هجرة المهندسين تثير القلق في تونس

عميد المهندسين: أكثر من 20 مهندسا يغادرون البلاد يوميا.
السبت 2024/05/18
تحسين الظروف المعيشية أول أسباب الهجرة

تونس - تزداد التحذيرات في تونس من خطر هجرة المهندسين على البلاد، حيث كشفت أرقام رسمية، عن مغادرة 39 ألفًا من مجموع 90 ألف مهندس مسجلين بالعمادة، وهو ما يعادل 20 مهندسًا يغادرون البلاد يوميًا.

وتتكرر إثارة موضوع هجرة المهندسين التونسيين، وسط تساؤلات عديدة حول أسباب الظاهرة وتداعياتها على العديد من القطاعات التي تفتقد لتلك الكوادر.

لكن أهل القطاع يفسرون تزايد هجرة المهندسين نحو الخارج، بتدني مستويات الرواتب الشهرية في ظل ضعف القدرة الشرائية وصعوبة الأوضاع المعيشية في السنوات الأخيرة، فضلا عن تواصل التعقيدات البيروقراطية وبطء الخدمات الإدارية التي من شأنها أن تساهم في تسهيل أعمالهم.

وتؤكد أرقم عمادة المهندسين مغادرة حوالي 40 ألف مهندس تونسي خلال السنوات الأخيرة، على الرغم مما يمكن أن يوفره المهندسون من حلول اقتصادية تحتاجها البلاد في الظروف الاقتصادية والمادية الصعبة.

عصام المنصوري: المهندس التونسي أصبح يشعر بأن كرامته غير محفوظة
عصام المنصوري: المهندس التونسي أصبح يشعر بأن كرامته غير محفوظة

وأفاد عميد المهندسين كمال سحنون، خلال جلسة عقدتها لجنة التربية في البرلمان التونسي يوم الأربعاء، أن “ما ينجر عن هجرة المهندسين من إهدار للإمكانيات البشرية بعد كل التكاليف التي بذلتها المجموعة الوطنية والتي تقدر بحوالي 650 مليون دينار (208.67 مليون دولار)، وهي تكاليف أولوية باعتبار الدور الكبير للمهندسين في خلق الثروة داخل أرض الوطن”، مشيرًا إلى الأرقام الهامة لتخرج المهندسين سنويًا في تونس حيث يتخرج ما بين 8000 و8500 مهندس بين المؤسسات العمومية والخاصة.

وشدد أعضاء لجنة التربية، على “ضرورة أن تضطلع العمادة بدورها التاريخي في التصدي لنزيف هجرة المهندسين التونسيين والدفاع عنهم لتوفير ظروف عادلة ومنصفة لتأجيرهم بعيدًا عن أي شكل من أشكال الاستغلال باعتبار أن الوطن في أمس حاجة إليهم”.

ودعا متابعون إلى ضرورة وضع إستراتيجية لوقف نزيف هجرة المهندسين للحدّ من تداعياتها على المدى القريب والبعيد، مع الأخذ بعين الاعتبار لتطلّعات هذه الكفاءات خاصة أنّها قضت سنوات عديدة من عمرها في الدراسة والتحصيل العلمي.

ويضيفون أن الظروف الحالية في تونس، تعيق تحقيق ما كانت تطمح إليه تلك الكفاءات، حتى وجدت في الهجرة حلا وحيدا لتحسين أوضاعها.

وقال المهندس المعماري عصام المنصوري، إن “هجرة المهندسين تتزايد من عام لآخر، وكثير من زملائي من غادروا رغم شغلهم في تونس نحو المغرب وفرنسا، وهو ما يدل على أن المهندسين يتوفر لديهم عنصر الكفاءة”.

وأضاف لـ”العرب”، “غلاء المعيشة أصبح يرمي بظلاله على مختلف الفئات الشعبية بمن فيهم المهندسون، والمهندس التونسي بعد أن درس 6 و7 سنوات في الجامعة يطمح إلى تحسين مستواه المعيشي، خصوصا في ظل الراتب الضعيف محليا وبمعدل ما بين (1500 و2000 دينار)، (481 و 642 دولار)”.

وتابع المنصوري، “المهندس أصبح يتعرض إلى العديد من المشاكل مع الإدارة، وشخصيا عندما أقدم رخصة بناء، اضطر للانتظار مدة سنة كاملة على الأقل، وهذا ما يدل على وجود تعطيل كبير في الخدمات الإدارية”.

واستطرد عصام المنصوري قائلا “المهندس التونسي أصبح يشعر بأن كرامته غير محفوظة، ولا يوجد تعامل محترم في بلاده، فيجبر على المغادرة لبلاد تحترم كفاءته”.

وتستقطب المهندس التونسي، أفريقيا وأوروبا وأميركا وأستراليا والخليج، نظرًا لتكوينه الجيّد وقدرته العالية على الاندماج مع محيطه.

الظروف الحالية في تونس، تعيق تحقيق ما كانت تطمح إليه تلك الكفاءات، حتى وجدت في الهجرة حلا وحيدا لتحسين أوضاعها

ووفق أرقام رسمية، تبلغ كلفة المهندس الواحد على الدولة التونسية في حدود 100 ألف دينار، أي 650 مليون دينار، تدفعها تونس سنويًا وتهديها لبلدان أخرى.

وقال الباحث في علم الاجتماع، بلعيد أولاد عبدالله، أن “هناك بعد ذاتي لهجرة المهندسين، وهي أن طموحات وانتظارات المهندسين الشبان من الجامعة التونسية ضعيفة، فيذهبون في فكرة تغيير نمط حياتهم وتطوير سيرهم الذاتية واكتساب مزيد من الخبرة في نشاطهم، أما الجانب الموضوعي، فيتمثل في أن الاقتصاد التونسي لا يستوعب هؤلاء، والشركة التونسية لا ترغب في توظيف مهندس بقدر رغبتها في توظيف تقني”.

وأكد لـ“العرب”، أن “الظروف والعوامل الاقتصادية والاجتماعية تعطينا واقعا بأن المهندسين ربما مجبرين على المغادرة”.

ولفت الباحث في علم الاجتماع إلى أن “هجرة الكفاءات عموما هي ظاهرة سيسيولوجية، والجامعة التونسية قادرة على اكتساح المجال العالمي بمهندسيها، لكن في المقابل أصبحت البلاد تفتقد إلى عنصر الخبرة والكفاءة في المجال، وهذا يعود إلى مقاربات الدولة وإستراتيجياتها في بناء منوال تنموي متكامل”.

وتكشف دراسات وتصريحات مسؤولين رسميين ومسؤولين بمنظمات مهنية في تونس من حين إلى آخر عن أرقام تظهر حجم الكفاءات التونسية التي تغادر البلاد سنويا.

ففي ديسمبر 2021، ذكر المرصد الوطني للهجرة بتونس (حكومي)، أن أكثر من 42 ألف مهندس وطبيب قد غادروا البلاد في غضون خمس سنوات.

وفي وقت سابق، قال الرئيس التونسي قيس سعيد في لقائه بوزير التعليم العالي والبحث العلمي، منصف بوكثير، إن “نخبة النخبة في تونس صارت تبحث عن الشغل في الخارج في كافة الإختصاصات”، مؤكدا أن بلاده ليست ضد التعاون الفني، “ولكن لو وجدت خيرة كفاءاتنا الظروف التي تسمح لها بالحياة الكريمة بتونس لما فكّر الكثيرون في الهجرة إلى الخارج”.

وشدد سعيّد، حسب بلاغ صادر عن الرئاسة التونسية، على ضرورة إعادة النظر في عدد من النصوص التي فاقمت ظاهرة هجرة الكفاءات في الهندسة والطب وسائر العلوم الأخرى.

4