الحكومة التونسية تشرع في حل ملف آليات التشغيل الهشة

يبدو أن السلطات التونسية فهمت أنه لا مفر من مزيد تأجيل الحسم في ملف عمال الحضائر ومن ورائه آليات التشغيل الهشة التي وضعتها حكومات ما بعد ثورة 2011 لامتصاص ضغط البطالة، لذلك سارعت إلى فتحه رغم انعكاساته الكبيرة على الخزينة العامة في ظل تفاقم الصعوبات الاقتصادية والمالية.
تونس - تسعى الحكومة التونسية من خلال إعلانها تسوية وضعيات عمال الحضائر إلى الحسم في ملف آليات التشغيل الهشة التي اعتمدتها حكومات ما بعد ثورة 2011 لإسكات أصوات تحتج ضدّها.
ووجدت الحكومة التي يقودها أحمد الحشاني نفسها أمام تركة ثقيلة تتعلق بملف الحضائر الذي ظل عالقا منذ سنوات، ومثّل نقطة ضغط “سياسية” لدى الحكومات المتعاقبة واستخدمته في مختلف المحطات الانتخابية.
ولئن ثمنت أوساط سياسية الخطوة الحكومية من حيث وضع حد للجدل الذي رافق الملف المتوارث، فإنها تساءلت بشأن حقيقة إيفاء السلطة بتعهداتها المالية، خصوصا وأن عملية إدماج هؤلاء في عدد من الإدارات والمؤسسات الرسمية مستنزفة لخزينة الدولة.
وأعلنت رئاسة الحكومة أنّ اللجنة الوطنية لتسوية وضعية عملة الحضائر قامت بتوزيع عملة الدفعة الثانية الذين تعذّر عليهم الحصول على تعيين عبر المنصّة الرقمية، وذلك على المراكز الشاغرة المتبقية وفقا للتراتيب الجاري بها العمل.
وأوضحت رئاسة الحكومة في بلاغ، الأربعاء، أنّه يمكن لعملة الحضائر الدفعة الثانية الولوج إلى المنصّة الرقمية للاطلاع على مراكز تعيينهم، مشيرة إلى أنّه سيتم توجيه إرساليات قصيرة لإعلامهم بذلك كما ستتولى الوزارات دعوتهم لاستكمال ملفاتهم الإدارية والتثبت فيها قبل دعوتهم لمباشرة عملهم وفقا للتراتيب الجاري بها العمل.
وتعود أزمة عمال الحضائر المركّبة إلى اتفاقيات سابقة التزمت بما تعجز ميزانية الدولة عن الإيفاء به، خاصة وأن عدد العاملين وفقا لهذه الاتفاقيات يقدّر بالآلاف.
ووصف المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني الخطوة بـ”الجريئة”، قائلا ” الحكومة أغلقت ملفا مهما جدا، لأن هؤلاء تم توظيفهم على اختلاف مستوياتهم، وهو قرار هام جدا في أبعاده الاجتماعية والإنسانية والنفسية”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “تسوية وضعية عمال الحضائر وإلغاء المناولة من القرارات المهمة بتعليمات رئاسية، كما أن هذه الحكومة على عكس الحكومات السابقة تؤمن باستمرارية الدولة وتواصلها وفتحت الملف رغم كلفته المادية الباهظة”.
أزمة عمال الحضائر المركّبة في تونس تعود إلى اتفاقيات سابقة التزمت بما تعجز ميزانية الدولة عن الإيفاء به
وتابع الشيباني “السلطة وجدت تركة كبيرة بعد 2011 وهي ملفات استغلتها الحكومات السابقة بالتسويف والمماطلة وفي عدة محطات انتخابية وسياسية”.
وفي وقت سابق، أفادت المنسقة الجهوية لعمال الحضائر الأقل من 45 سنة هبة الله السعدي بأن “قرابة 31 ألف عون من عملة الحضائر الجهوية وعمال الحضائر الفلاحيّة معنيون بتسوية الوضعية”، مستنكرة “عدم تكفّل الحكومات المتتالية بتسوية وضعياتهم المهنيّة وتطبيق اتّفاق 20 أكتوبر 2020”.
وأضافت هبة الله السعدي في تصريح إعلامي أنّ “اتّفاقيّة 20 أكتوبر بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل تهدف إلى توظيف عمال الحضائر على دفعات، وتقسيم العمّال إلى ثلاثة شرائح، تشمل الشريحة الأولى من “سنّهم أقل من 45 سنة في حين يهم العنوان الثاني ما فوق 45 سنة إلى حدود 55 سنة أما العنوان الثالث فيخص ما فوق 55 سنة”، مطالبة بتسوية وضعية ملفّاتهم في أقرب الآجال.
وأوضحت المنسقة الجهوية أنّ “1400 عامل حضائر وموظف من إجمالي 6000 لم يُباشروا عملهم إلى حدود ديسمبر الماضي”.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “هذا الإجراء جزء من عملية تلميع صورة الحكومة في علاقة بالمنجز، والملف مزمن وكان يفترض أن يتم حله منذ سنوات، حيث لم تف الحكومات المتعاقبة بتعهداتها تجاه هذه الفئات الاجتماعية”.
وأكد لـ”العرب” أنه “لا بد أن ينظر في آليات التشغيل الهش لإدماج العاملين، وأعتقد أن عملية الإصلاح الإداري الشامل يفترض أن تتماشى مع هذا الإجراء مع حسن التصرف في الموارد البشرية”.
ولفت منذر ثابت إلى أن “الحكومة سجلت نقطة مهمة، لكن هل هي قادرة على الإيفاء بالجوانب المالية لهذا الإجراء”.
وألقت ضبابية السياسات الحكومية المتعاقبة في السنوات الأخيرة بظلالها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، حيث فشلت حكومات ما بعد 2011 في إرساء منوال تنموي واقتصادي ووضع إستراتيجيات لازمة لمعالجة الأزمات ومحاربة الفقر والبطالة.