الشائعات تحاصر الحكومة المصرية مستفيدة من ضعف تواصلها مع الإعلام

القاهرة– عكس تقرير صدر عن الحكومة المصرية بشأن الشائعات أخيرا حجم إخفاقها وعجزها عن وضع خطة واقعية لإدارة ملف الأخبار المضللة، وهو ما ساهم في زيادة معدلاتها وبلوغها مستويات قياسية، مقارنة بسنوات ماضية.
وأكد التقرير أن العام الماضي شهد نحو 90 ألف شائعة، بنسبة زيادة بلغت 18.8 في المئة عن العام السابق، واستحوذت ملفات الاقتصاد والصحة والتعليم والسلع الغذائية على النسبة الأكبر من الشائعات، دون أن تحدد الحكومة الأسباب التي ضاعفت النسبة إلى هذا الحد.
ولا يزال الإعلام المصري يعاني من ندرة كبيرة في المعلومات وتجاهل أغلب الاستفسارات التي يطرحها الجمهور، ويتمسك مسؤولون كبار في المؤسسات الحكومية بتحديد طريقة وتوقيت الإجابة ومضمونها، ما جعل المنابر عاجزة عن إظهار الحقيقة في ذروة نشاط الشائعة، إذا لم تصدر رواية رسمية لنفيها.
الشائعات تستهدف الدولة وتنطوي على حرب نفسية بامتياز؛ إذ الغاية منها إحباط المواطنين وبث اليأس في نفوسهم
وتتقاطع رغبة الإعلاميين سلبا في حرية تداول المعلومات مع اقتناع الكثير من المسؤولين بأن التعتيم حق مكتسب لهم، بذريعة الحفاظ على الأمن والاستقرار وكي لا توظّف تيارات معاديةٌ نشرَ الحقائق في تأليب الرأي العام، وهو اقتناع خاطئ ساعد على نشر الشائعات بوتيرة مكثفة، وأربك أحيانا الحكومة.
وتنطوي الشائعات التي تستهدف الدولة المصرية على حرب نفسية بامتياز؛ إذ الغاية منها إحباط المواطنين وبث اليأس في نفوسهم، لكن مشكلة الحكومة تكمن في أنها تتعاطى مع الأزمة باستخفاف ودون تعويل على الإعلام لمواجهتها، حتى تضاعفت الأعباء الملقاة على عاتق النظام الحاكم.
واعتادت جماعة الإخوان والآلة الإعلامية التابعة لها، من قنوات فضائية ومواقع إلكترونية وحسابات خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، استثمار الآلية العقيمة التي يتعامل بها الإعلام المصري مع الشائعات، لتأليب الرأي العام ضد السلطة بسبب العجز الرسمي عن تفنيد ما يذاع ويبث ويكتب وتحويله إلى ما يشبه ثوابت أو حقائق قاطعة.
ويرى خبراء أن الجهات الحكومية تتحمل الجزء الأكبر من فوضى المعلومات المغلوطة التي أصبحت تضرب العديد من وسائل الإعلام، ومشكلة بعض الصحف والمواقع أنها تنشر أخبارا بلا تحقق، وتركز أحيانا على محركات البحث في شبكة الإنترنت وتستغل الأحداث الهامة لجذب الجمهور بمعلومات غير دقيقة.
وتتلخص أزمة الإعلام مع الحكومة في أن الأخيرة تسعى للقيام بدوره وتحجّم الاعتماد عليه كمصدر للمعلومة أو نفي الشائعة، وخصصت منصة تابعة لمجلس الوزراء لنشر البيانات الرسمية حول ملفات متباينة لتحصل وسائل الإعلام على المعلومة من خلال المنصة دون سؤالها عن شيء آخر.
ويداوم المركز الإعلامي للحكومة على إنتاج مقاطع فيديو وتوزيعها على الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية، تحتوي على بيانات ترتبط بالرد على المعلومات المضللة والشائعات وتقديم ردود حولها من الوزارات والجهات التي طالتها أكاذيب، لكن ذلك يأتي متأخرا وبلا تجاوب سريع مع الإعلام.
ويسهل ما تشكو منه الحكومة من انتشار حاد للشائعات دحضه إذا تم توجيه الوزراء وكبار المسؤولين بالتفاعل مع وسائل الإعلام المختلفة، لكنهم يبدون مرتاحين للشكل الحالي الذي يعفيهم من تحمل عواقب ما يمكن أن يقدموا عليه من ردود ربما تسبب لهم حرجا سياسيا أمام بعض الجهات.
وتقول دوائر حكومية إن الانفتاح المعلوماتي المطلق مع الإعلام خطأ، وهناك حقائق لا يصح نشرها إلا في توقيتات محددة حتى لا تتسبب في إثارة الشارع، كما أن بعض وسائل الإعلام غير موثوق في مهنيتها عند تقديم المعلومات بالطريقة التي تريدها الحكومة، أو لديها حنكة النشر بحسابات دقيقة.
وتتعامل الحكومة والإعلام مع الرد على الشائعة بشكل بدائي وكأن الخلفيات من الأسرار الخطيرة التي تستوجب عدم ذكر معلومات تفصيلية، وهو ما يظهر في أسلوب النفي عبر الاكتفاء بالتكذيب دون توضيح المزيد، ما يجعل الجمهور يصدق الشائعة.
وتضاعفت الضغوط على الحكومة مع تحول شبكات التواصل الاجتماعي إلى إعلام بديل عن المنابر التقليدية، ويستقي منها الكثيرون معلوماتهم دون القدرة على التفرقة بين الحقيقة والشائعة، وهي معضلة عجزت بعض وسائل الإعلام عن إيجاد حل لها، في ظل القيود المفروضة من الهيئات المنظمة للمشهد.
اقرأ أيضا:
ولا تزال بعض المنابر التقليدية تتعاطى معها كأنها مصادر أخبار تجلب المزيد من المشاهدات، مع أن وسائل الإعلام المطبوعة والرقمية والمرئية لو تجاهلتها تماما لما ازدادت الخطورة، مع وجود حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي اعتادت خرق كل ما له علاقة بالمعايير المهنية ووصل محتواها إلى شريحة واسعة من الجمهور.
ويتفق البعض من الخبراء على أن قيادة مواقع التواصل لبعض وسائل الإعلام عمّقت الفوضى في المشهد، لأن الصحف والقنوات دورها تنويري ومن الخطر أن ينزلق بعضها إلى عدم المهنية والمشاركة في اتساع الشائعات بدلا من دحضها منذ البدايات.
وقال الأكاديمي والخبير الإعلامي محمد شومان لـ”العرب” إن “أزمة الشائعات في مصر مركبة، ومنها ما يتعلق بتقليدية الروايات الرسمية، وأخرى مرتبطة بعدم رجوع بعض وسائل الإعلام إلى الجهات الحكومية للحصول على الحقيقة، وثالثة تخص شح المعلومات المقدمة للإعلام، وبالتالي فالمسؤولية تشاركية”.
وأضاف أن “دور الإعلام أكبر من مجاراة منصات تتهافت على أي معلومة، والتوعية الإعلامية للقضاء على الشائعات تتطلب وجود مصداقية وتوافر المعلومات وقوة التأثير والقدرة على الإقناع، وكلها أدوات تحتاج إلى تفعيل حقيقي كي يُتاح للإعلام تحقيق انتصار معنوي في معركة الوعي”.
ولفت شومان إلى أن “إنشاء حائط صد مجتمعي في مواجهة الشائعات والأكاذيب مهمة الإعلام المستنير، لكن نقص المعلومة يعرقل تلك المهمة، فجزء من الوعي يتأسس على كشف الحقيقة، ولا يجب أن يظل الإعلام رد فعل بل يجب أن يبادر بتوضيح الصورة كاملة وبشكل فوري”.
ويصعب نجاح الإعلام في المهمة ما لم يقم كل مسؤول من موقعه بالتواصل المفتوح مع الإعلام لمصارحة الشارع، بحيث يكون هناك قدر كبير من المكاشفة والمصارحة، فغياب التحقق من المعلومات في بعض وسائل الإعلام إشكالية مسيئة لسمعة المهنة؛ حيث صارت في منافسة غير نزيهة مع شبكات التواصل الاجتماعي، وفي تسابق على نشر الشائعات.
وتؤكد شواهد عديدة أن تقاعس المسؤولين عن المكاشفة الإعلامية في القضايا التي تشغل الرأي العام، رغم امتلاكهم أدوات كسب المعركة، يكبد الحكومة خسائر سياسية عندما يجد خصوم النظام هدايا مجانية ما كانوا ليحصلوا عليها لولا غياب الحقيقة.