"مسرحية"

إذا كان الحزب الديمقراطي عرّاب الانفتاح والتعددية يُخلّف مآسي بشرية بهذا الحجم، فماذا تبقّى لنتوقع من الجمهوريين المحافظين الرافضين للآخر المتحفظين في وجهات نظرهم الذين يرون في الاختلاف تهديدا.
السبت 2024/02/17
أي رؤى مختلفة يملكان؟

متى من الممكن أن يبدأ هذا النظام العالمي في أخذ وعي الإنسان على محمل الجد؟ أفكر أحيانا، أيسخر هذا النظام العالمي منّا نحن “العامة”؟

هذا النظام الذي يعجز المرء عن فهم ماهية حُكّامه وكيفية حُكمه، ما حقيقته؟ من يدير هذا العالم حقا؟

اليوم، تقترب الانتخابات الرئاسية الأميركية وتعود المسرحية لتتصدر عناوين الأخبار من جديد وتعود المنافسة بين الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة إلى الواجهة من جديد، وتبدأ الأزمات في العالم بالتفاعل.. الأحزاب الأميركية التي لم تتوقف يوما عن دعم الصراعات هنا وهناك.

لكن، ألا يُسمح للإنسان أن يتساءل: أولا، لماذا بعد كل هذه الأعوام يتم حصر الانتخابات بين حزبين “ديمقراطي وجمهوري” وفقط؟

ألا يحق للأجيال الجديدة أن تخرج بأحزاب جديدة تحمل أفكارا تشبهها وتشبه زمانها؟

اليوم في 2024، لماذا أحزاب تأسست في 1828 و1854 تحكم بذات الفكر والنهج والإرث الفكري والقيمي؟

ألا يحق البدء في تجديد الفكر البشري والإنساني للدول؟ ألا تترهل الأفكار؟ تترهل بالطبع.

الحزب الديمقراطي يصر على حروب طويلة مع إيران هنا وهناك، وحوّل أطرافا ثالثة لساحات مشتعلة حاضنة للمزيد من التطرف والمأساة

ثانيا، لماذا بعد أن ثبت فشل جو بايدن ودونالد ترامب في قيادة الولايات المتحدة، خاصة، والعالم بشكل عام، والأثر السلبي الذي تسبب كل منهما فيه خلال فترة حكمه، يعود النظام العالمي لحصر الاختيار والخيارات بينهما؟

بايدن، الذي يعجز عن إكمال جملة واحدة متكاملة مؤخرا، وخطاباته أصبحت أشبه بمسرحيات مضحكة للعامة، في وصف السيسي بالرئيس المكسيكي، ووصف الرئيس الصيني بالدكتاتور عقب لقاء بينهما، بايدن الذي يبدو أنه لا يعي حقيقة وجوده، وهفواته باتت كثيرة ومحرجة، كيف يُسمح له بالعودة إلى لترشح؟

أما ترامب ومسلسل تغريداته التي لا تنتهي ومحاكماته الغريبة والمتشعبة التي لا تنتهي أيضا.. ترامب المفصول عن الواقع، الذي لا يبدو أنه كان يوما يؤمن بالحريات والإنسانية، الذي وضع الناس في أقفاص وفصل الأطفال عن أمهاتهم، وكأنه يرى المهاجرين واللاجئين نوعا من أنواع الفايروسات.

هذان يعتبران “أقوى الشخصيات وأكثرها تأثيرا في الوقت الراهن.. كل داخل حزبه”.. تخيل؟

هل يعتبر هذان أقوى مرشحين لحكم الولايات المتحدة لأربع سنوات إضافية؟

أفكر: حقا، هل يمازحنا هذا النظام؟

ألا يحترم هذا النظام إنسانيتنا، ثقافتنا، وعينا، أحلامنا، طموحاتنا، قدرتنا على التفكير والتحليل والحوار والإبداع؟

ألا يستحق المواطن الأميركي بشكل خاص، والمشاهد المتأثر في كافة بقاع الأرض من الولايات المتحدة وقراراتها، رؤساء بفكر جديد ونهج جديد، قادرين على إيجاد حلول للأزمات الداخلية والخارجية على الأقل، حتى وإن كان كما يقول ترامب “هناك دولة عميقة تُدير وتحكم وتُؤثر”؟ ألا يحق أن تكون الواجهة جميلة ومُتزنة ومتوازنة وطبيعية على أقل تقدير؟

حتى وان أراد هذا النظام إدارة مصالحه كما يريد، دون أخذ بعين الاعتبار لوجود المجتمعات البشرية، ألا يمكن أن يحترم بصيرة الإنسان وإدراكه وذكاءه؟

ماذا فعل هذان للمواطن الأميركي؟ هل تحسنت حياة المواطن الأميركي الاقتصادية؟ هل تم انتشاله من آثار كورونا الاقتصادية المدمرة؟

هل تم تطوير أنظمة صحية تكفل علاجه بشكل أفضل؟ هل يتم تحسين الخدمات المقدمة للجميع هناك مثلا؟

هل تم إيجاد حلول لمشكلة اقتناء الأسلحة والجرائم والفئران في نيويورك وتكساس المتمردة وشرارة الحروب الأهلية التي تلوح بالأفق من جديد؟

أم ما زالوا يطاردون الفضائيين في السماء متناسين مشاكل المواطن الحقيقية؟

الولايات المتحدة، المنصبة نفسها شرطيا العالم، هل تجد في إدارة بايدن وعجزها في التعامل مع الكثير من الملفات نجاحا؟

ربما.. ففي عهده، سقطت أفغانستان وسُحقت غزة ودُفنت الضفة وخُذلت أوكرانيا واشتعلت النيران في البحر الأحمر.. فلمَ لا يكون ناجحا؟

ثم نفكر في نقطة أخرى، الحزب الديمقراطي الذي يُصدّر نفسه للعالم بعرّاب الحريات والمدافع عن حقوق الإنسان والقائد لليبرالية والجامع للأقليات العرقية والإثنية والدينية والمُتقبل للجميع والمنفتح على الآخر.. وجدناه يزج بأوكرانيا في حرب خاسرة، وخلق صراعات لا داعي لها، وأجج كرها بين شعبين يصعب إخماده في سنوات طويلة لمصالح سياسية بحتة، لمواجهة الدب الروسي الذي يقف شوكة بحلقه.

الحزب الديمقراطي ترك أفغانستان تسقط برمشة عين معلنا براءته منها، وتاركا نساءها يوأدن في حبال فكرية سامة وشعبها يُقاسي ثقافة خوف ورعب دمرته فكريا وقيميا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وعادت بالدولة والشعب ألف سنة ضوئية إلى الوراء.

بايدن، الذي يعجز عن إكمال جملة واحدة متكاملة مؤخرا، وخطاباته أصبحت أشبه بمسرحيات مضحكة للعامة.. بايدن الذي يبدو أنه لا يعي حقيقة وجوده، وهفواته باتت كثيرة ومحرجة، كيف يُسمح له بالعودة إلى لترشح؟

الحزب الديمقراطي الذي أعلن دعمه اللامحدود واللامنطقي لإسرائيل في حروبها المعلنة والمجهولة دون أن يفكر حتى مرتين، دون أخذ بعين اعتبار ملايين الأرواح وأطفال بآمال وشباب بطموحات وبيوت دافئة تضج بالذكريات.

الحزب الديمقراطي الذي يعبث هو وخصمه إيران في أمن البحر الأحمر، وأطراف ثالثة هشة وممزقة..

عبث في أمن الملاحة وأرقام الاقتصاد والأسعار في العالم، ثم اقتحم واستباح العراق وسوريا بصواريخه.

الحزب الديمقراطي الذي يصر على حروب طويلة مع إيران هنا وهناك، وحوّل أطرافا ثالثة لساحات مشتعلة حاضنة للمزيد من التطرف والمأساة.

هذا يقودنا إلى سؤال آخر، إذا كان الحزب الديمقراطي عرّاب الانفتاح والتعايش والتعددية والإنسانية يُخلّف مآسي بشرية بهذا الحجم.. فماذا بقي لنتوقع من الجمهوريين المحافظين الرافضين للآخر، والمتحفظين في وجهات نظرهم، المتدينين النخبويين الذين يرون في الاختلاف تهديدا، والذين يؤمنون بلغة المال والنخبة والعرق المُختار، ويؤمنون بأفضلية عرق على آخر، من يؤيدون إغلاق حدود بلادهم أمام المهاجرين وأي لاجئ يسعى للبحث عن مستقبله في “الحلم الأميركي”.. من لا يرون العامة ولا يكترثون لهم في الأساس.

الجمهوريون الذين قضوا على العراق بحجج واهية دون اعتذار وحتى دون محاكمة أو محاسبة.

سرقوا نفط سوريا، ويعلنون دعما مُطلقا لإسرائيل دون حتى محاولة تمثيل لذرف أيّ دمعة تمساح على الآخر.

بماذا تختلف أجندة أيّ من الحزبين الخارجية؟ وأيّ إصلاحات داخلية حققها أيّ منهما؟

ماذا حققوا خلال 10 سنوات سوى المزيد من ميلاد المأساة للبشرية، وكأن كل الأحلام التي بُددت، وكل الأطفال الذين لم يمنحوا فُرصة للحياة، وكل الدول التي نُكّل بثرواتها ونُهبت خيراتها، وكل الدول التي حُوّلت إلى أماكن خاوية بائسة لا تصلح للحياة، كل ذاك لا قيمة له في عين شرطي العالم.

وبهذا إن فاز أحدهما، أيّ رؤى مختلفة يملكان؟ وأي فُتات أمل باق حتى يمنحوه لأنفسهم أو للآخرين؟

9