"احذر يا تيكي" كتاب للطفل يعالج مشكلة الحماية الزائدة عند الوالدين

قصص الأطفال حكايات مسلية ولكنها أيضا في جانب أعمق منها حكايات لها أهداف في التربية والتنشئة وقد تتجاوز التأثير في الأطفال إلى الكبار أيضا، وخاصة والدي الطفل، وتقدم لهم نصائح تربوية بالغة الأهمية على غرار ما قدمته قصة جرو داله “احذر يا تيكي”.
لا تفعل، احذر، انتبه هذا خطر، لا يجب أن تفعل ذلك، هذا الفعل قد يؤذيك، لا تقترب من هذا الشيء، احذر السقوط من أعلى، انتبه من الكهرباء، لا تدخل المطبخ، لا تقترب من الكهرباء، وغيرها الكثير من المفردات التي تقال للطفل في مرحلة الاكتشاف وحب التجربة والإقدام والتعلم، فتجعل الطفل يحجم عن المحاولة والتجريب والتعلم من المحاولة والخطأ وتحول بينه وبين نمو مهاراته الشخصية، فيتحول الأمر من حب وحماية طبيعية إلى تحكم وسيطرة. وهو ما يبرزه كتاب “احذر يا تيكي” لجرو داله.
نتائج الخوف المفرط
“تيكي” أحد الأطفال الذين يعانون من تلك المشكلة والخطأ التربوي، وهو كغالبية الأطفال الذين يحدث معهم ذلك هو الطفل الأول والوحيد، فتيكي الصغير لا يستطيع أن يتحرك بحرية أو يجازف أو يستكشف، فها هو يتسلق الشجرة ويقترب من السماء والسحب والطيور وتحلق على ارتفاع قريب منه طائرة، إنه ينظر إلى العالم من أعلى، يرى كل الأشياء صغيرة حتى والده، وها هي الشجرة ترحب به، تطمئنه ولا تخيفه، وتحتفل به.
يسمع الطفل حفيف الأغصان، وترقص الشجرة سعيدة به، بينما والده يصرخ فيه “لا، لا، لا، يا تيكي تمسك جيدا، لا تترنح على الأغصان.. لا تتأرجح هناك بالأعلى”، وبينما يحذره الأب، توصل الأم لتيكي مشاعر الخوف لديها بتخويفه من عاقبة ما فعل فتقول “قد تكسر ذراعك، أو يكسر عنقك”، وتضيف مجموعة من الممنوعات، فتيكي ليس فقط ممنوعا من تسلق الشجر، ولكنه أيضا ممنوع من تسلق الباب، تسلق السور، تسلق السلم، تسلق السيارات، تيكي ممنوع من أي تسلق.
اللوحة تبرز السماء بها طيور وفراش سعيد ومنطلق، وبه شجرة تتمايل راقصة سعيدة، وطائرة سبب لابتهاج الأطفال عند رؤيتها، والسحب التي يكاد تيكي أن يلامسها برأسه أو هكذا يتخيل، ويظهر تيكي وهو يرتدي ملابس حمراء لها رداء يشبه ذلك الذي يرتديه الأبطال الخارقون مثل سوبر مان، متشبثا بالشجرة وكأنه يخبرنا دون أن يحكي أنه ليس مخاطرا بل يعرف الخطر ويعرف كيف يأمن من السقوط، والسارد هنا هو الرواي العليم الذي يخبرنا أن تيكي ماهر وجريء وأنه قوي، لكن ماما خائفة، بابا أيضا خائف وكل منهما ينهيه عن أفعال يريانها خطرة وقد تؤذيه.
هذه الصورة الجميلة التي يراها تيكي ولا يراها والداه، اللذان لا يريان من تلك الصورة سوى الخطر، فهل يستطيع تيكي أن يأمن على الأرض؟ الإجابة: لا. واللوحة التي تعبر عن وقوف تيكي على الشجرة، توضح أن المخاطر التي يخشى الوالدان على تيكي منها، موجودة مخاطر أخرى أكبر منها على الأرض، فعلى الأرض يقوم والده بلحام بعض المعادن وهي التي تصدر رذاذا مخيفا، والسيارات التي تتسبب في الكثير من الحوادث، والأرجوحة التي يخشى سقوط الأطفال من عليها، فأين يذهب تيكي المسكين؟ لا أرض يطمئن عليه أهله فيها ولا سماء؟
الحقيقة أن انكماش "تيكي" هنا هو رمزية لتقلص المهارات والنمو الذي يحدث للطفل جراء خوف الوالدين المفرط
اللافت للنظر أن كل ألعاب تيكي يظهرها الرسام أنها مصنوعة ولم يتم شراؤها جاهزة، وفي هذا إشارة إلى أن حتى ألعابه والداه هما من يختارانها ويعملان على تأمينها قدر المستطاع، وهذا دليل أيضا على أنه ليس من حق تيكي أن يختار ألعابه بنفسه.
حتى تلك الألعاب لا تخلو من الأعلام وكأنها أيضا لها القيود والمحاذير والتعليمات الخاصة بها، ويتدلى من إحدى الأرجوحات ما يشبه الأصفاد دلالة على القيد الذي يحيط بتيكي المسكين.
يظهر باب حديقة المنزل مرة مغلقا ومرة مفتوحا، فهما دائما ما يقيدانه، ولكنه يحاول جاهدا تحرير نفسه، فهل تنجح محاولات تيكي، رغم كل التحذيرات المتكررة مع كل خطوة يخطوها؟
الحقيقة أن محاولاته تبوء بالفشل، لأن والديه كلما زاد في الاستكشاف زادا في خوفهما عليه، حتى يحدث ما لم يتوقعه الوالدان، فتيكي بدأ ينكمش! ويقل حجمه تدريجيا، حتى صار داخل حذاء والده، وعلى كف يد والده، فيفرح والداه، لأنهما بذلك سيكونان قادرين على حمايته بشكل أكبر، فيصنع له والده بيتا داخل بلورة زجاجية، ويحمله معه في حقيبة العمل، حتى لا يفارقه ويطمئن عليه باستمرار، فهل تكون هذه وسيلة حماية حقيقية أم يحدث حدث مفاجئ يقلب الأحداث وينبه الوالدين لخطأ ما فعلاه؟ هذا ما تجيب عليه نهاية القصة المميزة من تأليف جرو داله، ورسوم سفاين نيهوس، وترجمة شيرين عبدالوهاب وسها السباعي، ونشرت الترجمة العربية الدار المصرية اللبنانية عام 2024.
كتاب أسري

الحقيقة أن انكماش تيكي هنا هو رمزية لتقلص المهارات والنمو الذي يجب أن يحدث له في ذلك السن، ورسوم الكتاب مليئة برموز لحيوانات مختلفة؛ النحلة، النملة، الخنفسة، العصفورة، الغراب، الكلب، القط، ويمكن أن يفهم من رمزية تلك المخلوقات أحد أمرين أو كلاهما، الأول، أن والدي تيكي يخافان عليه منها أيضا، الثاني أنها مخلوقات حرة ومنطلقة منها ما يحلق في السماء ومنها ما ينطلق على الأرض، بينما تيكي محروم من كليهما.
كما تحيط بإحدى لوحات الكتاب رموز لكل الأشياء المحرمة على تيكي؛ كلب، غسالة بابها مفتوح، غلاية ماء كهربائية، مضرب سلك كهربائي، مكنسة كهربائية، حذاء رياضي رباطه كأنه أفعى لها عينان، مقبس كهربائي، نار، شمع، علبة كبريت، دفاية، ثعلب، بوتاغاز، دباسة، وبعض الأدوات الحادة، كالسكين والمنشار والفأس، كلها أشياء تخيف الوالدين على صغيرهما، وهي نفس الأشياء التي تخيف كل والدين حديثي العهد بالإنجاب.
ألوان ملابس تيكي من بداية القصة إلى نهايتها باللون الأحمر، وهو لون الطاقة والإثارة، دلالة على استمرار نفس الروح داخل تيكي وعدم تأثرها بالخوف الزائد والحماية الزائدة لوالديه، بينما والداه دائما ما يرتديان اللون الرمادي، وهو لون على النقيض من الأحمر ليس لديه حماس مفرط أو إثارة، وفيه مشاعر الحزن والغضب وهي نفس مشاعر الوالدين.
يظهر الغراب في أكثر من صفحة من صفحات الكتاب وفي الغلاف الخلفي للكتاب صورة من الصفحات الداخلية للكتاب، ومن المعروف عن الغراب أنه طائر شديد الذكاء، لديه مهارة حل المشكلات، يتواجد بشكل فردي، فهل رمزيته هنا للتشابه بين شخصية تيكي والغراب، أم أن الغراب هنا يحاول أن يشجع تيكي على أن يكون مثله. كما يظهر من خلال برواز الصورة العائلية الوالدان وهما يمسكان بتيكي كل من طرف وكأنهما خائفان عليه من نفسيهما أن يسقط من يديهما.
غلاف الكتاب، هو إحدى لوحات الكتاب الداخلية، حيث يقف تيكي على الشجرة بملابس تشبه سوبر مان، ووالداه يقف كل منهما على جهة من جهتي الشجرة محذرا له ومحاولا التقافه حال وقوعه، فالغلاف الأمامي يعرض حالة الطفل، كما تظهر نحلة وكأنها رمز للنشاط والحرية والطيران أيضا.
بينما الغلاف الخلفي تأتي فيه لوحة أيضا من داخل الكتاب، يحمل فيها الأب ابنه على كفه بعد أن تقلص حجمه، داخل بيتهم الذي يظهر فوق مدخنة الدفاية غراب ينعق رافضا ما يحدث، فالغلاف الخلفي يعرض ما حدث له بسبب خوف والديه عليه، كما يحكي السارد العليم على لسان تيكي “أنا شجاع، لكن أبي وأمي يقولان لي دائما: لا.. لا.. لا.. لا تذهب بعيدا، كن حذرا.. فأخاف أن أفعل أي شيء”.
“احذر يا تيكي” ليس مجرد كتاب موجه للطفل، بل هو كتاب أسري بامتياز، يطرح المشكلة ويوضح أثرها على الطفل، ويصل بنا في نهاية القصة إلى البديل المناسب لنعلم الطفل كيف يحمي نفسه عوضا عن توفير الحماية دائما له، لأنه في النهاية سيكبر ويعتمد على نفسه ويحمي نفسه بما يتناسب مع عمره وما يكسبه أهله من مهارات، وما يكتسبه ذاتيا من التجربة والخطأ اللذين يعتبران من أهم وسائل التعلم الذاتي.
وما يزيد صعوبة موقف تيكي أن كلا والديه لديهما قلق زائد عليه، فبالطبع إن كان أحدهما قلقا والآخر مطمئنا لن تكون حدة المواقف عليه بنفس القوة، ولكن تم تناول القصة بالحالة الأسوأ والتي توجد بالفعل في بعض الأسر، والصحيح أن نخاف على أولادنا دون أن نخيفهم.
جدير بالذكر أن مؤلفة الكتاب جرو داله، أو جرو داهل، مع اختلاف الكتابة العربية لاسمها النرويجي الذي يكتب Gro Dahle، وربما يكون الأدق ترجمة شيرين عبدالوهاب للاسم “جرو داله”، لأنها مصرية – نرويجية ونشأت في النرويج، وجرو هي كاتبة نرويجية متخصصة في أدب الأطفال، وروائية وشاعرة وكاتبة مسرحية.
اكتشفت جرو أن ابنتها لديها متلازمة أسبرجر، وبإجرائها الفحوصات اكتشفت أيضا أن لديها نفس المتلازمة، بل ووالدتها أيضا، ومن المعروف ما يتميز به من موهبة أصحاب تلك المتلازمة وذكاء أكثر من الطبيعي، ومنهم الكثير من المشاهير، ميسي، أسطورة كرة القدم، وإيلون ماسك، وبيل غيتس، وتوماس أديسون، وفان جوخ.
وتحتل مجموعاتها الشعرية “الغاز المطر” و”مئة ألف ساعة” مكانة بارزة في الشعر النرويجي الحديث.
والرسام سفاين نيهوس (مواليد 1962) رسام وكاتب أطفال نرويجي، تلقى تعليمه في الأكاديمية الوطنية النرويجية للحرف والصناعات الفنية في أوسلو من 1981 إلى 1985، عمل رساما في العديد من الصحف، ومنذ 1995 يؤلف ويرسم للأطفال مع زوجته جرو داله، يستخدم تقنيات رسم متنوعة من القلم الرصاص والألوان المائية إلى الملصقات الورقية والتقنيات الرقمية.
أما المترجمة شيرين عبدالوهاب، فقد نشأت في النرويج ولكنها مصرية الأصل، وتقسم وقتها بين البلدين. تخرجت شيرين عبدالوهاب في جامعة أوسلو في تخصص العلوم السياسية. وهي مترجمة ذات خبرة كبيرة وقد قامت بترجمة 12 من الأعمال الدرامية المعاصرة لإبسن، والعديد من أعمال يون فوسه منها “سباعية”، ومجموعة واسعة من العناوين النرويجية الأخرى، بالإضافة إلى عدد كبير من العناوين في الأدب النرويجي للطفل منها “احذر يا تيكي”.
في عام 2024 كانت العقل والمنسق العام وراء حضور النرويج كضيف شرف في معرض القاهرة للكتاب، ببرنامج محكم وشديد الاحترافية حقق نجاحا كبيرا.
شاركتها في الترجمة سها السباعي، وهي مترجمة مصرية، صدر لها عدد من العناوين في ترجمة الأدب الأميركي. شاركت مع المترجمة شيرين عبدالوهاب بصفتها مسؤولة عن صياغة اللغة العربية في ترجمة عدد من العناوين النرويجية، منها “سباعية” ليون فوسه، “الميراث والوصية” لفيجديس يوت، “حب” لهانه أورستافيك، بالإضافة إلى عدد من العناوين في أدب الطفل، منها “احذر يا تيكي”.