القاهرة تصعّد اللهجة في التعامل مع أخطاء الإعلام الأجنبي

قررت السلطات المصرية التعامل مع المغالطات والأخطاء في الإعلام الأجنبي بطريقة حاسمة، بعد تكرار هذه الحالات وآخرها تقرير اقتصادي لبلومبيرغ، اعتبرته القاهرة “يرتقي للتزوير”، وطالبت وسائل الإعلام الأجنبية الالتزام بالقواعد المهنية والأخلاقية للعمل الصحفي.
القاهرة - أكد التصعيد الذي جرى من هيئة الاستعلامات المصرية تجاه وكالة بلومبيرغ الأميركية عقب نشرها تقريرا عن الوضع الاقتصادي، تغيّر نهج القاهرة في التعامل مع الأخطاء المهنية التي تُرتكب في بعض وسائل الإعلام، وقررت الرد، طالما أنها تمتلك أدلة على وجود تشويه لصورة الواقع الاقتصادي في مصر.
ونشرت هيئة الاستعلامات الثلاثاء نص رسالة موجهة إلى رئيسها ضياء رشوان، من لورا زيلينكو الرئيس الدولي للمعايير التحريرية في وكالة بلومبيرغ عبر البريد الإلكتروني، أقرت فيها أن الوكالة قامت بتصحيح بعض نصوص وعناوين المحتوى الخاص بالتقرير محل الشكوى، لأنها لم تلب المعايير التحريرية، لكنها تمت بواسطة عاملين خارج مصر، أي ليسوا من المراسلين.
ونشرت الوكالة السبت الماضي تقريرا بعنوان “الصفقة الإماراتية مع مصر بقيمة 35 مليار دولار.. النزوع للشراء من جانب القوى الخليجية”، تضمن عرضا لمجموعة من الصفقات الاستثمارية التي تمت والمحتملة مستقبلا.
وعقب بث التقرير على الموقع الإلكتروني لبلومبيرغ تم نشر عدد من التدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي للوكالة تحت عناوين وصفتها هيئة الاستعلامات بـ”الاستفزازية” لأنها تضمنت ما تعتبره “تشويها ومغالطات عن التطورات الاستثمارية في الاقتصاد المصري بما يتعارض مع الواقع، ويخالف مضمون ما ورد في تقرير الوكالة نفسها”.
وأكدت الاستعلامات المصرية أن الوكالة قامت بالتصحيح، وأن الاحتجاج جاء في إطار دورها في متابعة ما يتناوله الإعلام الدولي عن شؤون مصر الداخلية وسياساتها الخارجية، ومواجهة ما يتم نشره ترويجه من مغالطات في هذا الشأن.
وعكست النبرة الحادة من جانب هيئة الاستعلامات وجود توجه مصري رسمي للاشتباك مع ما يثار من مغالطات في الإعلام الأجنبي، لأن الحكومة ليس لديها ما تخفيه، وهناك شبهة تعمد في بعض الأحيان لنشر ما يسيء للدولة.
واستثمرت وسائل إعلام مصرية الخطأ الذي وقعت فيه بلومبيرغ لتأكيد مصداقية حديث القاهرة أحيانا عن وجود “مؤامرة خارجية”، والإيحاء بوجود استهداف من منظمات ومؤسسات إعلامية أجنبية، بدليل الأخطاء المهنية التي ترتكب.
واعتادت بعض الصحف والوكالات الأجنبية نشر ما تعتبره هيئة الاستعلامات المصرية “مغالطات فجّة”، وكانت غالبا ما تكتفي بالنفي وتلتزم الصمت، لكن يبدو أن ثمة توجها جديدا في مصر بأن عدم الرد السريع يفضي إلى انتشار المحتوى المسيء.
وخرج ضياء رشوان بتصريحات إعلامية حادة، وصف فيها الواقعة بأنها “ترتقي إلى التزوير”، مطالبا وسائل الإعلام الأجنبية بالالتزام بالقواعد المهنية والأخلاقية للعمل الصحفي وعدم تكرار ما يراه مغالطات.
ويرى مراقبون أن أزمة الحكومة المصرية مع الإعلام الأجنبي أنها ما زالت تحتاج إلى البحث والتدقيق بعيدا عن التعامل الخشن، ما يؤثر على حججها وحقها في التعامل مع نهجها وسياساتها بالطريقة التي تتناسب معها، وإن كان لبعض وسائل الإعلام الأجنبية أخطاء مهنية، فهناك تقصير مصري في إظهار الحقيقة كاملة وتقديم المعلومات اللازمة حول بعض الملفات والقضايا.
ويعتقد هؤلاء المراقبون أن الحكومة المصرية لديها أدلة على ارتكاب أخطاء من قبل صحف ووكالات أجنبية للتأكيد على وجود شبهة استهداف، لكن الحكومة مطالبة بعدم الاكتفاء برد الفعل دائما أو الإيحاء بأنها انتصرت رمزيا في معركة إعلامية واحدة، لأنها لو تعاملت بشفافية على مستوى إتاحة المعلومات والبيانات وألزمت مسؤوليها بالتواصل مع الإعلام الأجنبي لما استمر تباعد المسافات بين الطرفين.
وقال أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم لـ”العرب” إن الرد القوي ضد تشويه صورة الدولة المصرية خارجيا مطلوب، إذا وجدت أخطاء مهنية، ويحق للقاهرة توظيف السقطات الإعلامية التي تحمل شبهات تعمد، مع أن الوكالات الكبرى لا يجب أن تقع في مثل هذه السقطات، حيث يُنقل عنها من كل أنحاء العالم.
وطالب بأن تتوازى تلك الخطوة مع ضرورة تواجد الإعلام المصري على الساحة الدولية ويصبح له تأثير مهم في الرأي العام العالمي مع دور هيئة الاستعلامات من خلال تقديم المعلومات والتقارير الصحيحة.
وأضاف صفوت العالم أن هناك حاجة ملحة إلى التواصل المستمر مع الإعلام الأجنبي بعيدا عن ارتباك الحديث حول نظرية المؤامرة، ويجب أن تكون هناك حرية في الوصول إلى المعلومات ومصادرها وإلزام المسؤولين بالتحدث إعلاميا وتوضيح الحقائق بدلا من ترك الشائعات تكبر ويصعب تفنيدها، ومن الخطأ التعامل مع الإعلام الغربي بنفس الطريقة التي تُدار بها العلاقة مع الإعلام المحلي.
أزمة الحكومة المصرية مع الإعلام الأجنبي أنها ما زالت تحتاج إلى البحث والتدقيق بعيدا عن التعامل الخشن
وحث ضياء رشوان كثيرا المسؤولين المصريين على التجاوب مع وسائل الإعلام الأجنبية، إلا أن ذلك لم يحدث بشكل ملحوظ، ما يشي بوجود جهات أخرى تحثهم على عدم الحديث أو قد يرتبط الأمر برغبة المسؤول ذاته في عدم الحديث لتجنب الوقوع في سقطات كلامية قد تعرّضه للوم أو الغضب من بعض دوائر السلطة.
ومن الصعب على هيئة الاستعلامات وحدها تفنيد أيّ ادعاءات يمكن أن تنشر عن الدولة المصرية في ظل التحديات التي تواجهها في ملفات وقضايا إقليمية عديدة، ما يتطلب مشاركة مختلف الجهات الرسمية في الرد على الإعلام الأجنبي وترميم العلاقة معه من دون الاكتفاء بإسناد بعض المهام لشركات علاقات عامة لا تحقق الغرض.
وترتبط المخاوف المصرية مما يثار وينشر في وسائل إعلام ووكالات أجنبية من أنها صارت محل اهتمام ومتابعة من شريحة جماهيرية كبيرة في مصر وخارجها، فمن يريد معرفة معلومات وكواليس وتوقعات وتحليلات تخص الشأن المحلي، الاقتصادي والسياسي والأمني، يذهب إليها وهو ما تدركه الحكومة، لذلك تتعامل بحساسية مفرطة عندما يتم نشر معلومات غير دقيقة أو مغالطات.
وربما تكون الحكومة المصرية على صواب في التعامل بحدة أحيانا مع وسائل الإعلام الأجنبية التي تخالف المعايير المهنية عندما تنشر عن الواقع المصري، لكن عليها ألا تغفل أن قوة الإعلام ضمانة أكثر فاعلية للتواصل مع نظيره الغربي، وإذا استمرت حالة انعدام الثقة من المراسلين الأجانب حول ما يقدمه الإعلام المحلي سوف تظل الأزمة قائمة بالتوازي مع قطيعة المسؤولين للمنابر الإعلامية عموما.
كما أن نقص المعلومات من الجهات الرسمية ليس مبررا لإقدام أيّ وسيلة إعلامية أجنبية لارتكاب أخطاء مهنية فادحة، لأن ذلك يسيء لها قبل أيّ طرف آخر، حيث يُحسب للكثير من وسائل الإعلام الأجنبية أنها تتعاطى بجدية مع توضيح الحقيقة عندما يتبين أنها أخطأت، ما يقطع الطريق على توظيف المغالطات المهنية سياسيا.
ويُحسب أيضا على الحكومة المصرية أنها لم تستطع بعد معالجة المشكلة المرتبطة بكيفية تنظيم عمل المؤسسات التي تقع على عاتقها مهمة صناعة وتصدير صورة إيجابية عن الدولة في الخارج، فهناك ارتباك في جسم الهيئات الإعلامية التي تبدو كأنها تعمل في جزر منعزلة وصولا إلى الإخفاق في صياغة رؤية تلتزم بها كافة الأطراف التي تتعامل مع الإعلام الأجنبي، ما تسبب في ارتكاب أخطا من الطرفين.