أدراج نقابة الصحافيين تقلق راحة الحكومة المصرية

رسائل تحذيرية للنقابة من خطابات مناهضة للسلطة.
السبت 2024/04/06
أصوات تزعج السلطة

تتعامل السلطات المصرية بحساسية مفرطة حيال المظاهرات النادرة التي تتخذ من أدراج نقابة الصحافيين مركزا لها، في غياب مواقع أخرى للتعبير عن الرأي، وقد شكلت المظاهرات الأخيرة على خلفية الحرب على غزة استفزازا للسلطات لما تضمنته من شعارات عُدّت مناوئة للنظام.

القاهرة - عاد درج، أو سلّم، نقابة الصحافيين في مصر إلى بؤرة الأحداث بعد أن شهد مظاهرات نددت بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ما يشكل استثناء في المشهد العام الذي تغيب عنه الوقفات الاحتجاجية، ويسلط الضوء على ما يدور على هذه السلالم الشهيرة من تفاعلات سياسية أدت إلى توجيه انتقادات للنقابة.

وشهدت إحدى المظاهرات أخيرا لوما حادا للسلطة على موقفها من الحرب على غزة من قبل نشطاء معارضين، وقالت منظمات حقوقية محلية إن أجهزة الأمن المصرية ألقت القبض على نحو عشرة منهم، الخميس، من منازلهم، وتتابع ما سيجري معهم من تحقيقات، يمكن أن تعكر صفو العلاقة بين الحكومة ونقابة الصحافيين.

وبدأ عدد من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين يستشعر مخاطر التوظيف السياسي للدرج/ السلّم التاريخي في منطقة وسط القاهرة، ما دفعهم إلى تقديم مذكرة لمجلس النقابة طالبوا فيها بوضع ضوابط لتنظيم الوقفات الاحتجاجية، وتكون بعلم المجلس وملتزمة بأهدافها، ومنع تسخيرها بما يضر بصورة الصحافيين ومصلحتهم.

وشددت المذكرة التي قدمها حسين الزناتي وأيمن عبدالمجيد، وهما من أعضاء مجلس النقابة، الأربعاء، على ضرورة تصدى المجلس لمسؤولياته بالعمل على وضع ضوابط توازن بين الحرية والمسؤولية، محذرة من “اختطاف شخصيات تطلق على نفسها نشطاء للفعاليات، وتصدير مقاطع معادية للدولة على مواقع التواصل الاجتماعي تلتقطها وسائل إعلام معادية للوطن لتسويقها على أنها موقف الصحافيين المصريين”.

واحتضن سلم النقابة الشهير وقفة احتجاجية، الأربعاء، شارك فيها عدد من النشطاء السياسيين والصحافيين، تضمنت هتافات تندد بمواقف الحكومات والأنظمة العربية من الحرب الدائرة في غزة، في ظل تشديدات أمنية واضحة.

أمينة شفيق: التوظيف السياسي خطر على نقابة الصحافيين
أمينة شفيق: التوظيف السياسي خطر على نقابة الصحافيين

وكانت مظاهرة أخرى شارك فيها الناشط السياسي أحمد دومة في منتصف يناير الماضي، شهدت ترديد هتافات معادية للسلطة فيما اعتبر مؤشرا على أن الاحتجاجات الداعمة لغزة توظفها المعارضة بعيداً عن أهدافها التي تحدد بالتوافق مع نقابة الصحافيين.

وظل سلّم الصحافيين مقيدا نحو أربع سنوات بدافع ترميم واجهة النقابة قبل أن تظهر في حلتها الجديدة، وذلك قبل أيام قليلة من انتخابات مجلس النقابة التي جرت منذ عام وأسفرت عن فوز عدد من الأعضاء ينتمون ومعهم النقيب إلى اليسار المصري.

ورغم توقعات سابقة بحدوث صدام بين النقيب وأعضاء في المجلس الجديد وبين الحكومة، إلا أن الأخيرة استوعبت صدمة فشل مرشحها رئيس تحرير جريدة الأخبار خالد ميري في الوصول إلى منصب النقيب أمام مرشح اليسار والذي يرأس تحرير موقع البديل خالد البلشي، وفتحت الحكومة بذكاء صفحة جديدة مع الصحافيين تعتمد على التعاون معهم والبعد عن الصدام، وإيجاد مساحات مشتركة للتفاهم بين الجانبين.

وقالت الكاتبة والنقابية المخضرمة أمينة شفيق إن التوظيف السياسي خطر على نقابة الصحافيين وقد يضعها في مواجهة ليست مطلوبة مع الحكومة، وعلى النقيب والمجلس الحالي منع وجود دخلاء يمارسون نشاطًا سياسيًا على سلّم النقابة يتداخل مع أنشطتها التي تنظمها في مجالات مختلفة.

وأوضحت شفيق في تصريح لـ”العرب” أن التداخل بين أدوار النقابات وممارسة السياسة أمر يثير أيّ سلطة، ويخرج عن سيطرة الجهة التي تدعو للفعاليات الاحتجاجية، وقد ينتج عنه فرض أجندة سياسية على أعضاء النقابة الحقيقيين الذين يسعون للتعبير عن رأيهم بوضوح، وعلى المجلس الحالي للنقابة أن يبرم اتفاقًا يلتزم به جميع الصحافيين بمنع الدخلاء على الجماعة الصحافية من التواجد أمام سلّم نقابتهم.

وأكدت أن على أعضاء النقابات الأخرى الراغبين في مساندة القضية الفلسطينية أن يقوموا بذلك داخل نقابتهم أو يبحثوا عن السبل الشرعية للتظاهر من دون أن تتحمل نقابة الصحافيين النتيجة السياسية.

نبيل صادق: ليس من مصلحة النقابة الدخول في صدام مع الحكومة
نبيل صادق: ليس من مصلحة النقابة الدخول في صدام مع الحكومة

وكشفت أمينة شفيق، التي شاركت في مظاهرات دعمت القضية الفلسطينية مؤخرا، أن مظاهرة يناير الماضي التي أثارت جدلاً كانت فعاليتها انتهت ودخل الصحافيون مقر نقابتهم، لكن من وقفوا على السلّم رفضوا المغادرة أو الدخول ورددوا هتافات “مش هنمشي(سوف نبقى)”، وبدأت المظاهرة تخرج عن مسارها الرئيسي.

وذكرت أن الحديث عن أن نقابة الصحافيين “قلعة الحريات” وعليها أن تتحمل ضريبة ذلك هو حق يراد به باطل، لأن مهمتها الأساسية الدفاع عن مصالح أعضائها فقط، وهو ما تسير عليه النقابة منذ سنوات طويلة، وأن يبقى العمل السياسي ضئيلاً للغاية.

ويقول متابعون إن أيّ خروج سياسي عن النص يجري توظيفه لاستهداف النقيب ومجلس النقابة بعد أن نجحا في كسب ثقة الأعضاء وقدما العديد من الخدمات واستعادت النقابة أجزاء مهمة من أدوارها الخدمية والاجتماعية والمهنية، حيث تمت إعادة صياغة الأدوار النقابية بوجه عام، ووضعها على مسارها الصحيح مع تقويض دور جماعة الإخوان في النقابات بعد أن عملت على تطويعها لخدمة أهدافها.

وتحاول جهات محسوبة على المعارضة ولها صلات بتنظيم الإخوان أن تجر النقابة إلى مناكفة السلطة، ومحاولة خلق بؤرة توتر داخلية، وهو أمر ينتبه إليه النقيب خالد البلشي، ويسعى لتعزيز صلاته بجهات حكومية تستطيع تقديم المزيد من الدعم المالي للصحافيين، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعاني منها فئة من الصحافيين.

ودافع البلشي في تصريحات سابقة عن المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية بتأكيده أنها تعبّر عن موقف الصحافيين وتساند الدولة المصرية في دعم موقفها الرافض لما يحدث في غزة، معتبراً أن استعادة دور السلّم فائدة للدولة، والصحافيين الذين نظموا وقفات عدة داعمة للفلسطينيين، يصعب اختزالها في هتاف مدته ثلاث دقائق، مؤكدا أن النقابة ستقوم بمراجعة إدارة الفعاليات الاحتجاجية.

وشدد عضو لجنة الأداء النقابي نبيل صادق على أن استمرار التوظيف السياسي لسلّم النقابة سيؤدي إلى أزمات مع الحكومة المصرية، وبعد حوالي أربع سنوات من “رفع سقالات الإنشاء” التي كانت محل اعتراض من غالبية الصحافيين، يجب ترشيد استخدام السلّم عقب استغلاله من جانب ناشطين معارضين دون أن يكون لدى النقابة علم بتوجهاتهم ومصالحهم، وهو ما لا يعبر عن مواقف جموع الصحافيين.

وأشار صادق في تصريح لـ”العرب” إلى أنه ليس من مصلحة نقابة الصحافيين الدخول في صدام مع الحكومة، خاصة أن المهنة تعاني مشكلات كثيرة، بينها أن هناك صحافيين لا يتقاضون رواتبهم من صحفهم ويعيشون على ما يتم توفيره لهم من “بدل التكنولوجيا” الذي تصرفه النقابة، وهو مبلغ نقدي لا يتجاوز مئة دولار كل شهر.

وذكر أن حل الأزمات المهنية لا يأتي عن طريق الهتافات والصوت العالي، وعلى النقابة التفاوض مع الحكومة من دون أن يكون هناك ما يعرقل خطواتها.

وشهد سلّم نقابة الصحافيين الكثير من الأحداث السياسية، وخرجت إحدى شرارات ثورة يناير في العام 2011 من أمام النقابة الواقعة في شارع عبدالخالق ثروت إلى ميدان التحرير بوسط القاهرة، كذلك الوضع بالنسبة إلى المظاهرات التي قادت إلى إنهاء حكم الإخوان عام 2013، وبات هذا السلّم ملجاً للعديد من الفئات التي طالبت بالحصول على مطالبها الفئوية، إلى جانب التعبير عن مطالب الجماعة الصحفية.

2