هل تنجح إسرائيل في تهجير الغزيين؟

لا يمكن فصل السلوك العدواني الإسرائيلي على قطاع غزة عمّا قاله إيتمار بن غفير خلال الاجتماع الأسبوعي لحزب “عوتسما يهوديت” قبل شهر تقريبا، إن “مثل هذه السياسة (توطين سكان غزة خارج القطاع) من شأنها أن تسهل عودة سكان المجتمعات الإسرائيلية المتاخمة لحدود غزة، وكذلك المستوطنات الإسرائيلية في غزة، التي تم إخلاؤها في عام 2005، وهي “حل صحيح وعادل وأخلاقي وإنساني”.
واعتبر بتسلئيل سموتريتش الذي يرأس حزب “الصهيونية الدينية” المنضوية في التحالف الحكومي الحاكم، أن إسرائيل يجب أن “تشجّع” فلسطينيي غزة البالغ عددهم 2.4 مليون تقريبًا على مغادرة القطاع. وأضاف “في حال تحرّكنا بطريقة صحيحة إستراتيجيًا وشجعنا الهجرة، وفي حال كان هناك مئة ألف أو مئتا ألف عربي في غزة وليس مليونَين، سيكون خطاب اليوم التالي (للحرب) مختلفًا تمامًا”.
وتابع: “سنساعد في إعادة هؤلاء اللاجئين إلى حياة طبيعية في دول أخرى بطريقة مناسبة وإنسانية بالتعاون مع المجتمع الدولي ودول عربية مجاورة”.
◙ الانتباه لهذه المخططات والوقوف في وجهها، ضروريان وهامان للخروج بأقل الخسائر في هذه المرحلة، في وقت لم يبق لنا سوى الاعتماد على عزيمتنا للوقوف في وجه هذا التحدي المدمر
يثير هذا الواقع ملاحظة ذات صلة بالخطاب المتطرف حول “التهجير القسري” إلى جانب “الإبادة الجماعية”، وهما ركيزتا العقل الصهيوني والاستعمار الاستيطاني، الذي يعدّ بدوره امتدادًا حقيقيًا للاستعمار الغربي الاستيطاني الذي وإن نجح في استيطان أميركا وأستراليا إلا أنه هُزم في الجزائر أنغولا وجنوب أفريقيا. كما أنه يشبه إلى حد كبير الاستعمار الاستيطاني الذي أسس مملكة الفرنجة التي سقطت في المكان ذاته بعد ما يقرب من 80 عامًا من استيطانها حيث قالت أيلت شاكيد، وزيرة الداخلية سابقا، في العام 2019، إنها تدعم سياسة تشجيع الهجرة من قطاع غزة، فهي مصلحة إسرائيل وقسمٍ من سكان القطاع.. يجب التخفيف عّمن يرغب في الهجرة من هنا.
وهو ما سبق أن أكده رحبعام زئيفي رئيس حزب الاتحاد الوطني الإسرائيلي قبل مقتله بقوله “لقد زعموا أنّ هذه الفكرة (الترانسفير) غير أخلاقية، وبرأيي أنه ليست هناك فكرة أكثر أخلاقية منها، لأنها تحول دون وقوع الحروب وتمنح شعب إسرائيل الحياة”.
وإذا كانت هذه الفكرة غير أخلاقية، فإنّ الصهيونية كلها وتجسيدها خلال أكثر من مئة عام هما غير أخلاقيين. إنّ مشروع الاستيطان في أرض إسرائيل وحرب الاستقلال حافلان بعمليات ترحيل العرب من قراهم. فهل كان هذا أخلاقيًا ولم يعد كذلك الآن؟
ويفيد القول هنا، طرد السكان العرب من فلسطين منذ نهاية القرن الماضي وصولاً إلى قيام الدولة العبرية سنة 1948، والموضوع ليس عودة إلى ماض مقطوع الصلة، بقدر ما يوفره من إطلالة مثالية لفهم العقلية السائدة في إسرائيل ومسلك الزعامة الحالية فيها.
إن الإرهاب وعملية الطرد القسري للعرب سنة 1948، ورفض إسرائيل عودة اللاجئين الفلسطينيين، وترحيل اليهود العرب إلى إسرائيل، وموجة التهجير الثانية سنة 1967، ودعوات “الترانسفير” العلنية أو المبطنة بانتهاج سياسة الخنق الاقتصادي الحالية، ما هي سوى فصول من تخطيط قديم وضعته الحركة الصهيونية، وسعت لتطبيقه طوال الوقت.
علينا أن نتذكر أيضاً أن عمليات الطرد القسري، التي وقعت سنة 1948 وسنة 1967، تمت بترتيب من ديفيد بن غوريون وخلفائه من الزعماء العماليين. وكان تعليق بن غوريون التقليدي في الرد على منتقديه من اليمينيين وأولهم مناحيم بيغن: “أنتم تثرثرون ونحن نفعل”.
◙ الخطاب المتطرف حول "التهجير القسري" إلى جانب "الإبادة الجماعية"، وهما ركيزتا العقل الصهيوني والاستعمار الاستيطاني، يعدّ بدوره امتدادًا حقيقيًا للاستعمار الغربي الاستيطاني
والمؤكد أن إسرائيل تعي أن الغالبية العظمى من ضحاياها هم مدنيون، لا يربطهم رابط سياسي وبالأحرى عسكري بحركة حماس، وأن غالبيتهم أطفال ونساء وبعضهم من موظفي الأمم المتحدة، كما تدرك أن غالبية المباني التي سوّتها بالأرض هي مساكن يقطنها مدنيون لا ناقة لهم ولا جملَ في القتال الدائر، وأن بعضها مستشفيات ومساجد وكنائس أو منشآت للأمم المتحدة، وأن بعض السيارات المستهدفة كانت سيارات إسعاف، “فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة طفلا ورضيعا بقرا وغنما جملا وحماراً”، سفر صموئيل الأول 15-3.
في هذا السياق أشير إلى مدى الصحوة، ولقد آن لنا أن ندرك الآن ما يخطط له اليمين المتطرف. ولعلّه من الوجيه القول في ختام هذه المقالة إننا أمام حالة ستتسم على المدى القريب بالمزيد من التوترات، وعلينا أن نكون على حجم التحدي والثبات مع الوعي بمخططات اليمين وأهدافه التي فشلت حتى اللحظة في ثني عزيمة سكان غزة ودفعهم للهجرة إلى خارج القطاع.
وهذا الثبات يجب أن يكون هاديا لنا لرسم إستراتيجية الصراع مع الاحتلال، إن الانتباه لهذه المخططات والوقوف في وجهها، ضروريان وهامان للخروج بأقل الخسائر في هذه المرحلة، في وقت لم يبق لنا سوى الاعتماد على عزيمتنا للوقوف في وجه هذا التحدي المدمر.