زواج كبار السن موصوم في مصر مهما كانت مبرراته

التربية الخاطئة كرست ثقافة العيب تجاه الزواج في سن متقدمة.
الثلاثاء 2024/02/20
محمود عامر وعروسه

ترفض شريحة كبيرة في المجتمع المصري زواج كبار السن، خاصة إذا كان فارق السن بين الشريكين كبيرا، وتعتقد أن مثل هذه العلاقات يصعب استمرارها. ويرى متخصصون في العلاقات الزوجية أن فارق السن في أيّ علاقة نقطة محورية يمكن البناء عليها، سلبا أو إيجابا، ويشيرون إلى أن إقناع المجتمع بأحقية كبار السن في الزواج يتوقف على نظرة كل جيل لقيمة العلاقة الزوجية.

القاهرة - عكست ردود الفعل العنيفة في مصر تجاه واقعة زواج الفنان محمود عامر (69 عاما) من فتاة تصغره بأربعين عاما طريقة تعامل شريحة كبيرة في المجتمع مع زواج كبار السن، فحواها الرفض الواسع وعدم قبول مبرراته، خاصة إذا كان فارق السن بين الشريكين شاسعا، والاعتقاد بأن مثل هذه العلاقة يصعب استمرارها.

وتعرض عامر لموجة سخرية وتهكم تجاوزت حدود النقاش حول الفكرة ذاتها وتقديم تفسيرات لرفض أو تأييد الزواج في سن متقدمة، وبلغ الأمر حد اتهامه بالبحث عن متعة لأنه تزوج من فتاة يفترض أنها في سن بناته، وفارق السن لا يتم تعويضه بالمشاعر فقط، وأنه بذلك ظلم الفتاة.

ونشر الفنان المصري الذي شغل منصب عضو مجلس نقابة المهن التمثيلية سابقا بعضا من مقاطع الفيديو التي كان يعبر فيها عن سعادته بهذا الزواج، وكان يرقص ويغني ويتغزل بعروسه، وعلّق بالقول “الحمد لله.. عوض وترتيب ربنا فوق ما نتخيل.. فعلا الحب مفتاح الفرج” على طريقة “الصبر مفتاح الفرج”.

وعقب موجة من التعليقات رد عامر على منتقدي زواجه، واصفا المعارضين بأنهم “مرضى نفسيون”، وأنه لم يرتكب الفاحشة بل تزوج بشكل قانوني وشرعي، واعتبر أن المهاجمين في حاجة إلى العلاج.

وظهرت العروس سعيدة بهذا الارتباط وتزوجته عن قناعة وربما علاقة عاطفية، وهي نقطة يراها كثيرون مفصلية في العلاقة بين طرفين بينهم فارقُ عمر كبير.

علاء الغندور: كبار السن يدفعون ثمنا باهظا بسبب غياب الفهم الصحيح لمؤسسة الزواج
علاء الغندور: كبار السن يدفعون ثمنا باهظا بسبب غياب الفهم الصحيح لمؤسسة الزواج

وغاب عن الكثير من رافضي زواج كبار السن، سواء أكانت علاقاتهم قد نشأت مع أشخاص يتقاربون معهم في العمر أم لا، أن لكل شخص الحق في اختيار شريك يعيش معه حياته، المهم أنه يتمتع بمواصفات يبحث عنها الراغب في الزواج، ويراها مناسبة لنمط حياته وسلوكياته ومتطلباته النفسية والمعيشية.

وطرحت واقعة الفنان محمود عامر تساؤلات ترتبط بمدى تأثير فارق العمر بين الزوجين على العلاقة مستقبلا، ولماذا تنبأ كثيرون بانتهاء صلاحيتها في أقرب وقت، حتى لو تأسست على الحب والتفاهم والرغبة في العيش معا، دون الاعتراف بالسن.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الزوجية أن فارق السن في أي علاقة زوجية نقطة محورية يمكن البناء عليها، سلبا أو إيجابا، وتوقع ما هو قادم بشأن تلك العلاقة، فزيادة الهوة العمرية بين الطرفين تؤثر على مدى التوافق حول الكثير من الأمور الشخصية والحياتية، لأن متطلباتهما ليست واحدة.

إذا كان فارق السن بين الزوجين منخفضا ويتراوح بين العام والعامين مثلا فسوف يكون بينهما الكثير من العناد وعدم التفاهم والوقوف على أبسط الأشياء للاختلاف، وإذا ما تجاوز الفارق العمري بينهما الحدود المتعارف عليها في المجتمع، فإن متطلباتهما تختلف بشكل جذري، ما يكرس غياب التوافق وتهديد استمرار العلاقة.

ويشير المتخصصون إلى أن إقناع المجتمع بأحقية كبار السن في بناء علاقة جديدة يتوقف على نظرة كل جيل إلى قيمة العلاقة الزوجية وما يجب أن تكون عليه.

وهناك أجداد مقتنعون بأن الرجل يصعب عليه العيش من دون امرأة، في حين ينظر الجيل الأوسط إلى تلك العلاقة على أنها عملية تشاركية لا أكثر، بينما تنظر شريحة كبيرة في الجيل الجديد إلى زواج كبار السن على أنه يحدث بهدف المتعة، ومن هنا اتسعت الهوة بين الأجيال حول جدوى مؤسسة الزواج ذاتها.

ولدى البعض من المنتسبين إلى الجيل الجديد رؤية مقنعة لرفضهم زواج كبار السن، ولو كان هؤلاء آباءهم أو أمهاتهم، لأن العلاقات التي يتم تأسيسها في عمر متقدمة مؤهلة للانهيار سريعا، فلكل طرف أسلوبه المختلف وطابعه الخاص، وتزداد المشكلة عندما تتباين الأهداف، فهذا يبحث عن الراحة والآخر ينشد إعادة صناعة المتعة.

إقناع المجتمع بأحقية كبار السن في بناء علاقة جديدة يتوقف على نظرة كل جيل إلى العلاقة الزوجية وكيف تكون

وقد يتقبل كثيرون داخل المجتمع المصري فكرة زواج الرجل في سن متقدمة، باعتبار أنه حر في اختياره وتقدمه في العمر لا يعيبه في شيء، لكن من الصعب أن يكون هناك تأييد واسع حال زواج المرأة في سن متقدمة من رجل أصغر منها بسنوات كثيرة، بل إنها توصم وتكون منبوذة وتُتهم بالبحث عن متعة لا عن علاقة تشاركية.

وتظل مشكلة الكثير من الرجال والنساء ممّن تخطوا الخمسين عاما أنهم إذا فكروا في الزواج يخشون ردود فعل المجتمع ويتحسبون لموقف العائلة والبيئة المحيطة بهم أكثر من التفكير في بناء علاقة سوية ورسم مسار حياتهم بالشكل الذي يرضيهم ويضمن لهم الراحة وتجنب وصول الزواج إلى مرحلة الانهيار.

وتقتنع فئة معتبرة بفكرة أن وصول الرجال أو النساء إلى سن متقدمة يعني أنهم لم يعودوا صالحين للزواج أو تكوين أسرة جديدة، مهما بلغت المبررات، ما يفسر انخفاض معدلات الزواج بين كبار السن بشكل واضح، ولا تتجاوز النسبة سنويا 2.2 في المئة، ما يعكس تخوف هؤلاء من نظرة المجتمع إليهم والتي تشكك في جدوى قرارهم.

وقال علاء الغندور استشاري العلاقات الأسرية والباحث الاجتماعي في القاهرة إن “كبار السن يدفعون ثمنا باهظا بسبب غياب الفهم الصحيح لمؤسسة الزواج داخل المجتمع، ووجود صورة ذهنية عند الأجيال الصاعدة يفيد فحواها بأن الرجل والمرأة عندما يصلان إلى مرحلة عمرية محددة يجب عليهما الرهبنة، لا زواج ولا إنجاب ولا عاطفة جديدة”.

وأضاف لـ”العرب” أن “إقناع المجتمع والعائلة بحق كبار السن في الزواج مهمة شاقة تحتاج إلى خطاب توعوي فني وإعلامي وديني وثقافي لتكريس مشروعية الخطوة بعيدا عن التنمر والسخرية والتقليل منها، ونسف المعتقدات البالية المرتبطة بمؤسسة الزواج، فطالما أن الرجل أو المرأة على قيد الحياة يحق لهما الاستمتاع دون اكتراث بموقف المجتمع، ويجب تنشئة الأبناء على ذلك”.

ولفت الغندور إلى أن نمط التربية الخاطئ صنع منطق العيب والخجل تجاه الزواج في سن متقدمة، ودور الأسرة أن تغير تلك المفاهيم وتبني خطابا توعويا يتعلق بحاجة المتقدمين في العمر إلى السكينة والإحساس بالأمان، ومن المهم أن يتم ذلك بتوافق فكري ونفسي وثقافي بين الطرفين وتضييق الفجوة بين الشريكين.

وبقطع النظر عن إمكانية تغير نظرة المجتمع أم لا، سيظل وضع حد لتدخلات العائلة والأقارب والبيئة المحيطة مرهونا بقدرة وشجاعة الرجل والمرأة على المواجهة عندما يقرر كلاهما الزواج في سن متقدمة، وقدرتهما على رسم مسار الحياة بقرار شخصي ولو أدى ذلك إلى خوض معارك مع المحيطين، ومن المهم أن يتم اختيار الشريك المناسب الذي يحقق الطموح من الزواج بلا خوف من وصمة أو التزام بتقاليد عمياء.

15