القاهرة تسرّع تنمية سيناء لإنهاء حديث المساعدات مقابل التوطين

دوائر رسمية تعمل على تثبيت سيطرة الدولة على سيناء، والتأكيد على أن مشروعات التنمية المحاذية لحدود غزة تتم وفقا لرؤية تخدم أمن البلاد أولا.
الثلاثاء 2024/03/19
تسريع مشروعات التنمية في سيناء يتصدر أولويات الرئيس

القاهرة – بعثت الحكومة المصرية رسائل سياسية إلى الداخل والخارج، في الوقت الذي كان فيه وفد من الاتحاد الأوروبي يزور القاهرة، مفادها أن المساعدات الغربية التي يتم تقديمها إلى مصر ليست على حساب سيناء، ولن تكون مقابل توطين سكان قطاع غزة فيها.

وعقد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي اجتماعا موسعا الأحد، أكد فيه أن تسريع مشروعات التنمية في سيناء يتصدر أولويات الرئيس عبدالفتاح السيسي ومؤسسات الدولة، معلنا عن خطة زراعية وصناعية وتجارية وسكنية في سيناء.

وبدا واضحا أن اجتماع الحكومة لمناقشة إجراءات تسريع التنمية في سيناء تزامن مع زيارة الوفد الأوروبي الأحد، والإعلان عن شراكة إستراتيجية مع مصر وتقديم مساعدات بقيمة 8.06 مليار دولار، ما يعني أن الحديث عن سيناء تضمّن هدفا سياسيا.

اللواء سمير فرج: خلو سيناء من التنمية يجعلها مطمعا للآخرين
اللواء سمير فرج: خلو سيناء من التنمية يجعلها مطمعا للآخرين

وسعت الحكومة المصرية للرد بشكل حاسم على الاتهامات التي روجت لها جماعة الإخوان بأن المساعدات التي ستحصل عليها القاهرة من الاتحاد الأوروبي ليست مجانية، وترتبط بخطة محتملة ترمي إلى توطين سكان غزة في جزء من سيناء.

وتعمل دوائر رسمية على تثبيت سيطرة الدولة على كامل سيناء، والتأكيد على أن مشروعات التنمية بالقرب من الحدود الملتهبة مع غزة تتم وفقا لرؤية شاملة تخدم أمن البلاد أولا، وأن مسارات التنمية مكملة للرفض القاطع لمخطط التوطين.

وأظهرت تقارير ميدانية، رفعها وزراء معنيون بتنفيذ خطة التنمية في سيناء، مدى رغبة الحكومة في تأكيد أن التطورات على جبهة غزة لن تثنيها عن العمل، ولن تكون هناك ثغرة تجعل إسرائيل تفكر في أن تصبح سيناء مكانا بديلا لاستيعاب فلسطينيي القطاع.

وأكدت مصادر سياسية في القاهرة لـ”العرب” أن توقيت الإعلان عن تسريع خطط التنمية في سيناء، بالتوازي مع مساعدات الاتحاد الأوروبي، هو رسالة مصرية مباشرة إلى من يهمهم الأمر، يفيد مضمونها بضرورة عدم الربط بين المساعدات والحديث عن التوطين.

ويصعب فصل تسريع عملية التنمية في سيناء عن اقتناع دوائر رسمية بحاجة المصريين إلى ما يفوق التصريحات بشأن رفض توطين الغزيين في أي بقعة مصرية، وهو ما تعمل عليه الحكومة عبر الإعلان المستمر عن  جهود التنمية ونسبها.

وكشفت الحكومة للرأي العام المحلي الأحد معدلات التنفيذ في المشروعات التنموية المختلفة، الزراعية والسكانية والكهربائية والصناعية وشبكات الطرق والري، ومتى تنتهي الخطط، للتأكيد على أن ملف التنمية في سيناء أكبر من كونه دعاية سياسية.

وأكد الخبير العسكري ورئيس جهاز الشؤون المعنوية في الجيش المصري سابقا اللواء سمير فرج أن تأمين سيناء لن يتم إلا بالتنمية، وهو المنهج الذي تتحرك من خلاله أجهزة الدولة، وهي حقيقة يؤمن بها الرئيس السيسي، فخلو سيناء من التنمية يجعلها مطمعا للآخرين.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “المخطط بشأن سيناء يقوم على ربطها بالوادي، وأي حديث يرتبط بالتهجير مقابل مساعدات أو وعود بها وهم كبير، والدولة لا تولي هذه الأقاويل أهمية وتركز على ما تقوم بتنفيذه على الأرض كرسالة إلى الجميع”.

حح

ولفت سمير فرج إلى أن معدل التعمير في سيناء حاليا يتقدم بوتيرة سريعة، فهناك شبكات أنفاق وطرق عملاقة ومصانع وشركات استثمارية وخطوط سكة حديد، وتم استصلاح نصف مليون فدان للزراعة، وإنشاء أكبر ميناء على البحر المتوسط، ولأول مرة توجد شبكات متكاملة للغاز الطبيعي ومياه الشرب والصرف الصحي.

وثمة رغبة واضحة لدى السلطات المصرية في زيادة معدل توطين جزء من أهالي مدن قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلية والسويس) ومنطقة الدلتا في شمال القاهرة في سيناء، وقد تم توفير حماية للشركات العاملة في مشروعات التنمية التي جرى تدشينها وقدمت محفزات لجذب المواطنين والطلاب للدراسة في المؤسسات التعليمية.

وخصصت الحكومة 11 مليار دولار لمشروعات تنموية في المرحلة الثانية من تنمية سيناء في السنوات الخمس المقبلة، بعد أن انتهت من المرحلة الأولى التي جرى تنفيذها خلال الفترة من 2014 إلى 2023.

اللواء فاروق المقرحي: المصريون يدعمون خطوات التنمية في سيناء
اللواء فاروق المقرحي: المصريون يدعمون خطوات التنمية في سيناء

ونجحت أجهزة الدولة في تجييش الرأي العام بشأن رفض مخططات التهجير إلى سيناء، بعد تبني الرئيس السيسي مشروع تنميتها بشكل متكامل، وتثبيت فكرة أن سيناء بالنسبة إلى الدولة هدف إستراتيجي يستحق الإنفاق عليه.

وتدرك الحكومة الحالية حجم الأخطار التي ترتبت على تجاهل الحكومات المتعاقبة لتنمية سيناء، خاصة المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة، والاكتفاء بالتركيز على السياحة في جنوب سيناء، ما تسبب في انتشار الإرهاب الذي نجحت أجهزة الأمن في القضاء عليه بعد تقديم تضحيات مالية وبشرية.

وأوضح مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء فاروق المقرحي أن الخطوات الحكومية الأخيرة تشير إلى وجود رغبة في التأكيد على أن الشعب الذي يواجه أزمات اقتصادية لن يقبل أن يكون ذلك على حساب منطقة جغرافية تمثل عمقا للأمن القومي، فقد قدم المصريون تضحيات جسيمة لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي والإرهاب.

وأشار لـ”العرب” إلى أن “الشارع المصري يتعامل مع كل إجراء تنموي في سيناء برد فعل إيجابي يدفع الحكومة نحو المزيد، لأن المطامع تجاهها لم تتوقف منذ زمن، ولذلك تؤيد شريحة واسعة من المواطنين تخصيص الدولة مبالغ كبيرة لتنميتها”.

وتخطط الدولة لإعادة توزيع السكان وتوطين نحو ثمانية ملايين نسمة في سيناء، وإدخالها مجال اهتمام المستثمرين، وزيادة جاذبيتها بوضع خارطة تنموية متكاملة، ودعم البعدين الأمني والسياسي للحدود الشرقية، بما يطمئن المواطن ويشجعه على الاستقرار.

ويرى خبراء عسكريون أن جزءا من تسريع التنمية موجه إلى المجتمع السيناوي نفسه، كي يظل خلف الدولة في مواجهة المخططات التي تهدد الأمن القومي من الناحية الشرقية، وهذا يتطلب تنفيذ مشروعات عديدة تستهدف المجتمع المحلي مع إنشاء مرافق حيوية تضم مراكز ثقافية ورياضية وتعليمية.

ومن وجهة نظر الحكومة من الضروري ألا يظل مخطط تحويل سيناء إلى وطن بديل للفلسطينيين هاجسا لدى الناس، وهو ما يتطلب قطع الطريق على التفكير في ذلك مستقبلا، ولن يتحقق ذلك دون تنمية على الأرض تنفي عمليا الربط بين المساعدات وأي سيناريو سلبي يتم التخطيط له في المنطقة.

 

اقرأ أيضا:

       • السيولة توفرت.. لكن كيف ستعالج مصر مشاكلها الاقتصادية

       • فتش عن الهجرة في مساعدة أوروبا لمصر

1