نقابة الصحافيين المصريين ترفض الاستسلام لتحجيم الحريات

أكدت مطالب رفعها مجلس نقابة الصحافيين المصريين إلى السلطة التمسك برفض الاستسلام لفرض أمر واقع خالٍ من الحريات، ويُعوّل صحافيون على تحول منتظر في علاقة الحكومة بالإعلام من دون قيود وتضييق وحجب للمعلومات.
القاهرة - جددت نقابة الصحافيين المصريين مؤخرا المطالبة بإطلاق سراح جميع الصحافيين المحبوسين، وإصدار قانون للعفو الشامل عن سجناء الرأي، وإغلاق هذا الملف المؤلم قبل عيد الأضحى، مشددة على أن الإفراج لا بد أن يأتي ضمن حزمة إجراءات تمنع حبس آخرين.
ودعا مجلس نقابة الصحافيين في بيان إلى رفع الحَجب عن بعض المواقع، ومراجعة القوانين التي تفتح له الباب، مع إصدار قانوني حرية تداول المعلومات وإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، ورفع القيود عن حرية الرأي والتعبير، وشملت المطالبات تعديل مواد الحبس الاحتياطي التي حولت الإجراء الاحترازي لعقوبة تم تنفيذها على صحافيين وأصحاب رأي في السنوات الماضية.
وبحث المجلس عن الحد الأدنى من المكاسب من خلال تصعيد المطالب إلى الحد الأقصى، ليوجد فرصة للتفاوض مع حكومة لا تكف عن الترويج لتحقيق تقدم في رفع القيود عن الإعلام وإتاحة حرية العمل أمام الصحافيين.
وأكدت النقابة أن بناء دولة ديمقراطية حديثة يتطلب حزمة إجراءات تؤكد قدرة الصحافيين على أداء عملهم بأمان، وبلا خوف من النيل من حريتهم التي ينبغي أن تكون على رأس الضمانات لتحقيق انفتاح حقيقي، في إشارة إلى ما تفعله السلطات من فتح مناقشات مع المعارضة ضمن أجندة الحوار الوطني.
ومن غير المتوقع أن تكون مطالب الصحافيين سهلة التطبيق لأسباب ترتبط بعدم وجود إرادة سياسية كافية للتعاطي معها، كما أن تفعيلها كلها أو بعضها يحتاج إلى تغيير في المشهد الإعلامي، لكن ثمة شواهد سابقة توحي بأن الحكومة لا تمانع الدخول في عملية تفاوضية مع نقابة الصحافيين حول أوضاع المهنة وهمومها وآلية دعمها.
ويتعاطى مجلس أمناء الحوار الوطني، برئاسة الصحافي ورئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان، مع أغلب مطالب نقابة الصحافيين. وأعلن أنه تقدم بالتماس لأجهزة الدولة المعنية للمطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي، وهو يدعم بقوة وجود قانون يتيح حرية تداول المعلومات، وفق مقتضيات الأمن القومي.
وأشار رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني محمود فوزي في تصريحات إعلامية إلى وجود مناقشات جادة حول إصدار قانون حرية تداول المعلومات، مؤكدا أنه وصل إلى مراحل متقدمة في مناقشاته داخل الحكومة، ومعتبرًا أنه يتماس مع الأمن القومي، ويجب أن يوازن بين حرية تداول المعلومات واعتبارات الأمن القومي، وهو ما لا تمانع فيه نقابة الصحافيين.
ويتعامل مجلس النقابة مع السلطة بحكمة وينأى عن الدخول في صدام يقوض المساعي الرامية إلى الإفراج عن صحافيين محبوسين والتعامل مع أي طارئ يتعرض له الصحافيون، ويتمسك النقيب خالد البلشي ببناء علاقة قوية مع أجهزة الدولة.
ونجح البلشي في التعامل مع أجهزة الدولة بأسلوب تفاوضي بعيدا عن التشنج الذي صاحب مجالس سابقة غلبت عليها المعارضة، وعلى قناعة بأن قضايا الصحافيين يجب أن يتم حلها في إطار سياسي، ما يعكس استيعابه لدروس وعبر الماضي، وأن السلطة الحالية تحتاج إلى حس سياسي للتعامل معها في طرح مطالب وهموم المهنة.
وظهرت ملامح تفاوض السلطة مع الصحافيين أثناء جلسات الحوار الوطني، وكانت هناك إشارات واضحة إلى أنها لا ترفض قيام وسائل الإعلام بواجبها، لكن العبرة في عدم تجاوز الخطوط الحمراء بما يهدد الأمن القومي، سهوا أو عمدا، أو العمل لحساب جهات وتيارات معادية، أو نشر شائعات لها تبعات سياسية خطيرة.
ويعتقد خبراء في مجال الإعلام أن الحكومة المصرية إذا أرادت إعلاما هادفا عليها أن تتحمل مسؤولياتها وتكف عن ضبط المشهد بأسلوب الردع والمطاردة، وتبيح حرية تداول المعلومات، فعكس ذلك يغذي احتقان الصحافيين ويزيد الشائعات بما يلحق ضررا بالنظام العام، فهناك قوى معارضة تستثمر في إحراج النظام وتثوير الشارع.
ويعتقد هؤلاء الخبراء أن المطالب التي رفعتها نقابة الصحافيين لا تعبر عن صدام مرتقب مع النظام، بقدر ما تمثل أداة ضغط عبر استثمار حالة الحوار الوطني، لأن الصحافيين ونقابتهم يُدركون التبعات الخطيرة إذا قرروا الدخول في معركة مع السلطة للحصول على حقوقهم بطريقة لي أذرع الحكومة، وما يُعاد طرحه على فترات متقاربة من مطالب لن يؤثر على حالة التفاهم المتصاعد بين الطرفين.
وقد يكون من الصعب دخول السلطة في مفاوضات مع الصحافيين حول فتح المجال العام على نطاق أوسع، إلا إذا كان الظرف السياسي يسمح بذلك، فالتحديات الاقتصادية والأمنية كبيرة، وربما مرشحة لتتزايد على وقع حرب غزة وتداعياتها الإقليمية، وهو ما تدركه نقابة الصحافيين وتتمسك بعرض مطالبها بالقنوات الرسمية.
مجلس نقابة الصحافيين يدعو إلى رفع الحَجب عن بعض المواقع ومراجعة القوانين مع إصدار قانوني حرية تداول المعلومات وإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية
وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد سعد عبدالحفيظ لـ”العرب” إن مطالب النقابة مشروعة ومنطقية وتتلاقى إلى حد كبير مع الإصلاحات التي يتم التسويق لها رسميا، ومجلس الصحافيين يستهدف الحصول على مكتسبات تمهد لتغيير المشهد الإعلامي إلى الأفضل، والحافظ على حقوق أبناء المهنة وفق نصوص الدستور بعيدا عن الصدام.
وأضاف أن مطالب الصحافيين ليست تعجيزية، وتحتاج إلى إرادة فعالة للاستجابة لها، فلا حرية إعلامية من دون قوانين تكرس هذا الحق، والإفراج عن الصحافيين المحبوسين يجب أن يكون أولوية سياسية، مع إقرار تشريعات تجعل الصحافيين يعملون بلا مضايقات، وهذا دور أصيل للنقابة فهي صوت لأعضائها.
وما يُطمئن الصحافيين أن الحكومة التي ظلت متخوفة من الحريات الإعلامية بدت أكثر مرونة عقب تدشين الحوار الوطني ومشاركة المعارضة فيه، ووجدت أن الحرية المنضبطة لن تجلب مخاطر سياسية على السلطة أو الدولة، والخط الأحمر الوحيد أن تتحول إلى وسيلة للابتزاز والتحريض وتبني وجهة نظر تضر بأمن الدولة، وهو ما يفسر لجوء نقابة الصحافيين باستمرار إلى مظلة الحوار الوطني.
كما يطمئن النظام المصري إلى أعضاء مجلس نقابة الصحافيين الحالي، وإن كان يضم شخصيات معارضة، ما يخلق توافقا ضمنيا بين الطرفين، فمن المستبعد أن ينزلق أحدهما إلى صدام في المستقبل، لكن ذلك يتطلب اقتناع الحكومة بأن الاستقرار يأتي من رحم آراء تتحدث بحرية وبلا خوف بدلا من الاصطفاف الإعلامي المصطنع.
وبقطع النظر عن مدى وجود إرادة سياسية لتحقيق مطالب الصحافيين، من المهم أن تقتنع الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها قريبا بضرورة وجود إعلام قوي وحر يحقق المنفعة للنظام والصحافيين والمواطنين، فقوة الدولة تفرض وجود منابر إعلامية على مستوى الحريات، خاصة إذا كانت تواجه تحديات خارجية مصيرية.