إلقاء سلاح حماس.. قراءة في المضمون

نبدأ بواقع يتمثل في استقطاب سياسي تقوم به حركة حماس هذه الأيام، من أجل تسويق نفسها أمميا، حيث صرح مسؤول كبير في حماس لوكالة أسوشيتد برس أن الحركة مستعدة للموافقة على هدنة لمدة 5 سنوات أو أكثر مع إسرائيل، وأنها ستلقي أسلحتها وتتحول إلى العمل السياسي في حال تمت إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.
في إطار هذا الهدف قال القيادي في حماس خليل الحية إن “حماس تريد الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، التي ترأسها حركة فتح، لتشكيل حكومة موحدة لغزة والضفة الغربية”.
وأضاف “حماس ستقبل بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرارات الدولية على حدود 1967. وإذا حدث ذلك فسيتم حل الجناح العسكري للحركة”.
◄ يتضح لنا من استعراض أدبيات الحركة أن غاية المراحل بدءاً بالوثيقة وانتهاء بإلقاء السلاح، هو الوصول إلى مرحلة القبول وإثبات شرعية الحركة بوصفها حركة تحرر وليست حركة إرهاب
في هذا السياق نشير إلى فكرة الحركة الأم، حماس، التي أعلنتها قبل ثلاثة عقود، حيث كانت الحركة تشير إلى نفسها باعتبارها جزءا من جماعة الإخوان المسلمين، وتضع لنفسها هدفا هو محو إسرائيل وإقامة دولة إسلامية على “كل شبر” من فلسطين التاريخية. وفي مواد الميثاق الـ36 غالبا ما يُستخدم خطاب يصف نضال حماس كمواجهة بين المسلمين واليهود. وبعد سنوات من المشاحنات الداخلية، أصدرت حماس وثيقة سياسية قبل ست سنوات تقلل من حدة مواقفها المعلنة، وتستخدم لغة أكثر اعتدالا.
وفي ظل الظروف الدولية نجد تنوعا في الطريقة والأسلوب، فعلى غير عادة الحركات الإسلامية التي لا تحظى أساليبها وطرق تفكيرها بتطوير وتغيير إلا نادراً، وذلك لارتباط تلك الحركات بخلفيات ومرجعيات دينية، طورّت حركة حماس من طريقة تفكيرها وتعاملها مع الأحداث العالمية والإقليمية وحتى الداخلية، خصوصاً في ما يتعلق بإستراتيجية المقاومة في فلسطين، فقد برز التركيز على أن كثيرا من بنودها تماهت مع مواد الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تتبناه منظمة التحرير، وذهبت بعض المواقف إلى أن استدراك حماس جاء متأخرا. والنقطة الأهم التي برزت في الوثيقة الجديدة وأثارت نقاشا واسعا هي إعلان الحركة رسميا أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط 4 يونيو – حزيران 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة.
وتشير جملة من الدراسات أن حماس كانت تُعرّف نفسها بأنها حركة دينية، وتقول عن نفسها إنها جناح من أجنحة حركة الإخوان المسلمين في فلسطين. لكنها في الوثيقة المعدلة تبتعد الحركة عن الإخوان دون ذكرهم، كما أنها لم تعلن صراحة تخليها عمّا جاء في ميثاقها. ويثير هذا الواقع ملاحظة ذات صلة بالخطاب المعدل في الوثيقة التي جاءت نصوصها محكمة مع القوانين الدولية، خاصة القانون الدولي الإنساني، والهدف الأساس من وراء ذلك فتح أبواب المنطقة والغرب أمام الحركة، ومحاولة إلغاء وصفها بـ”الإرهابية”.
الرؤية بعد تعديل الوثيقة الجديدة، قدمت حماس بصورة مختلفة عن السابق، حيث طغى على الحركة الطابع الوطني على حساب الطابع الديني، وهو ما يعني بداية لفك الارتباط بين الحركة والجماعة، حتى ولو كان ظاهريًا، فثمة أمور وقضايا لا يمكن لحركة حماس الانفصال التام عن الجماعة بسببها، مع أن خالد مشعل أكد خلال مؤتمر صحفي أن حركته حركة وطنية مستقلة ليست تابعة لأيّ تنظيم آخر. رغم أنها تنتمي إلى مدرسة الإخوان المسلمين، وهي جزء من جماعة الإخوان المسلمين فكريًا.
وتبدو الأحداث المتواصلة المرتبطة بالقضية الفلسطينية أكثر الأفعال دلالة على العلاقة الارتباطية بين متغيرات الفرضية التي أثير حولها الجدل، فكان النقاش يزداد حول الميثاق، بين من يدعو إلى تعديله أو إلى إلغائه. ويبدو أن حركة حماس اتجهت صوب مربع آخر فقررت أن تبحث عن صيغة أخرى تبيّن هويتها المعتمدة بعد نضج تجربتها السياسية، وكأنها قررت اعتبار ذلك الميثاق محطة من محطاتها أوصلها إلى وثيقتها الجديدة.
◄ في ظل الظروف الدولية نجد تنوعا في الطريقة والأسلوب، طورّت حركة حماس من طريقة تفكيرها وتعاملها مع الأحداث العالمية والإقليمية وحتى الداخلية، خصوصاً في ما يتعلق بإستراتيجية المقاومة في فلسطين
تجربة حماس في دخول الانتخابات ثَبُتَ فشلها أو إفشالها، في إقليم لم يعد متحمّسًا لها كثيرًا؛ حكم الإخوان المسلمين في مصر سقط، وفي سوريا كسبت حماس رهانًا، لكنّه لم يُترجم إلى زخم سياسي وعسكري، وفقدت خلاله حلفاءها التقليديين، النظامين الإيراني والسوري، كما أن الكفاية القتاليّة العالية في الميدان لم تعن بالضرورة مكاسب سياسيّة، وهذا ما رأيناه في النتائج السياسيّة للحرب الأخيرة، موافقة حماس على “دولة بحدود الرابع من يونيو – حزيران لعام 1967” وُضعت، بالأساس، كمبادرة لإقامة نظام مشاركة ومحاصصة. نقول إنّ هذه المبادرة كانت في سياق “تنازل ما” قدمته حماس لحركة فتح وللنظام الدولي.
وأخيرا وفي سياق تحليل الخطاب الحمساوي، فإن سبب تحولها هو السعي لقبولها في العالم بعدما فشلت دخولها إليه والرضا عنها بعد تعديل الوثيقة، محاولة قدر الإمكان تطويع فكرها ليكون مقبولا.
هذا الإحياء الفكري الذي تريده حماس وتسعى إليه، يختلف حسب تقديراتنا عن الواقع الذي رسمته لمستقبلها السياسي منذ انطلاقتها عام 1987. إنّ ثقافة المراجعة والمحاسبة ليست ثقافةً سيئة ولكن شرط أن تتخطى الفكر، وأما الأسلوب فهو قابل للتغيير والتبديل.
وهكذا، يتضح لنا من استعراض أدبيات الحركة أن غاية المراحل بدءاً بالوثيقة وانتهاء بإلقاء السلاح، هو الوصول إلى مرحلة القبول وإثبات شرعية الحركة بوصفها حركة تحرر وليست حركة إرهاب.