مساع لتعديل المرسوم 54 المثير للجدل في تونس

دعوات للالتزام بممارسة حرية التعبير في إطار القانون.
الجمعة 2024/05/31
حوكم أكثر من 60 شخصا بموجب المرسوم 54

لا يزال المرسوم 54 يثير جدلا سياسيا وحقوقيا واسعا في تونس، خصوصا مع تصاعد أصوات برلمانية وجمعياتية تطالب بتعديله، وترى أنه يهدد حرية التعبير في جوهرها، لكن البعض ينادي بضرورة ممارسة حرية التعبير عن الآراء في إطار مسؤول ودون المسّ من كرامة الأشخاص وهيبة الدولة.

تونس - تباينت آراء شخصيات سياسية وإعلامية في تونس بشأن تعديل المرسوم 54 المتعلق بممارسة حرية النشر والتعبير في البلاد، فبينما اعتبر البعض أنه ينتهك حرية التعبير ويهدف إلى تكميم الأفواه، ذهب شقّ آخر إلى أنه جاء لينظم ممارسة حرية التعبير في كنف من المسؤولية واحترام القانون.

وأصدر الرئيس قيس سعيد، في سبتمبر عام 2022، مرسوما عرف بـ”المرسوم 54”، ينص على “عقاب بالسجن لمدة خمسة أعوام” وغرامة تصل إلى خمسين ألف دينار “لكل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني”.

 في المقابل، يرى مراقبون أنه يجب مسبقا الاتفاق حول كيفية إرساء حرية تعبير مسؤولة، ومقيدة باحترام القانون، دون الانزلاق إلى ممارسات تمس من كرامة الأشخاص من قبيل الثلب والشتم والأخبار الزائفة والإدعاءات الباطلة، أو التحريض على العنف وغيرها.

وتقدّم 57 نائبا من مختلف الكتل البرلمانية ومن غير المنتمين، الأربعاء إلى مكتب البرلمان، بطلب استعجال نظر في مبادرة تشريعية قدمت إلى المكتب منذ فبراير الماضي، وتتعلق بتعديل المرسوم 54 الخاص بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.

◙ آراء متباينة لشخصيات سياسية وإعلامية في تونس بشأن تعديل المرسوم 54 المتعلق بممارسة حرية النشر والتعبير 
◙ آراء متباينة لشخصيات سياسية وإعلامية في تونس بشأن تعديل المرسوم 54 المتعلق بممارسة حرية النشر والتعبير 

وقال مقرر لجنة الحقوق والحريات وأحد الموقعين على طلب استعجال النظر النائب محمد علي (كتلة الخط الوطني السيادي)، إن “النواب الـ57 أودعوا طلبهم بمكتب الضبط بالمجلس، وعلى مكتبه أن يحيل مقترح مبادرتنا على لجنة الحقوق والحريات وفق ما يقتضيه القانون الداخلي وخصوصا الفصل 123 منه والذي يمنح النواب حق عرض مقترحات قوانين شرط أن تكون مقدمة من 10 نواب على الأقل”.

وأوضح في تصريحه أن “40 نائبا كانوا أودعوا في العشرين من فبراير الماضي مقترح قانون لتعديل ذلك المرسوم ولم يحصلوا على أي رد مكتوب من مكتب المجلس رغم عرض الطلب على أنظاره في أكثر من مناسبة إلى حين لجوء أعضاء المكتب إلى التصويت على إمكانية تمريره إلى لجنة الحقوق والحريات، وهو أمر غير ذي معنى وغير قانوني”.

وشدّد النائب على أنه “ليس من حق مكتب البرلمان مصادرة حقّ النواب أو ممارسة الرقابة القبلية أو التصويت على تمرير أي مبادرة تشريعية مقدمة من النواب على التصويت الداخلي بين أعضاء المكتب”، لافتا إلى أن ما “ذكره أحد أعضاء مكتب البرلمان في تصريح تلفزي بضرورة التريث وإرجاء النظر في أي تنقيح للمرسوم 54 إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية يعد سابقة، لأنها تربط بين مراسيم ومواعيد انتخابية في وقت ينتظر فيه فقط صدور قوانين تنظم الانتخابات”.

بدوره، التحق الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، بالأطراف المطالبة بتعديل المرسوم، في خطوة اعتبرها مراقبون تدخلا في إطار تسجيل نقاط سياسية ضدّ السلطة والبقاء في الذاكرة الشعبية.

وأدان اتحاد الشغل بشدة، في بيان صادر عن الهيئة الإدارية الوطنية نشره موقع “الشعب نيوز” التابع للاتحاد، ما اعتبره “إمعان السلطة القائمة في التعدي على الحريات بمحاكمة النقابيين والصحافيين والمحامين والمدوّنين بمرسوم 54 الجائر تكميما للأفواه وضربا لحرّية التعبير ومنعا للنقد”، معبرا عن مساندته لكلّ مساجين الرأي وتضامنه مع الهيئة الوطنية للمحامين وكل الجمعيات والمنظّمات التي تتعرّض للحصار والتضييق والتشويه، حسب تعبيره.

ورفض الاتحاد ما اعتبره “تواصل حملات التشويه الممنهجة التي تُشنّ ضدّه وضد قياداته ورموزه وهياكله النقابية بغاية إرباكه وإلهائه عن القضايا الكبرى ومنعه من إبداء موقفه منها ومحاولة ضرب مصداقيته وعزله عن امتداداته العمالية والشعبية”، مؤكدا “تجنّد النقابيين للدفاع عن منظّمتهم”.

وعبّرت المنظمة الشغيلة عن تمسّكها بـ”حقّ التفاوض الجماعي ووجوب تكريس الحوار الاجتماعي”، مطالبة بـ”وقف سياسة الانغلاق والتعنّت وضرب مصداقية التفاوض”، ومتمسّكة بـ”وجوب تطبيق الاتفاقيات المبرمة”.

والأسبوع الماضي، قضت محكمة تونسية بسجن المحلل والمعلق السياسي مراد الزغيدي ومقدم البرامج التلفزيونية والإذاعية برهان بسيّس سنة لكل منهما بتهمة نشر شائعات ونشر أخبار بقصد الإساءة للغير، في أحدث استخدام للمرسوم 54، وذلك في ظل تزايد المخاوف من حملة واسعة تستهدف كل الأصوات المنتقدة في الدولة.

وقال الناطق باسم المحكمة الابتدائية بتونس محمد زيتونة إن المحكمة قررت سجن الزغيدي وبسيّس “6 أشهر من أجل جريمة استعمال شبكة وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج وترويج وإرسال وإعداد أخبار وإشاعات كاذبة بهدف الاعتداء على حقوق الغير والإضرار بالأمن العام”.

كما حكمت عليهما بالسجن 6 أشهر إضافية “من أجل جريمة استغلال أنظمة معلومات لإشاعة أخبار تتضمن نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعة والإضرار ماديا ومعنويا”، بحسب زيتونة. ويتهم معارضون وسياسيون وكذلك رجال قانون الرئيس سعيد باستغلال القضاء لاستبعاد الأصوات المنتقدة.

وأكد هشام السنوسي، عضو الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي والبصري في تونس (الهايكا)، أن “المرسوم 54 هو انتكاسة في مسار الحريات بالبلاد، وهذه الانتكاسة تأكدت بتطبيقها على أرض الواقع، وهو ما تسبب في سلب حرية أشخاص لأسباب واهية تتعلق بتوجه جديد للممارسة السياسية”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “طالبنا سابقا رئاسة الجمهورية بأن تسحب هذا المرسم، وتسبب ذلك في تجميد عمل مجلس الهيئة، واليوم نحن دون هيئة تعديلية في البلاد”، مشيرا إلى أن “هناك قوانين تنظم عمل المؤسسات الإعلامية وممارسة النشاط الصحفي بمراسيم حازت على تزكية من المجتمع التونسي”. وأوضح هشام السنوسي أن “المرسوم 54 استخدم لضرب المنافسين السياسيين وتخويف وتكميم الأفواه، وهذا ما ضمنّاه في العديد من بياناتنا”.

في المقابل، دعا متابعون للشأن التونسي إلى ضرورة تحديد مفهوم حرية التعبير في البلاد، في كنف من الاحترام والمسؤولية، معتبرين أن وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا تحولت إلى منابر تنتهك فيها الأعراض ويمارس فيها العنف إلى حد التحريض على القتل ضدّ بعض الأشخاص.

◙ البعض يرى أن دعوات التعديل مشروعة في إطار ديمقراطي مع ضرورة تحديد مفهوم واضح لممارسة حرية التعبير بطريقة مسؤولة دون الترويج لمغالطات تمس من الأمن العام

واعتبروا أن دعوات التعديل مشروعة في إطار ديمقراطي، مع ضرورة تحديد مفهوم واضح لممارسة حرية التعبير بطريقة مسؤولة دون الترويج لمغالطات تمس من الأمن العام. وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “بالنسبة لحرية المعتقد والنقل والتظاهر وغيرها، تصنف ضمن حقوق الإنسان الدولية، عدا ما نصت عليه النصوص والمواثيق الدولية، بشأن الممارسات التي تمس من الأمن العام”.

وأكد لـ”العرب”، “يجب ألا تمس حرية النقد والتعبير من كرامة الناس، وحرية التعبير لا علاقة لها بثلب الأشخاص والإدعاءات الباطلة، وقبل صدور المرسوم 54 كانت هناك غابة سياسية سُحلت فيها العديد من الشخصيات وانتهكت فيها كرامة العديد منها”.

ولفت ثابت إلى أن “الإشكال يتعلق بكيفية إرساء حرية تعبير مسؤولة، كما أن الحرية المدنية هي حرية محدودة ومقيدة بقانون، والقانون يعني احترام حرية الآخر”. وبخصوص موقف اتحاد الشغل، اعتبر المنذر ثابت أنه “لم ينزعج عندما سحلت شخصيات في السابق، وهو الآن يحاول تسجيل نقاط سياسية وتجميل صورته في المشهد بعد فترة من الركود النقابي”.

بدوره، اعتبر المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني أن “من حقّ الجميع أن يطالب بالتعديل في إطار الممارسة الديمقراطية، لكن يجب أن نحدد الظرفية التي جاء فيها المرسوم، لأنه قبل صدوره أبيح كل شيء تقريبا إلى حد التحريض على القتل في الفضاء الافتراضي”. وأوضح لـ”العرب”، أن “القضية الكبرى تتعلق بممارسة حرية التعبير في إطار من المسؤولية".

وخلال عام ونصف عام، حوكم أكثر من 60 شخصا، بينهم صحافيون ومحامون ومعارضون للرئيس، بموجب هذا المرسوم، وفق النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. ويتولى الرئيس سعيد السلطات في البلاد، منذ صيف عام 2021، وغير الدستور، ومن المرتقب أن تنظم الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل.

4