هل حركة النهضة تتغير فعليا أم أنها تقوم بمناورة سياسية

في الوقت الذي تجمع فيه أوساط سياسية على نهاية وجود حركة النهضة في المشهد التونسي، بسبب إخفاقها في إدارة الحكم في العشرية الماضية، تؤكد القيادة الجديدة للحركة الإسلامية أنها ماضية نحو التغيير والقيام بمراجعات جذرية تقطع مع الماضي وتؤسس لمرحلة جديدة تسترجع من خلالها النهضة جزءا من خزانها الشعبي المتآكل وترميم ما تبقى من بنيانها المتداعي.
تونس- منذ إعلان تقلّده لمنصب الأمانة العامة في حركة النهضة (واجهة الإسلاميين في تونس)، يؤكد العجمي الوريمي التوجه نحو تغيير الملامح السياسية للحزب بما يتلاءم وإكراهات المرحلة، مع تحديد أهداف مستقبلية مغايرة للسنوات السابقة، وهو ما ينتقده خصومه السياسيون ويعتبرونه مناورة جديدة.
وتطرح مهمة العجمي الوريمي على رأس الحركة تساؤلات بشأن قدرة الرجل على الذهاب بعيدا في عملية المراجعة والتغيير، خصوصا بعد “خيبات” سابقة مُني فيها الحزب بهزائم وخروج مدو من المشهد بعد تمسكه بزمام السلطة لمدة عشر سنوات، وخسر فيها الكثير من شعبيته في الشارع.
ولا تزال غالبية الأطراف السياسية تشكّك في مصداقية المسار الجديد الذي تنتهجه الحركة، معتبرة أنّ “مزاعم” التغيير والإصلاح، ما هي إلا مظهر جديد يكرّس ما تسميه بـ”إزدواجية الخطاب” الذي دأبت الحركة على اتباعه منذ تمكّنها من السلطة.
لكن الأمين العام للحركة الذي جاء من أجل ترتيب البيت الداخلي للحزب، يؤكّد أن النهضة تتغيّر فعلا، بانتهاج أسلوب اتصالي جديد يقطع مع خطاب سياسي متقادم، أساء إلى سمعة الحركة أكثر من إفادتها.
ويكرّر الوريمي أن الحركة بصبغتها الجديدة، لا تسعى للعودة إلى السلطة، بل ستنغمس في القيام بمراجعات جذرية لإصلاح أخطاء سياسية مرتكبة اقترنت بالفترة التي سميت “العشرية السوداء”.
وأفاد أمين عام النهضة بأن “الحركة الآن ليست في سياق صراع على السلطة، بل هي في صراع من أجل عودة الديمقراطية”، قائلا “ليست لدينا رهانات حزبية ضيقة في أي استحقاق انتخابي وطني في الأفق القريب”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “أولويات الحركة الآن داخلية وتتمثل في مهمة الإصلاح التي هي مطلب داخلي من أبنائها، والنهضة تعطي رسائل بأنها ستقوم بمراجعات”.
وحول تشكيك بعض الأطراف السياسية في توجه الحركة نحو التغيير، يؤكد الوريمي أن “الحكم يكون على الأفعال وليس على النوايا والأقوال، كما أن التونسيين هم من يحكمون على نوايانا، ونحن طرف مسؤول وجادّون في ما نسعى إليه وصادقون في ما نقوله”.
وتابع “ربّما بعض الأطراف لديها مشكلة مع النهضة، وتداول الحديث عن مناورة سياسية يدخل في خانة الأحكام المسبقة، كما أن شهادتي الولادة والوفاة السياسيتين يمنحهما الشعب التونسي للأحزاب، والنهضة لم تولد البارحة، بل نمت وتطورت وتجذّرت، وما زال لديها جزء من النسيج المجتمعي التونسي”، مشيرا إلى أن “كل الأحزاب الآن في حالة مدّ وجزر، لكن صندوق الاقتراع هو الفيصل”.
واعتبر أن “الحركة الآن أمام استحقاق حزبي ووطني، أنجزنا بعض الأشياء أهمها لوائح المؤتمر 11 وسنقوم بنشرها بعد حوار داخلي موسع حول مضامينها”، لافتا “نحن الآن في المعارضة نتيجة انقلاب على الشرعية والدستور”.
واستطرد الوريمي قائلا “نحن نعدّ للمستقبل مع الأطراف التي تشاركنا سياسيا، والحركة استمرت رغم غياب الغنوشي لأنها حركة مؤسسات، وهي قائمة بوجوده أو في وضعه الحالي”.
وقاد تأخير عقد المؤتمر خلال السنوات الماضية إلى خلافات داخل الحركة بين من يمسك بمفاتيح الحزب والخصوم الذين يطالبون بمؤتمر يفضي إلى قيادة جديدة.
في المقابل، لا ينكر المراقبون وجود إجماع على “السقوط المدوّي” للحركة سياسيا، وخروجها من الباب الصغير للمشهد خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021.
ويؤكد هؤلاء أن النهضة مازالت وفيّة لتقاليدها في ازدواجية الخطاب لتظهر عكس ما تضمر، وتقول الشيء وتقصد نقيضه، بحثا عن تموقع سياسي مفقود، وها هي الآن تسعى لتغيير نوعية خطابها بالقطع مع صورتها النمطية المألوفة واستبدالها بأخرى جديدة مناسبة للوضع الحالي حتى تتمكن من إدارة مرحلتها الانتقالية كأفضل ما يكون.
وقال ناجي جلول، رئيس الائتلاف الوطني التونسي، “في آخر مؤتمر للحركة تخلوا عن الطابع التقليدي بالفصل بين الدعوي والسياسي، لكن خوفي أن تكون الحركة مثل الثعبان الذي يغيّر جلده للتمكن من العيش”.
وأوضح لـ”العرب”، “على النهضة أن تتخلى عن الفكر الإخواني وعقلية الاختراق واستخدام الدين في الدعاية السياسية، وعليها أن تقوم بمراجعات حقيقية، كانوا معنا في السلطة وكانوا يقومون باختراقات”.
وأردف ناجي جلول “يمكن لهم أن يتغيّروا، لكن الوريمي ينتمي إلى الحرس القديم والجيل الثاني في النهضة، وكان قبله رجل ليس من الصف الأول للحزب وقادر على التغيير (في إشارة إلى المنذر الونيسي)”.
وكثيرا ما حاولت حركة النهضة التفاوض مع “نظام 25 يوليو” الذي عجّل بخروجها من المشهد السياسي، في مسعى لتجنب فتح ملفات العشرية الماضية ومحاسبتها سياسيا.