حوادث المرور في تونس تحصد الأرواح يوميّا

تونس - لا تزال تونس تعاني من تزايد حوادث الطرقات القاتلة، وسط إجماع على فكرة أن البنية التحتية المهترئة، ومن ضمنها وضعية الطرقات المتردية، ليست وحدها سببا مباشرا؛ فهناك أسباب أخرى مثل الإفراط في السرعة والمجاوزة الممنوعة وضعف الردع. وعلى الرغم من تعالي الأصوات المحذرة من تفاقم الظاهرة التي تتسبب في خسائر بشرية ومادية فادحة، إلا أن جانب التوعية والتحسيس بمخاطرها لا يكفي لتقليص ما بات يسمى في تونس “إرهاب الطريق”.
وتسجل تونس سنويا نحو ألف قتيل جراء حوادث المرور، وهو ما دفع الكثير من المنظمات والجمعيات إلى إطلاق حملات توعويّة للحد من الممارسات التي تقود إلى تسجيل هذا الرقم المفزع. وتؤكد آخر أرقام المرصد الوطني لسلامة المرور أن البلاد سجلت منذ بداية العام الجاري 571 حادثا مروريا، ما أسفر عن سقوط أكثر من 163 قتيلا وجرح 825 شخصا.
وقال النائب في البرلمان عبدالحليم بوسمة، ضمن تدوينة على صفحته الرسمية في فيسبوك، “يتواصل إرهاب الطرقات في حصد الأرواح يوميا على طرقاتنا في ظل فشل ذريع في التعاطي مع الظاهرة”. وأضاف "حجم الخسائر المادية لحوادث المرور تقدر بحوالي 1 في المئة من إجمالي الناتج الخام سنويا، وتحتل تونس المراتب الأولى عالميا من حيث نسب حوادث الطرقات".
وكشفت أرقام المرصد الوطني لسلامة المرور بتونس في موفى عام 2023 عن تصدر ولاية (محافظة) تونس العاصمة قائمة الولايات المسجلة لأكبر عدد من حوادث المرور بـ875 حادثا، خلّفت 100 قتيل و1114 جريحا، تلتها ولاية المهدية (شرق) بـ446 حادث مرور، خلفت 53 قتيلا و599 جريحا، فيما سجلت ولاية قبلي (جنوب) أقل عدد من حوادث الطرقات بـ42 حادثا، خلفت 9 قتلى و61 جريحا.
وفي وقت سابق قال الرئيس التونسي قيس سعيد في اجتماع مجلس الأمن القومي إن بلاده تتصدر مراتب متقدمة في عدد حوادث المرور بسبب ثقافة مجتمعية سائدة لدى مستعملي الطريق تتسم بعدم احترام الفضاء العام. وصارت الظاهرة تثير التساؤل عن مدى احترام مستخدمي الطريق للقانون المنظم للطرقات، في وقت يتزايد فيه الإقبال على شراء السيارات والدراجات النارية في مختلف أنحاء البلاد.
وأفاد حكيم الجلاصي، مكوّن تربية مرورية ومندوب محلي للجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات، بأنه “تم تسجيل 165 حالة وفاة بسبب حوادث الطرقات في الفترة الممتدة بين 1 يناير و21 فبراير 2024، ما يعني تسجيل ما بين 3 و4 وفيات يوميا وحوالي ألف حالة وفاة سنويا”، لافتا إلى أنه “على المستوى العالمي هناك قرابة 50 مليون متضرر سنويا، في حين يبلغ عدد الوفيات قرابة مليون و400 ألف وفاة في السنة”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “تزايد حوادث الطرقات في تونس يعود أساسا إلى السرعة وقلة الانتباه والسهو، فضلا عن عدم تطبيق القانون بالنسبة إلى مستخدمي الطرقات”، مشيرا إلى أن “البنية التحتية للطرقات ضعيفة وفيها عدة إخلالات، حيث تحتل تونس المرتبة 136 من مجموع 195 طريقا عالمية، وهي مرتبة متأخرة”. وأضاف الجلاصي “على الرغم من إعلان إجراءات جديدة بخصوص سائقي الدراجات النارية التي أصبحت تخضع لامتحان ضروري، إلا أنه إلى حد الآن لم نسجل تراجعا في نسبة الحوادث”.
وحسب الجلاصي “يعتبر السهو وقلة الانتباه السبب الأول لحوادث المرور في تونس بنسبة 41 في المئة، يليه عدم احترام الأولوية بـ8 في المئة، ثم قطع الطريق دون انتباه بنسبة 6 في المئة، وتغيير الاتجاه المفاجئ بـ3 في المئة، وعدم احترام علامة قف بنسبة 2 في المئة”.
ويرى مراقبون أن وضعية الطرقات التونسية تعتبر من بين الأخطر في العالم حيث تحتل الطرقات الجهوية والمحلية التونسية المرتبة 138 من حيث الخطورة، من جملة 180 دولة، بينما تحتل الطرقات السيارة المرتبة 96 من إجمالي 138 دولة ضمن التصنيف العالمي، كما أن 52 في المئة من العربات المتجولة في البلاد يتجاوز عمرها 15 سنة.
◙ الظاهرة تثير التساؤل عن مدى احترام مستخدمي الطريق للقانون المنظم للطرقات في وقت يتزايد فيه الإقبال على شراء السيارات والدراجات النارية
وفي وقت سابق أظهرت دراسة أعدها المرصد الوطني لسلامة المرور، بالتعاون مع وزارة الصّحة، أنّ نسبة السائقين الذين لا يحترمون السرعة المحدّدة بلغت 40 في المئة، وأنّ نحو 48 في المئة منهم لا يرتدون أحزمة الأمان أثناء القيادة. وأكد العميد شمس الدين عدواني، رئيس الإدارة الفرعية لمصلحة الاتصال بالمرصد الوطني لسلامة المرور، أن “أسباب حوادث المرور في تونس متعددة”، مستدركا أنه “بالمقارنة مع العام الماضي سجلنا تراجعا في الفترة الحالية، حيث انخفض عدد القتلى جراء الحوادث بـ21 قتيلا”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “اشتغلنا على الإستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية وعدد من الوزارات على غرار وزارتيْ الصحة والنقل، كما نشتغل بالشراكة مع المجتمع المدني في الملف الذي يحتاج إلى مقاربة شاملة تمس عدة عناصر”. ولفت إلى أن “أغلب الحوادث المرورية تحدث في إقليم تونس الكبرى (العاصمة تونس ومحافظات منوبة وأريانة وبن عروس)، وعندما يزيد نسق الحركة المرورية يرتفع عدد الحوادث”.
وأوضح أنه “ليس دائما تكون الحالة السيئة للطريق سببا مباشرا في وقوع الحوادث، حيث يمكن أن تجد طريقا تحدد فيه السرعة بـ50 كيلومترا في الساعة، لكن السائق يتجاوز فيه سرعة الـ110 كيلومترات في الساعة”، مشددا على أن “المرصد يشتغل كثيرا على الجانب التوعوي بهدف تقليص نسبة الحوادث المسجلة إلى 10 في المئة خلال السنوات الخمس القادمة، ويتطلع إلى تقليصها إلى نسبة 50 في المئة بحلول عام 2034”.
وتؤكد الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات مرارا على ضرورة مراجعة التشريعات التي تنظم حركة المرور للحدّ من تزايد عدد الحوادث التي تحصد الآلاف من الضحايا سنويا، ومعاقبة المتسببين فيها.