التأريخ لأسباب فشل العشرية السوداء من رحيل بن علي إلى إجراءات قيس سعيد

"لعنة القصبة" إصدار جديد يوثّق أخطاء الحكومات المتعاقبة بعد العام 2011.
الأحد 2024/01/07
حكومات تجاهلت مطالب التونسيين

تونس - دفع ضعف النتائج المحققة في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والتنموية في تونس خلال السنوات الأخيرة، عددا من الكتّاب والنقاد إلى التأريخ لأساب فشل ما بات يسمى بـ”العشرية السوداء”، منذ سقوط نظام الرئيس السابق الراحل زين العابدين بن علي في يناير 2011 وصولا إلى إجراءات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021.

ويصف المراقبون تلك الفترة، بـ“العشرية السوداء” في تاريخ تونس، حيث شهدت فيها البلاد انهيارا اقتصاديا غير مسبوق، إلى جانب تفاقم الصعوبات الاجتماعية والمعيشية للمواطنين المتطلعين إلى التشغيل والتنمية الجهوية، فضلا عن التدهور الصحي الذي عمّقه  تفشي وباء كورونا بالبلاد وفشل الحكومة في مواجهته.

ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تفكيك التفاوت والفجوة بين المحافظات حيث بقيت عدة جهات في أرياف تونس ومدنها الداخلية تصارع البطالة والفقر، ما دفعها إلى الاحتجاج في ظل الوضع الاقتصادي المأزوم والتجاذبات السياسية التي عرقلت كل جهود تنمية الجهات.

وافتقرت تلك الحكومات، إلى إستراتيجيات واضحة المعالم والأهداف، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة وإقليم وترسي منوالا تنمويا يقطع مع التمييز السلبي ويعطي مسألة التشغيل والمشاريع التنموية الأولوية القصوى.

الطيب اليوسفي: كان هناك نظام هجين وأزمة سياسية مستفحلة
الطيب اليوسفي: كان هناك نظام هجين وأزمة سياسية مستفحلة

وصدر للكاتب والصحافي محمد الطيب اليوسفي، عن منشورات “ليدرز” كتاب جديد بعنوان “لعنة القصبة: تفاقم الخطايا وتراكم الفشل”.

وتصدرت غلاف الكتاب صور كل رؤساء الحكومات ما بعد 14 يناير2011 بداية من محمد الغنوشي وصولا إلى هشام المشيشي مرورا بحمادي الجبالي وعلي العريض والمهدي جمعة والحبيب الصيد ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ.

وتضمن هذا الإصدار الجديد ثلاثة أجزاء، يتناول الكاتب في الجزء الأول منه، أداء رؤساء الحكومات الذيـن تعـاقبوا على القصبة من 14 يناير2011 إلى 25 يوليو2021 وسيرهم الذاتية ومسارهم المهني والسياسي وظروف تعيينهم في مناصبهم وملابسات خروجهم من الحكم.

أما في الجزء الثاني، فيقدم قراءة في حصيلة أداء رؤساء الحكومات وما ترتّب عن ممارسات منظومة الحكم بحكوماتها وأحزابها على امتداد أكثر من عشر سنوات من تبعات وتداعيات طالت المجالات السياسية، والمالية، والاقتصادية، والاجتماعية.

وتم تخصيص الجزء الثالث لعرض ما يمكن استخلاصه من استنتاجات ودروس وعبر لتجاوز الإخفاقات، وتخطي الأزمات، واستعادة الثقة في الحاضر والمستقبل.

 ويعود الطيب اليوسفي في هذا الكتاب من خلال التفكيك والتحليل إلى الهنات والمطبات التي وقع فيها جل رؤساء الحكومات السابقين منها الإمعان في الشعبوية وإطلاق الوعود الفضفاضة وتقديم التنازلات والعجز عن إنفاذ القانون.

ويقدم اليوسفي قراءته الخاصة للمشهد السياسي في تونس انطلاقا من آداء رؤساء الحكومات، علما أنه كان قريبا من دوائر صنع القرار في القصبة حيث شغل منصب مدير ديوان الوزير الأول محمد الغنوشي ثم مدير ديوان الوزير الأول الباجي قائد السبسي بعد الثورة، ثم شغل كذلك منصب مدير ديوان رئيس الحكومة الحبيب الصيد من فبراير 2015 إلى أغسطس 2016.

تونس تعد من الدول التي عانت اقتصاديا وسياسيا بسبب هيمنة حركة النهضة على الحكم بعد 2011

وأفاد الطيب اليوسفي أن “الكتاب الجديد هو تكملة للإصدار السابق (دولة الغنيمة)، والعوامل التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس السابق الراحل زين العابدين بن علي”.

وعند سؤاله عن الدوافع التي تقف وراء إصدار الكتاب، قال اليوسفي لـ“العرب”، “هو عمل توثيقي لمرحلة فارقة في تاريخ تونس، وينطلق من اليوم الأخير لحكم زين العابدين بن علي، أي يوم 14 يناير2011 وما شهده من أحداث وتطورات أدت إلى مبارحته البلاد على عجل دون سابق إعلام لتدخل بذلك تونس مرحلة جديدة انتقل فيها ثقل مركز الحكم من قرطاج إلى قصر الحكومة بالقصبة”.

وأضاف أن “الكتاب يتناول أيضا أداء رؤساء الحكومات المتعاقبين من 14 يناير 2011 إلى 25 يوليو 2021 وما رافقه من خفايا وملابسات، كما سيكون مادة أولية للباحثين والنقاد، فضلا عن كونه عملا يهدف لاستخلاص العبر والدروس من الماضي والأخطاء السياسية المرتكبة طيلة العشرية الماضية، حيث كانت الفرص مهدورة وكان الشباب يتطلع إلى الحرية والكرامة، والحقوق السياسية والفردية، بالإضافة إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ووضع حدّ للتهميش والتصدي للتفاوت الجهوي”.

13

حكومة تعاقبت على البلاد منذ 14 يناير 2011 أغلبيتها تنتمي إلى أحزاب سياسية

وتابع اليوسفي “دستور يناير 2014 تناول عدة قضايا لكنه لم يحقق نتائج، وبعد 10 سنوات تبيّن أن هناك نظاما هجينا وأزمة سياسية مستفحلة، كما أن الحكم كانت تديره مجرّد قبائل سياسية ولم تكن هناك أحزاب سياسية وقدمت أيضا وعودا خاوية”.

وبخصوص اختيار العنوان “لعنة القصبة، تفاقم الخطايا ومراكمة الفشل”، أكد الكاتب أنه “مستوحى من لعنة الفراعنة، لأن 9 رؤساء حكومات مرّوا بالقصبة، 4 منهم اضطروا للاستقالة وهم محمد الغنوشي وحمادي الجبالي وعلي العريض وإلياس الفخفاخ، وهناك من استقال بطريقة أخرى وهو الحبيب الصيد وهشام المشيشي أيضا، كما أن يوسف الشاهد الذي كان صاحب أطول فترة على رأس الحكومة فشل في حلحلة الأوضاع المأزومة، ومهدي جمعة كذلك كوّن حزبا سياسيا، لكن رئيس الحكومة الوحيد الذي ظل معزولا هو الباجي قائد السبسي ودخل في قطيعة مع الشاهد وحركة النهضة”.

وحسب اليوسفي “يستعرض الكتاب مظاهر ما أسماه بلعنة القصبة التي أصابتهم وتبعاتها والتي لاحقت كذلك أحزاب منظومة الحكم وأفضت إلى التنكيل بالدولة وترذيل الحياة السياسية وتعميم الرداءة والتدهور الاقتصادي والتدمير الاجتماعي، كما يتطرق كتاب لعنة القصبة إلى ما يمكن استخلاصه من استنتاجات لتفادي المزيد من الانتكاسات وحتى لا يعيد تاريخ تونس نفسه كمهزلة أو كمأساة”.

محمد العربي العياري: السلطة أسست ديمقراطية توافقية ميزتها الصراعات
محمد العربي العياري: السلطة أسست ديمقراطية توافقية ميزتها الصراعات

وتعد تونس من الدول التي عانت اقتصاديا وسياسيا بسبب هيمنة حركة النهضة على الحكم بعد 2011، الأمر الذي اعتبره خبراء السبب الرئيسي للثورة عليها وإجراء انتخابات برلمانية جاءت بقوى وطنية إلى البرلمان ووضع أسس قوية لاقتصاد متكامل وقوانين جديدة تتيح المشاركة للجميع.

وتعاقبت على البلاد 13 حكومة منذ 14 يناير 2011 أغلبيتها تنتمي إلى أحزاب سياسية، باستثناء مهدي جمعة والحبيب الصيد وهشام المشيشي ونجلاء بودن وأحمد الحشاني حاليا.

وقال الباحث في العلوم السياسية، محمد العربي العياري، إن “مرحلة ما بعد 2011 هي مرحلة فارقة في تاريخ التونسيين ولا زال هناك الوقت للكتابة حولها، كما أن العشرية المنقضية هي دافع للتأريخ والكتابة، وهذا جهد يشكر عليه اليوسفي”.

وأضاف في تصريح لـ“العرب”، “الحقبة الماضية تمثل مرحلة سياسية تبلور وعي جنيني حاول تأسيس ما سمي بالانتقال الديمقراطي، لكنّ الطبقة الحاكمة أسست ديمقراطية توافقية وحمّل الواقع الاجتماعي والثقافي والتاريخي ما لا يحتمل”.

ولفت العياري إلى أن “تلك الفترة ميزتها الصراعات والتجاذبات”، مشيرا إلى أنه”حان وقت التغيير وأخذ العبرة ممّا حصل بعدم إعادة تجربة تداخل التخصصات”.

ومنيت كل مخططات الحكومات التونسية المتعاقبة لتنمية المحافظات بالفشل نظرا لغياب الإرادة السياسية والجهود اللازمة لتوفير فرص إنجاز المشاريع، فضلا عن البيروقراطية التي عرقلت الآلاف من المشاريع ما حال دون إرساء قواعد العدالة الاجتماعية وفجر الاحتجاجات الشعبية.

 

اقرأ أيضا:

       • قليل من السياسة.. كثير من الطمأنة للمستثمرين في تونس

2