المردودية والكفاءة أساسيان للعمل الوزاري في تونس

قيس سعيد يقيل وزيري النقل والثقافة.
الخميس 2024/03/14
خدمات النقل في حاجة إلى المراجعة

أنهى الرئيس التونسي قيس سعيد، وفقا لدستور الخامس والعشرين من يوليو 2022 الذي عزّز من صلاحياته بشكل واسع، مهام كلّ من وزيري النقل واللوجيستيك والشؤون الثقافية، في خطوة يرى متابعون أنها تعكس توجّها من السلطة نحو تكريس أسس جديدة للنشاط الوزاري، على غرار المردودية والكفاءة.

تونس - أكدت حزمة الإقالات في عدد من الوزارات والإدارات التونسية بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، وآخرها تلك التي شملت وزارتي النقل والثقافة، أن الرئيس قيس سعيد لا يعترف إلا بمقاييس المردودية والكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية في العمل. ويقول مراقبون، إن نجاح الرئيس في مهامه، يرتبط أساسا بنجاح مكونات الحكومة  وتناغمها في أداء أدوارها، خصوصا مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المزمع إجراؤه الخريف المقبل.

كما يفترض على الحكومة أن تكرّس تطلعات الفئات الشعبية وآمالها وتجسد رؤى الرئيس وتوجهاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، خصوصا وأن قيس سعيد ينتصر إلى مقاييس نظافة اليد وروح الوطنية والكفاءة في العمل. ويضيف المراقبون أن رئيس الحكومة أحمد الحشاني مطالب هو الآخر بتوضيح البرامج الرئاسية المستقبلية، وتقييم أداء وزراء حكومته، من أجل التقدم في أداء المهام.

وأقال الرئيس التونسي قيس سعيد الثلاثاء وزيري النقل ربيع المجيدي والثقافة حياة قطاط، دون ذكر الأسباب، وسط أنباء عن علاقة الأول بتجديد ترخيص شركة طيران خاصة يتهم أصحابها بالتسفير لبؤر التوتر والثانية عقب قرارها إلغاء معرض الكتاب. وليست هذه المرة الأولى، التي يقيل فيها الرئيس التونسي عددا من الوزراء، بل سبق وأن أقال محافظ البنك المركزي مروان العباسي، وكذلك عدد من الوزراء في ميادين الاقتصاد والتربية، علاوة على إقالة رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن واستبدالها بأحمد الحشاني.

المنذر ثابت: قيس سعيد له تصورات ومقاييس في تقييم عمل الوزراء
المنذر ثابت: قيس سعيد له تصورات ومقاييس في تقييم عمل الوزراء

وقالت الرئاسة التونسية في بيان، إن سعيد قرر إنهاء مهام ربيع المجيدي وزير النقل (المواصلات)، وتكليف سارة الزنزري وزيرة التجهيز والإسكان، بتسيير وزارة النقل بصفة مؤقتة. كما قرّر إنهاء مهام وزيرة الثقافة التونسية، وتكليف منصف بوكثير وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بتسيير وزارة الثقافة بصفة مؤقتة، وفق المصدر ذاته، ودون ذكر الأسباب.

وتزامنت إقالة وزير النقل مع زيارة غير معلنة أداها الرئيس سعيد إلى مستودع القطارات بجبل جلود ومحطة المترو الخفيف بتونس البحرية أين عاين حالة وسائل النقل وظروف صيانتها. وشدّد سعيد على “ضرورة وضع حدّ للخراب والفساد الذي يشكوه هذا المرفق العمومي الأساسي”، فأكثر العربات مُهملة وتحوّلت إلى ركام من الحديد الذي أصابه الصدأ ولم يعد صالحا للاستعمال في حين يعاني المواطنون من أجل التنقل.

واستعرض سعيد عديد الأمثلة عن الفساد الذي عرفه قطاع النقل منذ عقود من بينها السكة الحديدية للمترو الخفيف التي تم وضعها بعد أن خسرت المجموعة الوطنية آلاف المليارات ثم وقع ردمها في شارع “جان جوريس” وشارع “لوي براي” بتونس العاصمة نتيجة لتدخل المتنفذين آنذاك داخل السلطة، بالإضافة إلى اقتناء عربات مترو تُفتح أبوابها دون مستوى الرصيف داخل المحطات، أو اقتناء عربات عجلاتها لا تتناسب مع مقاييس السكة الحديدية.

وتواجه شركة سيفاكس اتهامات بنقل جهاديين تونسيين للقتال في بؤر التوتر في ليبيا وسوريا خلال العشرية الماضية مقابل الحصول على امتيازات وهو ما نفاه صاحبها محمد فريخة الذي يقبع في السجن منذ سبتمبر الماضي في قضية تتعلق بالتسفير. بينما تأتي إقالة وزيرة الثقافة حياة قطاط بعد أن سبق لها أن ألغت تنظيم معرض الكتاب الذي من المنتظر أن ينعقد في أبريل المقبل ما استدعى الرئيس قيس سعيد للتدخل وإلغاء القرار.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “منهجية العمل لدى الرئيس سعيد، هي الزيارات الميدانية الفجئية، وتفقّد المنشآت، ثم الوقوف على مستوى المردودية في العمل، لكن الإشكال يتعلق بدور رئيس الحكومة وحول حقيقة متابعته لنشاط الوزراء في علاقة بوضع المؤسسات الحكومية والرسمية”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الكل يعلم أنه منذ 2011، العنوان المخصص للتجهيز تقلص لفائدة التصرّف، وهناك إهمال حقيقي لمجال النقل وسوء تصرف في الإدارة”.

وتابع ثابت “الرئيس سعيد يريد أن تبقى صورته الشعبية ناصعة، وأيّ خلل في العمل تتم التضحية بالوزراء ورئيس الحكومة، كما هو الشأن بالنسبة إلى رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن”. وأكد المحلل السياسي أن “الرئيس سعيد له تصورات ومقاييس في تقييم عمل الوزراء، ورئيس الحكومة مطالب بتوضيح البرامج الرئاسية والوقوف على حقيقة أداء الوزراء، وهناك همزة وصل، والقصبة يفترض أن تكون عنصرا للتنسيق المركزي والوظيفي”.

وعلى عكس عدد من الوزراء الذين لم يقدموا نتائج واضحة في مهامهم، نجح وزراء آخرون إلى حدّ ما في أداء مهامهم، وأبرزهم وزير التربية محمد علي البوغديري الذي حسم أزمة الوزارة والنقابات العام الماضي، إلى جانب نبيل عمار وزير الخارجية الذي حسّن من مستوى النشاط الدبلوماسي وخصوصا آليات التفاوض مع الاتحاد الأوروبي في ملفات حارقة مثل الهجرة غير النظامية.

نبيل الرابحي: هناك وزراء ما زالوا يفكرون بطريقة تقليدية في العمل
نبيل الرابحي: هناك وزراء ما زالوا يفكرون بطريقة تقليدية في العمل

وعزز دستور 2022 الذي عرضه الرئيس سعيد على الاستفتاء من صلاحياته بشكل واسع بعد أن أطاح بالبرلمان وباقي المؤسسات الدستورية في 25 يوليو 2021. ويتمتع الرئيس التونسي بصلاحية تعيين وزراء وإقالتهم كما أن الحكومة مسئولة أمامه.

وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن ” دستور 25 يوليو 2022 ينص على أن النظام في تونس رئاسي والحكومة مسؤولة أمام الرئيس، كما أن نجاح الحكومة يعني نجاح الرئيس ونحن الآن في سنة انتخابية”. وأكد لـ”العرب” أن “لا ولاء إلا للوطن، والحكومة تكرس تطلعات الشعب وآماله، وكل مكونات الحكومة يجب أن تضع إمكاناتها لخدمة الفئات الشعبية”. واستطرد قائلا “قيس سعيد يعتمد على الوطنية والكفاءة في العمل، وربما هناك بعض الوزراء ما زالوا يفكرون بطريقة تقليدية في العمل”.

وفي 24 يناير الماضي، عيّن الرئيس التونسي 3 وزراء و3 مساعدي وزراء، لسد الشغور في وزارات تمت إقالة وزرائها العام الماضي. وقد عين سعيد حينها فريال الورغي وزيرة للاقتصاد، وفاطمة ثابت وزيرة للصناعة والمناجم والطاقة، ولطفي ذياب وزيرا للتشغيل والتكوين المهني. وفي 23 من فبراير 2023، أقال سعيّد، وزير التشغيل والتكوين المهني نصرالدين النصيبي، فيما أنهى في 5 مايو من ذات العام مهام وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، دون إبداء أسباب.

كما أقال في 17 أكتوبر 2023، وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، إذ يعتقد أن الإقالة لها علاقة بموقف الوزير المقال من ضرورة تطبيق شروط صندوق النقد الدولي خاصة رفع الدعم للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار وهو ما يتناقض مع مواقف الرئيس الذي حذر من انفجار اجتماعي بسبب الشروط التي وصفها بالمجحفة. كما أعلن سعيد مطلع أغسطس إنهاء مهام رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وتعيين أحمد الحشاني، خلفا لها.

اقرأ أيضا: 

منظمة حقوقية تحذر من تحويل مخيم جنوب تونس إلى منطقة إنزال للمهاجرين

4