شباب الأحزاب يتدخلون في أزمة الصحف المصرية لإنقاذها

تحفظ على تراجع دور الصحف واتساع رقعة الجهل بطبيعة التحديات.
الأربعاء 2024/03/06
ترميم علاقة

ارتفع سقف طموحات العاملين في المؤسسات الصحفية المصرية الحكومية باقتراب حدوث تغييرات واسعة داخلها بعد أن دخلت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وهي تكتل حزبي قريب من السلطة، على خط الأزمات التي تعصف بتلك المؤسسات وتراجع دورها، وسط تحديات خارجية عصيبة تواجهها الدولة.

القاهرة - عقدت تنسيقية شباب الأحزاب أربع ورش عمل واجتماعات مكثفة الأيام الماضية، بحضور ممثلين عن المؤسسات الصحفية المختلفة، وخبراء ومتخصصين، وشباب يعملون في المهنة، وقيادات من الهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلى للإعلام، لوضع النقاط على الحروف بشأن الصعوبات التي تعيق عمل الصحف بالطريقة المهنية، وتحديد المطلوب اتخاذه على نحو عاجل كي تستعيد الصحافة مكانتها.

وتزامنت اجتماعات ما يوصف بـ”إنقاذ الصحف المصرية من الاندثار” مع قرب انتهاء ولاية رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف القومية في مارس الجاري، بعد تجديد لهم لثلاثة أشهر منذ يناير الماضي، وسط توقعات أن يشمل التغيير المنتظر غالبية الوجوه الحالية، لتملك الدولة قيادات تستطيع التعامل مع الأوضاع الراهنة.

وأبدى مشاركون في الجلسات النقاشية تحفظهم على تراجع دور الصحف، مقابل اتساع رقعة الجهل بطبيعة التحديات وعدم نقل الصورة كاملة للجمهور ولجوئه إلى منابر بديلة، وما سببه ذلك من أزمات مضاعفة ومعلومات مضللة، ما يستدعي تبني خطة لتقوية الصحف ليصبح دورها ملموسا.

ونوقشت قضية محورية مرتبطة بطبيعة دور الصحف القومية المملوكة للحكومة بغرض تحديد هويتها: هل يفترض أن تعكس صورة الحكومة بما أنها مملوكة للدولة، أم تتحدث بلسان المواطن حيث تمول من جيوب دافعي الضرائب؟ وهي إشكالية لم تُحسم بعد، إذ تمسك مسؤولو الصحف بدعم الحكومة دون التفات كبير لصوت الشارع.

حسن علي: تقديم الصحافة محتوى مهنيا وموضوعيا يوازن بين الحكومة ونبض الشارع مهمة سهلة
حسن علي: تقديم الصحافة محتوى مهنيا وموضوعيا يوازن بين الحكومة ونبض الشارع مهمة سهلة

وتطرقت النقاشات إلى أن الصحف أصبحت في حاجة إلى تشريعات عصرية تتواكب مع الأجواء الحالية، وأهمها تعديل قانون نقابة الصحافيين، وإصدار تشريع عاجل لحرية تداول المعلومات، والإفصاح عن البيانات والإحصاءات وإتاحتها للمواطنين بشفافية، مع التوسع في رقمنة الصحافة لمواجهة تضخم دور شبكات التواصل الاجتماعي.

ولدى عدد كبير من العاملين في الصحافة شعور متصاعد بأن أيّ تغيير إيجابي في أحوالها لن يتحقق قبل إقصاء الوجوه المسؤولة عن إدارة المنظومة، لأنهم يجملّون الصورة بما يخالف الحقيقة، ولا يعترفون بوجود أزمة، في محاولة لإقناع الدوائر الرسمية أنهم نجحوا في المهمة، والإيحاء بأن الواقع أفضل، ما يكرس بقاء المشكلات.

وقال رئيس الهيئة الوطنية للصحافة عبدالصادق الشوربجي، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة وتنظيم الصحف الحكومية، خلال ورش عمل تنسيقية شباب الأحزاب، إن “معدل توزيع الصحف أصبح أكثر من الماضي، وزاد عدد القراء بشكل أكبر”، في تناقض فاضح لما تعيشه الصحافة من أزمات مرتبطة بأنها متحدثة بلسان الحكومة.

وتتناقض سياسة الصحف الحكومية مع رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي طالب وسائل الإعلام بمناقشة المشكلات بعمق وتحليل مفصل عبر وجهات نظر مختلفة وعدم الترويج لرؤية واحدة، لكن المعضلة تتعلق بجهات تنتقي وجوها لا تحقق رغبة مؤسسة الرئاسة، حيث تميل هذه الجهات لاختيار من تضمن ولاءه لها فقط.

واتفق الكيان البرلماني لتنسيقية الأحزاب والسياسيين مع خبراء المهنة والمتخصصين على حتمية انتقاء عناصر وكوارد تتولى مسؤولية القيادة الفترة المقبلة، في توجه يعكس التغير في نظرة الحكومة تجاه من يفترض فيهم التصعيد إلى الصف الأول، هل أهل الثقة أم الكفاءة، وهي أزمة أبدية أفضت لاتساع الهوة بين الحكومة والشارع.

وتحتضن المؤسسات الصحفية المصرية كوادر شبابية وخبرات قادرة على إحداث التغيير المنشود، لكنها مكبلة بدعوى أن البلاد تواجه أزمات تفرض رسم المزيد من الخطوط الحمراء دون إدراك أن انتشار الجهل السياسي يتحمله الإعلام أولا، حيث يغوص في قضايا مهمة بصورة سطحية.

ويُجمع خبراء في الإعلام على أن الصحافة المصرية قادرة على التعافي بسهولة إذا أُحسن توظيف الإمكانيات والأدوات، ووقف حجج البعض بتبعيتهم لجهات حكومية، فهذه ميزة يمكن الاستفادة منها، شريطة أن تتحلى بمصداقية عالية وإدارة محترفة تقدم للشارع ما يريده، ووقتها لن تحتاج الحكومة إلى من يدافعون عنها طوال الوقت.

التحرك الذي تقوم به تنسيقية شباب الأحزاب لتشريح أزمات الصحافة، ينطوي على رغبة رسمية لإصلاح حال الإعلام

وما يمهد لتغيرات إيجابية محتملة أن نواب التنسيقية توافقوا على أن غياب المعلومات يصعب استمراره، فقد تسبب في مشاكل معقدة للدولة، في مؤشر على عدم ممانعة السلطة إقرار قانون حرية المعلومات، في ظل وجود إرادة سياسية لتحقيق ذلك، فالتهديدات المرتبطة بتبعات الحريات المطلقة اختفت، واستقرت الدولة سياسيا.

ودفعت وسائل الإعلام في مصر فاتورة باهظة أمام ندرة المعلومات التي تقدمها للجمهور، وعدم رد المسؤولين على استفسارات الناس، وبدت عاجزة عن توضيح تصورات الدولة في بعض القضايا الحيوية، بالتزامن مع اصطفاف مفتعل خلف الحكومة، ما جعلها في نظر الناس بلا قيمة حقيقية.

ويرى مراقبون أن التحرك الذي تقوم به تنسيقية شباب الأحزاب لتشريح أزمات الصحافة، ينطوي على رغبة رسمية لإصلاح حال الإعلام، حيث تتحرك هذه الجهات بعد تلقيها ضوءا أخضر ممن بيدهم الأمر، وهو ما يمثل بداية الإصلاح، في ظل شعور داخل السلطة بأهمية أن تستثمر الإعلام كسلاح قوي، وتسريع خطوات ترميم العلاقة مع الجمهور، الأمر الذي يتطلب رؤية ناصعة وتغييرات واسعة وجذرية للمشهد الإعلامي، والذي يمكن أن يسهم بدور فعال في معركة البناء التي تخوضها الدولة.

وقال حسن علي أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة السويس (شرق القاهرة) أن تقديم الصحافة محتوى مهنيا وموضوعيا يوازن بين الحكومة ونبض الشارع مهمة سهلة، عندما تتوافر الكوادر التي تفهم أصول المهنة، وهؤلاء كُثر في مصر، لكن المهم تركهم يتعاملون بأريحية دون تدخلات، والاقتناع بأن الترويج لوجهة نظر واحدة لن يخدم الحكومة أو الصحافة، ولن يرضي الشارع المستقبل للرسالة.

وأضاف لـ”العرب” أن الجمهور المصري لا يحتاج إلى معجزات من الإعلام، بقدر ما يبحث عن المعلومات الصادقة، ويجد رأيه وصوته ومشكلته أمام صانع القرار بلا عراقيل أو مطبات مهنية، وهذا يحتاج كوادر توازن بين الـ”مع” والـ”ضد” بشكل احترافي، وهو دور الإعلام، وبعيدا عن ذلك سوف يصبح الكل خاسرا، فضلا عن أن التحديات الكبيرة الحالية تستدعي تقوية دور الإعلام.

فالواضح أن ثمة رؤية حقيقية داخل الحكومة تدعم عملية تغيير الواقع الإعلامي كبداية للتقارب مع الشارع عبر التمهيد لتصعيد كوادر مهنية لديها خبرة وقادرة على إحداث التوازن بين الممنوح والممنوع، وتشريح الأزمات بموضوعية، والاستقرار على الحلول العملية، وعلى رأسها انتقاء الكفاءات والكف عن الاعتماد فقط على أهل الثقة.

5