محور فيلادلفيا شماعة إسرائيل

في مستهل هذه المقالة لا بد من التذكير بما قاله وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير “سيجد الغزيون راحتهم ورخاء العيش في أسكتلندا”، هذه التصريحات ضمن عشرات التصريحات التي تفوه بها قادة إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، وكأن هنالك مخططا معدا سلفا لترحيل سكان غزة إلى خارج القطاع بغية إعادة إعماره حسب الرؤية الإسرائيلية على جميع الأصعدة، هيكلة المستوطنات على أنقاض غزة وتشييدها لمحو آثار القطاع برمته، بجانب السيطرة المطلقة على الغاز الموجود على شواطئ البحر المتوسط إضافة إلى العمق الإستراتيجي لإسرائيل. هذا ما كانت تبحث عنه منذ عقود من الزمان.
“أتمنى لو أستيقظ يومًا وأرى غزة وقد ابتلعها البحر”، مقولة ترددت كثيرا على لسان قادة الاحتلال المتلاحقين، فمنهم من قالها حرفيا كما جاءت نصاً على لسان إسحاق رابين، ومنهم من قالها محتوى ومضمونا، وكانت أمنية لهم جميعا، مثل إسحاق شامير وشمعون بيريز وأرييل شارون وشاؤول موفاز وإيهود باراك وغيرهم. وهي مقولة عبرت عن حجم المأزق الذي عاشه هؤلاء منذ عام 1948، هذا يثبت مدى الخطورة التي قد تسبب دمارا في القطاع ولو جزئيا.
◙ من الوارد أن تكون فكرة السيطرة قائمة وقادمة في عقول القادة العسكريين الإسرائيليين، ولاسيما لجهة إحكام السيطرة على مصادر الثروات هناك، فضلا عن التحكم في الحدود مع مصر
شاهدنا في الأيام القليلة الماضية خارطة عرضتها إسرائيل وتتمثل في نواياها في السيطرة على شريط شمال وشرق وجنوب القطاع، ومن ضمنها محور فيلادلفيا، وحسب ما هو مبين سوف تسيطر إسرائيل على ما يقارب 20 في المئة من مساحة أراضي قطاع غزة التي تقدر بـ365 كيلومترا مربعا، وحسب هذا المخطط، إذا تم، فإن القطاع سيفقد أهم أراضيه وهي سلته الغذائية فضلا عن تضييق سبل الصيد على شاطئ البحر.
الحقيقة المؤكدة هي أن إسرائيل لم تكتف بهدم البيوت والقتل ومحو كل ما هو حيوي، بل لديها نوايا خبيثة في تطويق أهل غزة وتشتيت شملهم. على مدار الأسابيع الأخيرة، ورد ذكر محور فيلادلفيا في خضم الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة، بهدف معلن هو القضاء على حركة حماس. وكان آخر ذكر للمحور في تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إنه “يتعين على إسرائيل أن تسيطر بشكل كامل على المحور، لضمان نزع السلاح في المنطقة”. وأضاف نتنياهو في مؤتمر صحفي “محور فيلادلفيا، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية (في غزة)، يجب أن يكون تحت سيطرتنا. يجب إغلاقه. من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه”.
غير أنه وإزاء الرفض المصري يعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد أن “خروج رغبة إسرائيل في السيطرة على محور فيلادلفيا إلى العلن هو أمر خطير، وأي تحرك عسكري على طول الشريط الحدودي يعرض معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل للخطر، لأنها تتضمن ملحقا عسكريا يحدد وضع المحور، ولا يسمح بمثل تلك الخطوة، وبالتالي عندما تتحرك إسرائيل عسكريا هناك يعتبر ذلك خرقا لمعاهدة السلام”.
ويعتقد كامل السيد أن مصر ستخاطب الإدارة الأميركية بشأن التصريحات غير المسؤولة، وتضعها أمام مسؤولياتها في تنفيذ وحماية معاهدة السلام، ومنها الملحق العسكري الخاص بمحور فيلادلفيا، وهي (أي واشنطن) حريصة على عدم حدوث خرق كبير للاتفاقية في الوقت الذي تسعى فيه لتوسيع معاهدات السلام مع دول المنطقة.
◙ على مدار الأسابيع الأخيرة، ورد ذكر محور فيلادلفيا في خضم الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة، بهدف معلن هو القضاء على حركة حماس
إذن، إسرائيل أمام تحد يتعلق بسيطرتها وإعادة تحكمها في محور فيلادلفيا، وتقول إن الانسحاب أحادي الجانب في عهد شارون عام 2005 وتسليمه للسلطة الوطنية عامل رئيسي أدى إلى تعاظم قوة حماس وحصولها على سلاح فتاك جاء عبر مصر. فهي تتهم مصر بطريقة غير مباشرة بغض الطرف عن تهريب السلاح للقطاع، وقد كان الرد المصري الرسمي على هذا أن على إسرائيل أن تحقق مع عناصرها الأمنية فهي المسؤولة عما جرى في 7 أكتوبر وما قبله.
ومن المؤكد أن ذلك قد يؤسس لحالة مضمونها تشكيل وجهات نظر مختلفة، ولا يبدو في حال سيطرت إسرائيل على محور فيلادلفيا أنها ستسيطر على حماس وعلى الحدود، حسب ما تتوقع إسرائيل بشكل مطلق. لكنْ في إسرائيل هنالك أصوات تعرف الحقيقة، على سبيل المثال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد الذي صرح قبل عدة أيام قائلا “علينا التفاوض من أجل تحرير الرهائن، واحتواء حماس”. هذا التصريح ينافي تصريحات قادة الاحتلال ومنهم المتطرفون. وكأنه يقول علينا واجب التفاوض مع حماس، وهذا الاختلاف في وجهات النظر، وفي النظر إلى حماس، يختلف من حزب إلى آخر، ولكن في المحصلة هناك إجماع على رؤية واحدة وهي “لا دولة” حسب ما يطالب به الشعب الفلسطيني، بل دولة منزوعة السلاح وبدون القدس.
لن يطول وقت التكهنات، الكلام الفصل في هذه المسألة هو لليمين الديني المتطرف في إسرائيل، ويبدو المجتمع الإسرائيلي ينزلق نحو التطرف أكثر بعد أحداث 7 أكتوبر. أحد أهم التساؤلات التي تواجه المتابع لشأن الحرب على غزة هو: هل تحتل إسرائيل محور فيلادلفيا (صلاح الدين)؟
من الوارد أن تكون فكرة السيطرة قائمة وقادمة في عقول القادة العسكريين الإسرائيليين، ولاسيما لجهة إحكام السيطرة على مصادر الثروات هناك، فضلا عن التحكم في الحدود مع مصر.