الحكومة المصرية تلجأ إلى الحوار لتمرير تشريعات خلافية

النظام يحشد الرأي العام لدعم قوانين يعارضها الأزهر.
الأربعاء 2024/02/07
الأزهر يخشى من تراجع دوره في تنظيم الحياة الأسرية

تعمل الحكومة المصرية بضوء أخضر من الرئيس عبدالفتاح السيسي على التحضير لحوار مجتمعي يستهدف توفير غطاء لعدد من مشاريع القوانين التي تهم الأسرة والتي تلقى معارضة شرسة من الأزهر والتيارات المتشددة في مصر.

القاهرة - تريد الحكومة المصرية تمرير تشريعات ملغومة ما قد يجلب لها منغصات سياسية في توقيت حرج، على وقع تذمر مواطنين من سوء الأوضاع المعيشية، وما يثيره ذلك من مخاوف من ارتفاع منسوب الغضب بينهم بشكل قد يحدث صداما مباشرا معها.

وطلب الرئيس عبدالفتاح السيسي من وزير العدل عمر مروان بإجراء حوار مجتمعي حول مشروعات القوانين المتعلقة بالأسرة، وبينها قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، واستيعاب الآراء التي من شأنها تحقيق الأهداف المنشودة من القوانين، وتحقيق المصلحة العامة، مع حتمية التنسيق مع جميع الأطراف ذات الصلة.

وأظهرت التكليفات الرئاسية للحكومة حجم المخاوف المرتبطة بتمرير قوانين جدلية، بما لا يتناسب مع قناعات الشارع، والخطر من أن التشريعات ترتبط بشكل وثيق بأمور دينية تمس حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية، ما يجعل للحوار دورا أيضا في قياس ردة فعل الناس ومخاوفهم بدلا من فرض الأمر الواقع.

ويخشى النظام المصري من توظيف تيارات متطرفة لمشروعات قوانين الأسرة، للمسلمين والمسيحيين، وتوظيف الاحتقان الاقتصادي لدفع الشارع نحو التمرد على رؤية الحكومة تجاه القوانين المطروحة للحوار في ظل سعي السلطة إلى تغيير مشيخة الأزهر لموقفها المتشدد من بعض نصوص القوانين المطروحة والإيحاء بمخالفتها للدين.

وتحاول مؤسسة الرئاسة تفادي وضع الحكومة في مواجهة مع الشارع، لأنها تدرك جيدا أن بعض التشريعات الأسرية عليها تحفظات مجتمعية منذ الإعلان عنها، إذ عارض الأزهر العديد ممّا تسرب منها، وتحديدا في علاقة بإلغاء الطلاق الشفهي واستبداله بالموثق، وإبعاد شيوخ الأزهر عن المشاركة في صياغة القوانين واستبدالهم بعلماء أكثر مرونة من دار الإفتاء.

إكرام بدرالدين: الحوار خطوة مهمة لقياس ردة فعل الشارع المصري
إكرام بدرالدين: الحوار خطوة مهمة لقياس ردة فعل الشارع المصري

وتدرك دوائر سياسية في مصر أن الصدام مع الأزهر حول التشريعات الجديدة قادم لا محالة، لذلك ترغب الحكومة في تجييش الرأي العام خلفها في مواجهة التشدد المتوقع والذي تدعمه أصوات وتيارات متطرفة فكريا، ومن هنا تم منح الحوار أولوية كخطوة تستهدف تحصين المجتمع من الانخراط خلف رؤية الفقه بدلا من الدولة.

ومن السوابق التاريخية أن تقوم السلطات بإعداد قانون موحد متكامل يخص الأحوال الشخصية للمسيحيين، حيث تخوفت أنظمة في الماضي من الخطوة، خشية ردة فعل التيارات المتشددة التي تتمسك بإخضاع الأقباط في الكثير من تعاملاتهم الشخصية وفق التشريعات الإسلامية، لكن السيسي بدا أكثر شجاعة من الرؤساء السابقين.

وقال رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين لـ”العرب” إن الحوار المرتبط بتشريعات مصيرية خطوة مهمة لقياس ردة فعل الشارع بما يغلق أيّ ثغرة قد تستثمرها أطراف لها خصومة مع النظام لتأليب الرأي العام والتعويل على التشكيك فيه واللعب على وتر حساس مرتبط بالدين، في توقيت سياسي حرج.

وتتفهم السلطات المصرية حجم الجدل المتوقع بشأن إصدار تشريع خاص بالمسلمين وآخر للأقباط، بحيث يصبح لكليهما قانون يحكم علاقاتهما الأسرية، وذلك ليس بالأمر السهل على المستوى السياسي، خاصة أن المجتمع تحكمه العاطفة الدينية.

ونجحت أجهزة الدولة في القضاء على جماعة الإخوان وأقصت السلفيين من المشهد السياسي بشكل كبير، لكن منغصاتهما الدينية حاضرة في صورة الأزهر الذي يعارض المدنية المطلقة، ويتخذ مواقف متشددة تجاه التشريعات الاجتماعية التي تواكب العصر، طالما أن هناك إصرارا على تحييد دوره في إعداد القوانين، وتسليمها لجهات تهدد نفوذه الديني.

وأكد إكرام بدرالدين في تصريحاته لـ”العرب” أن الاستماع لرؤى المواطنين والمتخصصين في بعض التشريعات يحصن الحكومة من تهمة المكابرة، ويجعلها قريبة من الشارع، وهناك قوانين تحتاج إلى تعامل تشاركي بين الحاكم والمحكوم، ما يفسر اللجوء إلى الحوار بشأن قوانين الأسرة، فذلك يمنح التحركات الرسمية غطاء شعبيا مهما.

النظام يخشى من توظيف تيارات متطرفة لمشروعات قوانين الأسرة للمسلمين والمسيحيين، وتوظيف الاحتقان الاقتصادي

ومع كل طرح من السيسي نحو إلغاء أو تعديل نصوص قانونية تلامس التشريعات المرتبطة بالأحوال الشخصية، الإسلامية أو المسيحية، يروّج السلفيون والإخوان وبعض رجال الأزهر أن النظام يرتكب خطأ بسن قوانين تخالف الدين وتكرّس لعلاقات مطعون فيها، ما دفع الرئاسة نحو الحوار لنسف تلك الادعاءات.

وعلى كل من يرغب في إثبات وقوع الطلاق من عدمه في مصر يذهب إلى المؤسسة الدينية لتمنحه صك مشروعية العلاقة من عدمها، وهي نقطة تحفّظ عليها الرئيس السيسي بمنطق أنه ليس مقبولا استبدال الرؤى الفقهية القديمة بالتشريعات العصرية، دون النظر إلى التطورات وتغير الظروف والحكم على علاقات الناس بقناعات شخصية.

ويراهن الرئيس المصري في تجييش الرأي العام خلفه لتمرير رؤيته تجاه التشريعات التي تحكم علاقات الناس ببعضها، على المفكرين والكتاب والمثقفين والأصوات المنفتحة التي تدعم مدنية الدولة، لكنه يواجه تحديا مرتبطا بضعف القوى الناعمة مع خفوت صوتها بسبب القوانين المكبلة للحريات، بينها عقوبة ازدراء الأديان.

كما أن المجتمع نفسه يعاني من أميّة مفرطة وارتفع معدلها إلى مستوى كبير، وهي نقطة تستثمرها تيارات متشددة للهيمنة على عقول الناس ومخاطبتهم بالعاطفة الدينية في مواجهة الانفتاح الذي يستند على إعمال العقل والمنطق.

وقد يتحول الحوار المجتمعي إلى معركة بين صوت الانفتاح الذي يتصدى له المعارضون لنفوذ الدين في حياة الناس لتكريس مدنية الدولة، وبين الانغلاق الذي يتبناه الإخوان والسلفيون والأزهر لبقاء سلطة الفقيه أقوى من سلطة القانون المدني.

ويرى مراقبون أن النظام المصري يأبى الظهور في شكل قليل الحيلة في مواجهة التشدد عند تمرير قوانين ملغومة، لكنه لا يرغب في صدام مع الشارع الذي وصلت علاقته بالحكومة إلى درجة متدنية بسبب غياب الثقة، ولم يعد أمام النظام سوى الحوار لتجنيب البلاد بؤرة صراع جديدة، في ظل تحديات اقتصادية معقدة تفرض على السلطات التعامل بالمزيد من الحكمة والعقلانية.

وترتبط حاجة النظام المصري الملحة للاستماع إلى رؤى متخصصين في التشريعات الجديدة بأن الشارع من السهل عليه أن يتقبل على مضض أعباء اقتصادية مضاعفة، لكن يصعب إجباره على قبول قوانين مشكوك في مشروعيتها الدينية، ما يمنح الحوار أهمية لدى السلطة إذا أرادت تمريره قوانينها بلا صدام حاد مع المواطنين.

2