إعلانات رمضان في مصر نسخة من سطحية المحتوى الإعلامي

تكفي متابعة شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأولى من شهر رمضان لاستكشاف النفور من مضامين الإعلانات الترويجية التي صارت أشبه برسالة إعلامية عقيمة تقدمها بعض المنابر التلفزيونية، فلا توجد خطة واضحة المعالم لاستقطاب المشاهدين ولا يستطيع الجمهور معرفة الهدف من الإعلان ومزايا المنتج المعروض.
القاهرة - حمل الغضب الجماهيري في مصر من مضامين الحملات الإعلانية للسلع والمنتجات والمؤسسات والمنتجعات السكنية الفاخرة، رسالة احتجاج إلى القائمين على صناع المحتوى، بعد أن صارت السطحية نسخة مكررة في الإعلان والإعلام دون وجود حد أدنى من الابتكار والتشويق والعمق لإقناع المشاهدين بالرسالة المقدمة.
ومع إطلاق حملات إعلانية مكثفة منذ بداية شهر رمضان بحث مواطنون عن معلومات وخدمات وعروض جديدة تفيد في مجال تحسين مستوى الخدمة أو تطوير السلع الجماهيرية وعرض مزاياها، لكن ذلك لم يحدث، ما يعني أن الجهات المُعلنة أخفقت في الوصول إلى حالة الرضا المجتمعي حول الكثير من المنتجات.
وتعاني المنظومة الإعلانية في مصر من غياب واضح في مقاييس نسب المشاهدة التي على أساسها يُحكم بالنجاح أو الفشل على الرسالة المقدمة للجمهور، لذلك أصبحت مواقع التواصل معبرة عن توجهات شريحة مهمة من المواطنين، ومدى الرضاء أو الغضب من المحتوى المقدم لهم من خلال وسائل الإعلام عموما.
ومثل حال الكثير من البرامج التلفزيونية التي لا تملك أدوات الابتكار وجذب الجمهور إليها، جاءت غالبية الإعلانات بالأسلوب ذاته تقريبا، واكتفت بالاعتماد على استقطاب نجوم الفن والغناء والكرة للقيام بدور البطولة فيها بأشكال استعراضية وليست هادفة، ما انعكس على تقديمها بصورة نمطية ومستفزة أحيانا، وعلقت مشاهدة على موقع إكس:
Gehan95779417@
ما فهمته من إعلانات رمضان:
لكي أسكن في كومباوند يجب أن أعيش قصة حب.
(إعلانات مستفزة)

وأضافت أخرى:
@nefer_jiji
95 في المئة من إعلانات رمضان موجهة إلى 5 في المئة فقط من الشعب.

وما ضاعف الغضب من إعلانات رمضان أنها تُعرض على الفضائيات في صورة مسلسلات قصيرة أو فيديو كليب، وتبث مع أغنيات بلا قيمة أو معنى، مصحوبة برقصات متواصلة في جزء كبير من الفقرة الإعلانية، ويتم الاكتفاء بكتابة اسم المنتج على الشاشة، أما المنتج نفسه فلا يتم التطرق إليه سوى عبر تلميحات قليلة.
وقالت إحدى المتابعات:
Hend_Salem123@
إعلانات رمضان في مصر تتميز بخاصية لا أعتقد أنها موجودة في أي إعلام في أي بلد في العالم.
إعلانات رمضان في مصر لو وضعت أي إعلان مكان الثاني فلن تلاحظ أي فرق، يعني إعلان شركة الاتصالات مثل إعلان الزيت مثل إعلان المدينة السكنية مثل إعلان البنك وإعلان الزبادي وإعلان المستشفى.

واستنكرت أخرى:
gehanalnahas@
هذا البذخ والإسراف في إعلانات رمضان وكم الفنانين الذين يقومون بدور المُعلن لا يتماشى مع حالة الشعب المصري ولا مع غلاء الأسعار والمعيشة.
ولا تنتظر من هؤلاء أنْ يشاركوك شكواك أو معاناتك أو يشعرون بك؛ أنتَ وحدك الذي تبحث عن لقمة العيش في هذا البلد، والله المستعان.
ويفترض نجاح الإعلان الاعتماد على فكرة جذابة، لكن الكثير من إعلانات رمضان استسهلت التركيز على النجم/ النجمة، وليس المُنتج الذي أُعد الإعلان من أجله، وجذب الجمهور نحو الشاشة، وهو الأسلوب الذي تتبعه غالبية البرامج التلفزيونية، إذ يُرهن النجاح بوجود مذيع شهير، بغض النظر عن هوية المضمون الذي يقدمه.
ويرتبط إخفاق الكثير من الإعلانات بغياب الفكرة والابتكار والعمق، وهي أركان ثلاثة تمثل أرضية خصبة لنجاح أو فشل أي إعلان، ومهما جرت الاستعانة بنجوم كبار لإضفاء المزيد من المتعة البصرية لن يتحقق الهدف دون احترام عقلية المشاهد.
وهناك تحفظ جماهيري مرتبط بعدم ملاءمة بعض النجوم للمنتجات التي يعلنون عنها، ما أثر بشكل سلبي على عدد من الحملات الإعلانية، وتبدأ غالبية الإعلانات وتنتهي وهي خالية من أي معلومة مفيدة عن المنتج والتطرق إلى مزاياه لإقناع المتلقي بجدواه، وهي القيمة المضافة التي يفترض أن تستند إليها الإعلانات.
ويقول متخصصون في مجال الدعاية إن شركات الإنتاج الإعلاني لم تتعلم من دروس الماضي، وكررت نفس الأخطاء التي وقعت فيها سابقا، باعتبار أن النجم هو أساس الدعاية، ومواصفات وفوائد المنتج استثناء، لذلك يضطر المشاهد إلى التركيز على الفنان طوال الفقرة الإعلانية ولا يعرف شيئا حقيقيا عن السلعة نفسها.
ويؤكد هؤلاء المتخصصون أنه عندما يصبح تقييم الجمهور لكل إعلان وفق اسم النجم/ النجمة وليس المنتج، فهذا يعني أن المحتوى فشل ولم يحقق الغرض، وهي إشكالية تعاني منها الكثير من البرامج التلفزيونية التي تُنحي المحتوى الجاد والرصين جانبا وتركز على أبعاد سطحية تؤدي إلى هجرة المشاهدين لها.
وقال رئيس جمعية حماية المشاهدين بمصر حسن علي إنه “يصعب فصل إخفاق الحملات الإعلانية عن امتعاض الجمهور من المحتوى الإعلامي عموما، فلا فكرة ولا رصانة ولا عمق، بعكس إعلانات سابقة كانت تعتمد على تشويق الناس وجذبهم بطريقة مبتكرة كي يحفظوا شكل واسم المنتج من الإعلان”.
وأضاف لـ”العرب” أن “القنوات والشركات المنتجة للإعلانات لم تُدرك حجم التغير الذي طرأ على وعي الجمهور، حيث يميز بين المحتوى الجاد والسطحي، ولا يعنيه النجم بقدر ما يهتم بالهدف والرسالة، فالناس لا يتابعون البرنامج لمجرد أن المذيع/ المذيعة شهير/ شهيرة، وبالمثل لن يشتروا المنتج من أجل البطل”.
غالبية الإعلانات جاءت بالأسلوب ذاته، واكتفت بالاعتماد على استقطاب نجوم الفن والغناء والكرة للقيام بدور البطولة
ولفت حسن علي إلى أن الاحتجاج ضد بعض الإعلانات رسالة غضب يجب وضعها في الحسبان، لأنها تؤشّر على وصول الناس إلى مرحلة متقدمة من الاستفزاز بسبب الإصرار على تكرار نفس الأخطاء في تقديم الرسالة الإعلانية، بالتوازي مع غضب متصاعد من فوضى الخطاب الإعلامي.
وأمام اتساع رقعة السخط على محتوى الفواصل الإعلانية غير الهادفة، اتجهت شريحة من الجمهور إلى منصات رقمية وقنوات خليجية تقدم جرعة معتدلة من الإعلانات لا تخل بمعايير المشاهدة وتعرض نفس الأعمال المتاحة بالفضائيات المصرية بعيدا عن المطاردة الإعلانية الفجة.
وتكمن أزمة وكالات الإعلانات والقنوات المصرية في أنها لم تستوعب حجم الانقلاب في عادات المشاهدين؛ فإذا كان الجمهور قد اضطر في الماضي إلى الجلوس أمام الشاشات لمتابعة الإعلانات، فإن الوضع تغير اليوم وأصبح كل مشاهد يمتلك خيارات عديدة، إما بمنصة رقمية أو بتطبيق هاتفي لمتابعة ما يريد في أي وقت ودون إعلان يزعجه.
ويبدو أن أغلب المعلنين لديهم أزمة في فهم طبيعة وثقافة الجمهور المستهدف من الحملات الترويجية، فأغلب السكان في مصر في سن الشباب، والكثير منهم زحفوا إلى المنصات الرقمية الخالية من الإعلانات أو التي تقدمها في قوالب قصيرة.
وهناك قرار صدر من مجلس تنظيم الإعلام منذ ثلاث سنوات يلزم كل فضائية باختصار الفواصل الإعلانية إلى 3 مرات فقط أثناء عرض العمل الدرامي في رمضان، لكن كل القنوات تقريبا لا تلتزم بهذا القرار، ولا تكترث بأن التمرد على الجمهور يجلب القطيعة معه، فالأغلبية باتت تملك بدائل عن الشاشة الصغيرة.
وما يضاعف جرعة الاستفزاز الجماهيري أن هناك إعلانات تستهدف تجميل الصورة ونفي السلبيات، مثل تلك المرتبطة بشبكة اتصالات معينة أو مصرف، أو هيئة حكومية قد يكون المشاهد ممتعضا من خدماتها، ما يجعله يشعر بخديعة ومحاولة إيهامه بإيجابيات لا يراها على أرض الواقع.
والدرس المهم في هذا الملف يتعلق بصعوبة إقناع الجمهور، لا إعلاميا ولا إعلانيا، بما يناقض واقعه، ومهما كان مقدم الرسالة الإعلامية أو الإعلانية من النجوم/ النجمات وصاحب شعبية كبيرة لن ينجح إذا أصر على تقديم محتوى سطحي عفا عليه الزمن.