معاودة انقطاع الكهرباء بعد الوفرة الدولارية تثير قلق المصريين

بعثت الحكومة المصرية برسالة سلبية للمواطنين بشأن عودة انقطاع الكهرباء بعد انتظامها طوال شهر رمضان، إذ بدأ مسؤولون في وزارة الكهرباء في تسريب معلومات لوسائل إعلام حول خطة لمعاودة تطبيق قرار تخفيف الأحمال ومدة الانقطاع الفترة المقبلة.
القاهرة - صدرت إشارات مصرية مؤخرا تمهد للعودة إلى خطة قطع الكهرباء في ظل استمرار أزمة نقص الوقود لمحطات الكهرباء، وما يترتب على ذلك من عدم قدرة على الوفاء باحتياجات السكان.
ويرتبط التذمر من معاودة انقطاع الكهرباء بوجود عوائد كبيرة من الصفقات التي أبرمتها الحكومة مؤخرا، أبرزها صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، والإعلان عن مساعدات يقدمها الاتحاد الأوروبي للقاهرة، وتزايد تحويلات المغتربين بعد تعويم الجنيه.
وأعاد مصريون تذكير الحكومة بأنها عندما أعلنت صيف 2023 ترشيد الاستهلاك بررت قرارها بتوفير كميات من الغاز لتصديرها، وجلب عوائد لمواجهة شح العملة الصعبة، ثم باتت تملك وفرة من الدولار تستطيع بها وقف التصدير وتوفير الوقود لمحطات الكهرباء.
ويمتلك البلد قدرات تقترب من 60 ألف ميغاواط، ورغم ذلك تعاني البلاد من موجة انقطاعات للتيار بدأت الصيف الماضي، ثم عُلق الأمر خلال شهر رمضان.
وبينما تبلغ قدرة الطاقة المتجددة قرابة 11 في المئة من الإنتاج الإجمالي السنوي للكهرباء، إلا أن محطات التوليد المنتشرة في البلاد تعتمد على الوقود الأحفوري بنسبة 89 في المئة.
وباتت الحكومة الآن بين خيارين، فهي مطالبة بتدبير عملة صعبة لشراء السلع الأساسية مثل القمح، واستمرار تصدير الغاز، وبدت تصوراتها تفضل الحصول على العملة من الغاز، لأن الناس قد يستطيعون التأقلم مع انقطاع الكهرباء ولا يقبلون اختفاء الخبز.
ولم تنف السلطات استمرار تصدير الغاز رغم الحاجة الملحة إلى توفيره للسوق المحلية، لكن الفريق الداعم لهذا التوجه يبرر القرار بأنه يكون بسعر مرتفع مقابل الاستيراد بثمن منخفض بما يوفر الدولار بعيدا عن اللجوء إلى الاحتياطي النقدي داخل البنوك.
كما أن جزءا من أزمة الكهرباء ونقص الوقود يتعلق بارتباط الحكومة بعقود تصدير الغاز لبعض الدول الأوروبية، ومضطرة إلى تحويل جزء من الإنتاج المحلي إلى الخارج كي لا تتعرض لغرامات إذا لم توف بالتزاماتها مع الدول المستوردة.
وأكد مصدر حكومي لـ”العرب” أن الجدل المرتبط بوجود تدفقات دولارية في البنوك والمطالبة باستثمارها لحل مشكلة تخفيف الأحمال، يعكس وجود معضلة في فهم الناس لطبيعة المشكلة، لأن الحكومة لو فعلت ذلك ستتفاقم الأزمة مستقبلا.
وأوضح أن وجود تدفقات دولارية لا يعني استخدامها بلا حكمة، فمن المفترض تخصيصها لقطاعات إنتاجية بدلا من حرقها في استيراد النفط.
ولفت إلى أن احتياجات مصر في زيادة نتيجة التوسع في المنشآت الصناعية الجديدة ولأن الاستيراد بالعملة الصعبة، فالتكلفة تزداد بالتبعية، في وقت لا تزال الحكومة تحاسب المواطنين على الكهرباء بالعملة المحلية.
وتؤكد تقارير محلية وجود بوادر تحسن في الأوضاع الاقتصادية، لكن ذلك لن يحدث مرة واحدة، فالحكومة بحاجة إلى ترتيب أوراقها ليشعر الناس بالمؤشرات الإيجابية، وما يجب استيعابه أن الدولة لا تزال تدعم الوقود بأكثر من 100 مليار جنيه سنويا (2.3 مليار دولار).
ويشير هذا التفسير إلى أن الحكومة تمتلك مبررات منطقية بشأن أزمة الكهرباء، لكنها لا تزال لديها مشكلة تتعلق بعدم مصارحة المواطنين بالحقائق كاملة، ليكونوا شركاء معها في تحمل المسؤولية، وبدلا من أن يُفرض أمر واقع عليهم لا يعرفون أسبابه.
وقال إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن “المصريين لديهم القدرة على تحمل الصعاب، وهذا يحتاج بذل جهد كبير من الحكومة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “من المهم مشاركة الناس في المشكلة بالمكاشفة، وهو ما يتطلب تحركات على الأرض لإيجاد حلول ناجزة، ويشعر الناس بأن هناك خطة يجري العمل على إنجازها بالفعل”.
2.3
مليار دولار دعم الدولة لبند الوقود في الموازنة السنوية للدولة وفق التقديرات الرسمية
وأوضح أن وضع أفق لحل أي مشكلة يريح كل الأطراف، ويقطع ألسنة خصوم الدولة، ومن الضروري شرح كل تحد بتأثيراته الخارجية.
وقال إن “مصر تتأثر بما يحدث في محيطها وأزمة الكهرباء لم تكن موجودة قبل التوترات الأخيرة في عدة مناطق، وما ترتب عليها من إجراءات عقّد الظروف الاقتصادية وأثقل كاهل الدول”.
ويوحي صمت الحكومة وعدم وضع سقف لحل بعض الأزمات بأنها لا تملك رؤية أو إجراءات ناجزة، وأن تعاملها مع أزمات مرتبطة بالناس يمكن أن يجلب مخاطر في توقيتات سياسية حرجة، وهو توجه يتناقض مع حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على طمأنة المواطنين.
ومنذ بدء انقطاع الكهرباء، لم يتحدث مسؤول حكومي صراحة حول موعد انتهاء الأزمة، ولم تؤكد الحكومة أنها تكافح لحل المشكلة، ما جعل المواطنين يشعرون بوجود شبهة تعمد لاستغلال صمتهم واستمرار تحملهم للحفاظ على أمن واستقرار بلادهم وسط إقليم مضطرب.
ويعتقد محللون أن الحكومة قطعت شوطا إيجابيا في السيطرة على أزمة التضخم عندما أظهرت صرامة مع التجار والصناع والمستوردين، وهذا يُحسب لها بعد أن فقدت فئة من المواطنين الأمل في خفض الأسعار، وأنه يجب عليها استثمار هذا النجاح لتفكيك أزمات أخرى.
ويشير هؤلاء إلى أن الإخفاق في حل مشكلة حيوية، مثل الكهرباء، يقدم رسائل سلبية حول مستقبل الأوضاع الاقتصادية، بينما ينتظر الناس انفراجة مع بدء الولاية الثالثة للسيسي، التي تعهد خلالها بالمزيد من تحسين الأوضاع الاجتماعية.
ونجحت الحكومة في بناء العديد من محطات الكهرباء باستثمارات ضخمة، وبلغت الإنتاجية ضعف ما كانت عليه قبل 10 سنوات، لكنها مطالبة بتقدير موقف واقعي للمشكلة الراهنة وأسبابها، وتقدم معلومات كاملة للرأي العام قبل أن تجد خطابها محل شك مستمر، وتستثمره قوى معارضة لتأليب الناس ضد الدولة.
وتدافع أصوات قريبة من السلطة عن القرار بأن البعض من المواطنين جزء من المشكلة لأنهم دأبوا على رفض الالتزام بخطة ترشيد الاستهلاك من تلقاء أنفسهم، ولم تكن أمام الحكومة خيارات أخرى لتجاوز تلك المرحلة الحرجة سوى باتخاذ قرار الانقطاع الدوري.
ومع ذلك، تحتاج الحكومة إلى تغيير نهجها في التعامل مع المواطنين، والكف عن اللعب على وتر صبر الناس، لأنهم تحملوا توجيه مئات المليارات من موازنات الدولة لتطوير شبكة الكهرباء وزيادة أسعار استهلاكها، وبعد هذا كله الأزمة مستمرة.