في تونس، خصوصا في ظل تراجع نسبة تعبئة السدود إلى حوالي الثلث (30 في المئة)”.

وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن “هناك تنافسية بين القطاعات في المناطق، وهناك توزيع للمسؤوليات لا بد أن يكون حكيما، فضلا عن كون توزيع الموارد المائية يجب أن يخضع لبرمجة واضحة من وزارة الزراعة وحسب الحاجيات”.

زهير الحلاوي: يجب أن يخضع توزيع الموارد المائية لبرمجة واضحة
زهير الحلاوي: يجب أن يخضع توزيع الموارد المائية لبرمجة واضحة

وتابع الحلاوي “لا بد من ترشيد استهلاك الماء نظرا لأن فصل الصيف يزداد فيه الطلب على الماء مقابل تقلص مخزون المياه”.

وفي أبريل الماضي، أعلن المرصد التونسي للمياه أنه تم رصد 149 تبليغا حول انقطاعات غير معلنة واضطرابات في توزيع الماء الصالح للشرب في شهر مارس الماضي على مستوى مختلف الولايات التونسية.

وذكر، في خارطة العطش لشهر مارس، أنّ ولاية قفصة (جنوب غرب) تتصدر الخارطة بـ26 تبليغا تليها ولاية سيدي بوزيد (وسط) بـ11 تبليغا. كما شهدت بعض المناطق، وفق المرصد التونسي للمياه، تحركات احتجاجية للتنديد بانقطاع الماء الصالح للشرب والمطالبة بتوفيره، وقد بلغ عدد هذه التحركات خلال شهر مارس الماضي 25 تحركا، حسب ما جاء في خارطة العطش.

وأفاد عامر الجريدي، الخبير في البيئة والتنمية المستدامة، بأن “التصدّي لزمن التغيرات المناخية وشحّ المياه والعطش لا حلّ له غير التكيّف مع الوضع، وهو حتميّة حياتية للدولة والمجتمع”.

وأكد لـ”العرب” أن “التقسيط في توزيع مياه الشرب لا مفرّ منه في بلد يقع في منطقة ضغط مائي من جهة، وإجهاد مائي من جهة أخرى بسبب التصرّف والاستهلاك غير الرشيد في الموارد المائيّة الذي تعمّق خلال عقد ما بعد التحوّل السياسي سنة 2011 تبعا للعبث السياسي والانفلاتات المجتمعية بأنواعها”.

ويرى الجريدي أنّ “الدولة التونسية وضعت المشغل البيئي في ارتباطه بالمسألة التنموية في صدارة اهتماماتها، على أن تتم ترجمة التوجّهات عبر رسم سياسات عامّة (البيئة والتنمية) وقطاعية (التعليم، الشؤون الاجتماعية، الاقتصاد)”.

وتفاقمت أزمة الجفاف والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة والتغيّرات القائمة في طبيعة الفصول في تونس في السنوات الأخيرة.

وتبرز التوقعات المناخية في تونس انخفاضا في هطول الأمطار إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050 أي بتدنّ بـ9 في المئة مقارنة بالقيمة الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100 أي بتدن نسبته 18 في المئة.

 

اقرأ أيضا:

          • لماذا تتعطل المشاريع الحكومية في تونس

4