الملف الرياضي الشائك في تونس على طاولة قيس سعيد

التداخل بين الرياضي والسياسي وازدواجية الخطاب يعمقان الأزمة.
الجمعة 2024/02/23
الرئيس التونسي يؤكد على ضرورة تسريع إعادة بناء الملعب الأولمبي بالمنزه

تونس - مثل التداخل بين المجالين السياسي والرياضي، بالإضافة إلى توظيف المنصب الرياضي في العمل الحزبي ما سمح بتفشي ممارسات الفساد، أبرز أسباب تراجع مستوى الرياضة في تونس خلال العشرية الماضية، وهو ما دفع الرئيس قيس سعيد إلى فتح هذا الملف الشائك.

وسارعت بعض التشكيلات السياسية والوجوه الحزبية المعروفة إلى استغلال مناصبها في الجمعيات الرياضية ووظفتها سياسيا، مستندة في ذلك إلى القاعدة الجماهيرية كخزان انتخابي وسياسي في الشارع.   

وأيقن بعض السياسيين أن الانخراط في جمعية رياضية وتسييرها هما أقصر طريق للوصول إلى “كراسي” السياسة، فاستثمروا في النوادي ووظفوا شغف الجماهير بنواديها في مآرب سياسية، وسرعان ما استخدموا ذلك في حماية مصالحهم الشخصية وفي المحطات الانتخابية التشريعية والجهوية.

وظلّ الملف الرياضي الذي يكتسي “أبعادا سياسية” بعد 2011 من الملفات المسكوت عنها، ولم تتجرأ الحكومات المتعاقبة على فتحه بالكيفية المطلوبة، رغم تعدد المؤشرات المنذرة باندلاع أزمة في القطاع.

ويبدو أن الرئيس التونسي ماض في فتح الملف الشائك مثل سابقيه على غرار غلاء الأسعار والاحتكار والمضاربة في المواد الغذائية، فضلا عن التمويل الأجنبي والصلح الجزائي والأموال المنهوبة وغيرها.

فتحي المولدي: الرئيس بدأ يستمع للشارع واستجاب أخيرا للنظر في عدة مطالب
فتحي المولدي: الرئيس بدأ يستمع للشارع واستجاب أخيرا للنظر في عدة مطالب

وحسم القانون الانتخابي الذي أقره الرئيس سعيد الجدل حول الجمع بين تولي منصب رئاسة جمعية أو هيكل أو هيئة رياضية، وعضوية البرلمان، ما أعاد إلى الواجهة قضية التداخل بين السياسة والرياضة.

وقال قيس سعيّد الثلاثاء إن “الشعارات الرياضية تحتاج إلى دراسة في جامعة العلوم السياسية فهناك جماهير كانت تصف فريقها بـ’الدولة’ فيتم الردّ عليها من الفريق المنافس بـ’يا رشوة’، ما يعني أن الدولة تساوي الرشوة”.

وأضاف خلال لقاء جمعه برئيس الحكومة أحمد الحشاني في القصبة أن “الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من يحاولون العبث بمقدرات الدولة سواء في الثقافة أو الرياضة أو غيرهما من الميادين. وأنّى لهم أن يعودوا إلى مواقعهم كما يرغبون أو كما يرتبون له حتى من وراء القضبان”.

وأكّد قيس سعيّد أنَّ «الحرب ضد الفساد يجب أن تتواصل في جميع القطاعات دون استثناء، ومن بينها القطاع الرياضي الذي مازال البعض يسعى إلى السَّيطرة عليه بشتَّى الوسائل والسّبل”، لافتا إلى أنهم “ينظمون انتخابات هي في ظاهرها اختيار حرّ ولكن في حقيقتها ترتيب مسْبق وتحالف مقنَّع بين المفسدين الذين مازالوا يعتقدون أن الشَّعب التّونسى غافل عما يرتّبون”.

وتابع الرئيس التونسي “لا نريد أن تتكرر مثل هذه التصرفات أو أن نسمح بالتحكّم في هذا القطاع الذي نخره الفساد كما نخر العديد من القطاعات الأخرى وعلى مسؤولي الدولة التفطّن لذلك وألّا ينخرطوا في هذه الترتيبات التي أصبحت معلومة للجميع”.

وخلفت النتائج “المحتشمة” للمنتخب التونسي في الفترة الأخيرة غضبا شعبيا، وسط دعوات إلى تغيير المشرفين على الاتحاد التونسي لكرة القدم ومراجعة عدة جوانب تتعلق بالمنتخب المحلي، علاوة على محاسبة المتجاوزين ومن أخلوا بأداء أدوارهم.

وقال المحامي والناقد الرياضي فتحي المولدي إن “التداخل بين السياسي والرياضي ظاهرة عالمية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) انحاز سياسيا إلى أوكرانيا في الحرب الروسية – الأوكرانية ووصل إلى منع النوادي الروسية من المشاركة في التظاهرات”.

بعض السياسيين أيقنوا أن الانخراط في جمعية رياضية وتسييرها هما أقصر طريق للوصول إلى “كراسي” السياسة

وأضاف لـ”العرب” أنه “تم توظيف السياسة في المجال الرياضي وهذه حقيقة لا يمكن إخفاؤها، ونتذكر كيف أن رجل الأعمال ورئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي دخل عالم السياسة من بوابة فريق النادي الأفريقي وتحصل حزبه على 17 مقعدا في البرلمان، كما كانت النوادي الرياضية هي الوسيلة التي تحقق الانتشار سياسيا”.

وتابع المولدي “الملاعب التونسية كانت الشرارة الأولى لغضب الشارع واندلاع ثورة يناير 2011، حيث رفعت الكثير من الشعارات الرياضية بصبغة سياسية”، لافتا إلى أن “الرئيس سعيد بدأ يستمع للشارع واستجاب أخيرا للنظر في عدة مطالب، وما يحسب له إعادة فتح ملعب الشادلي زويتن (وسط العاصمة)، والزيارة التي قام بها إلى الملعب الأولمبي بالمنزه ومسبح البلفدير، وهذه ملفات لا تقل فسادا عن ممارسات الاحتكار والمضاربة في السلع”.

 والأسبوع الماضي أكد الرئيس التونسي خلال زيارته إلى المسبح البلدي في ساحة باستور بالعاصمة تونس على ضرورة الإسراع في إعادة تهيئة هذه المنشأة الرياضية في أقرب الآجال تحت إشراف الهندسة العسكرية.

وقال الرئيس سعيد “المسبح البلدي بساحة باستور يعتبر أول مسبح في تونس وأحد أهم المعالم الرياضية وقد كان سابقا يحتضن العديد من المسابقات لذلك تتعين إعادة تهيئة جميع مكوناته بنفس شكله السابق دون أي تغيير”.

وفقد التنافس الرياضي جوهره الخاص بعد أن أضحى “مرتعا” لكل الفئات التي تسعى من خلاله لتحقيق مصالحها الضيّقة جهويا ووطنيا، فضلا عن كونه جسرا سهل العبور نحو تلميع الشعبية السياسية والحزبية.

خليفة الشيباني: كثيرون من اشتغلوا في الميدان الرياضي للتقرب من السلطة
خليفة الشيباني: كثيرون من اشتغلوا في الميدان الرياضي للتقرب من السلطة

ويؤكد مراقبون على وجود ارتباط وثيق بين العنف الممارس في الملاعب الرياضية وتجاذبات المشهد السياسي، خصوصا بعد قرارات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021 والترتيبات الجديدة في الساحة.

كما بلغت الرياضة في تونس مرحلة بات فيها الفساد والتلاعب بالنتائج وغياب الروح الرياضية أمرا منتشرا، ليكون العنف انعكاسا لما يحصل في المجتمع.

وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “كل الملفات أصبحت قضايا أمن قومي، والرئيس سعيد كانت له الجرأة لفتح تلك الملفات، كما أن الرياضة تعتبر أحد مكونات الأمن القومي”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “المنظومة الرياضية وصلت إلى نهايتها، وانتخابات الاتحاد التونسي  لكرة القدم هي عملية تحيّل كامل. الرياضة التونسية في حالة موت سريري، والنتائج السلبية للمنتخب في بطولة كأس أفريقيا الأخيرة آخر مرحلة في تمظهرات تراجع الرياضة”، لافتا إلى أن “اتحاد كرة القدم فتحت فيه عناوين فساد ومحاسبة، وهناك تداخل كبير بين الرياضي والسياسي، وكثيرون من اشتغلوا في الميدان الرياضي للتقرب من السلطة، وبعد 2011 هناك من قاد جمعية رياضية ولا يفقه شيئا في دواليب التسيير الرياضي، ما أنتج تكالبا حزبيا، كما أن الرياضة مثلت أكبر خزان انتخابي للأحزاب السياسية”.

وقال الشيباني “أصبح السياسيون يعلنون عن انتمائهم الرياضي، وحتى رئيس الاتحاد وديع الجريء ساند حزب تحيا تونس الذي كان يقوده رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، وكان الطابع الجهوي يحكم الرياضة ثم دخلت الألوان السياسية التي أنتجت تناحرا سياسيا”.

ودعا خليفة الشيباني إلى “ضرورة المحاسبة”، مضيفا أن “الانتخابات اليوم تسوق لنفس ما حدث في الانتقال الديمقراطي في البلاد بعد 2011، وأصبحت أحد أوجه الأزمات في الرياضة التونسية، وبالتالي وجب تحرير الرياضة من الفساد، وهي أعمق من الانتخابات، فضلا عن ضرورة القيام بتدقيق في أموال الجامعة (60 مليون دينار)، (19.19 مليون دولار)”.

واستطرد قائلا “أدعو الرئيس سعيد إلى التدخل وإيقاف مهزلة انتخابات اتحاد كرة القدم، ومن الواضح عدم رضا الرئيس، لأنها انتخابات تشبه تلك التي تعلقت بمجلس النواب قبل 25 يوليو 2021”.

وفي وقت سابق شدّد الرئيس التونسي على النأي بالرياضة عن كل التجاذبات، مؤكّدا على “ضرورة ألّا تتخفى وراء الجمعيات الرياضية جماعات ضغط ترمي إلى تحقيق مصالح شخصية أو إلى تأجيج الأوضاع وضرب السلم الأهلية لغايات يعلمها الجميع”.

وأضاف قيس سعيّد “يريدون أرباحا مالية وسياسية ويشجعون على الاستثمار في الدم، إذا تحولت المقابلات إلى تصفية حسابات بين مجموعة من اللوبيات فإن ذلك لم يعد رياضة، ما حدث ليس بريئا وليس طبيعيا”.

4