نقص الحليب يؤرق المستهلكين ويفاقم مشاكل المزارعين في تونس

دعوات إلى الزيادة في الأسعار وتوجيه الدعم لمستحقيه.
الخميس 2024/01/04
معاناة يومية في البحث عن الحليب

تونس - تواصل السلطات التونسية جهودها منذ فترة لمعالجة أزمة الحليب المستفحلة، حيث باتت هذه المادة الاستهلاكية الأساسية في بيوت التونسيين ووجباتهم اليومية مفقودة من المحال التجارية لأسباب مختلفة، وتشمل خصوصا ممارسات الاحتكار والمضاربة، ونقص الإنتاج، فضلا عن تراجع قطيع الأبقار وتهريبه نحو الدول المجاورة.

وأثار النقص المسجّل في مادة الحليب استياء المستهلكين الذين يعانون يوميا للحصول على علبة حليب ويصطفّون أمام المحال التجارية لأجلها، في وقت تواجه فيه الحكومة أزمات مالية واقتصادية.

وخلقت أزمة الألبان عموما في البلاد مشاكل كبيرة للتونسيين وخصوصا العائلات التي تملك أطفالا رضّعا وكبار السنّ الذين هم في حاجة إلى تناول الحليب أكثر من غيرهم.

وتشهد تونس نقصا في إمدادات الحليب وتراجع الإنتاج بمعدل 400 ألف لتر يوميا، في الوقت الذي يتراوح فيه الاستهلاك اليومي من الحليب بين مليون و800 ألف لتر ومليوني لتر، حسب إحصائيات الإدارة المركزية لتصنيع الحليب.

أنيس الخرباش: علبة الحليب التي يحتاجها المواطن تنتفع بها المقاهي والنزل
أنيس الخرباش: علبة الحليب التي يحتاجها المواطن تنتفع بها المقاهي والنزل

 وأكد رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سعد الله الخلفاوي الأربعاء أن أزمة الحليب في طريقها إلى الانفراج مع أواخر شهر يناير الجاري باعتباره موسم ولادة الأبقار وعودة الإنتاج إلى نسقه الطبيعي ليبلغ ذروته في شهري فبراير ومارس القادمين بمعدّل 30 مليون لتر في المخزون.

وقال الخلفاوي، في تصريح لجريدة “الشروق” المحلية ، إن “النقص الكبير في مادة الحليب يعود إلى تفريط المربين في القطيع بنسبة تفوق 20 في المئة نتيجة غلاء الأعلاف بسبب الجفاف مقابل الإبقاء على السعر ذاته لمادة الحليب”.

وتسبّبت أزمة الجفاف في السنوات الأخيرة في ارتفاع أسعار المواد العلفية في تونس، إلى جانب تواصل ارتفاع أسعار المواد العلفية المركبة المخصصة للأبقار المنتجة للحليب.

وخلّف ارتفاع أسعار الأعلاف تذمّرا كبيرا في صفوف المزارعين، خصوصا مربي المواشي والأبقار، وسط تحذير من انعكاسات ندرة الأعلاف والتلاعب بمكونات ونسب تركيبتها.

ويقول مراقبون، إنّه على الرغم من التنبيه المسبق باستفحال الأزمة منذ أشهر، فإنه لم يتم القيام بأيّ إجراء من شأنه الحيلولة دون حصولها، بل إنّ الدولة فاقمتها بالترفيع في سعر الشعير المدعم الذي يصل إلى الفلاحين بسعر 300 دينار (96.98 دولار) للطن الواحد.

وأفاد أنيس الخرباش عضو المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أن “80 في المئة من الأزمة يتعلق بالإنتاج و20 في المئة منها بسبب احتكار مادة الحليب”.

وأضاف لـ”العرب” أنه من “أسباب أزمة الحليب أن المزارعين يبيعون اللتر الواحد من الحليب بـ1340 مليما (0.43 دولار) في وقت تتجاوز فيه كلفة الإنتاج الدينارين، وهو ما يستدعي زيادة في سعر الإنتاج”، لافتا أن “التغيرات المناخية أثرت على الإنتاج ولا يوجد إلى حد الآن مخزون إضافي من الحليب”.

عمر الغزواني: نقص الإنتاج ولّد احتكارا وأصبح من الصعب استرجاع القطيع
عمر الغزواني: نقص الإنتاج ولّد احتكارا وأصبح من الصعب استرجاع القطيع

وتابع الخرباش “هناك غلاء في أسعار الأعلاف المركبة مقابل تدني جودتها، وبالتالي وجب توفير الإمكانيات المالية لزرع الأعلاف الخضراء وتحلية مياه البحر في ظل ندرة التساقطات”، لافتا إلى أن “25 في المئة من القطيع مفقود بسبب التهريب والذبح، وهو ما يتطلب التفكير في إستراتيجية لتوريد الأبقار المؤصلة ودعم المزارعين لشرائها”.

وأشار الخرباش إلى أن “معدل الاستهلاك اليومي للحليب في تونس بين مليون و600 ألف لتر ومليون و800 ألف لتر، بينما لا تتجاوز كمية الإنتاج الحالي المليون و200 ألف لتر، وما يعني أن هناك نقصا في حدود 400 ألف لتر من الحليب”.

ودعا الدولة إلى “مراجعة نسبة الدعم على الحليب، حيث أن علبة الحليب التي يحتاجها المواطن العادي في المحال التجارية الصغرى تنتفع بها المقاهي والنزل، والتي تقدّم خدمات بأسعار باهظة، وهو ما يتطلب إعادة توجيه الدعم لمستحقيه”.

وتزدهر ظاهرة التفريط في القطيع خاصة لدى المزارعين في مناطق الوسط والساحل والجنوب، لأنها مناطق جافة ولا تتوفر على موارد علفية كافية. ويحمّل أهل القطاع تدهور عمليات الإنتاج الزراعي والحيواني إلى تقصير الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011، خاصة عدم تقديم الدعم للمزارعين في أوقات الأزمات.

ويرى متابعون أن حل الأزمة يتطلب تدخلا عاجلا من الحكومة التونسية، سواء من خلال توفير الدعم للمزارعين أو من خلال تشديد الرقابة على الأسواق لمنع الاحتكار والمضاربة.

وقال عمر الغزواني، مزارع ورئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بجندوبة سابقا (شمال غرب)، إن ” الأزمة ليست فجئية، بل كانت منتظرة، وحذرنا سابقا من تداعياتها، حيث كنّا نمتلك فائضا من الحليب سرعان ما تمّ إتلافه وكانت له نتائج سلبية على المزارعين وتسبب في التفريط في جزء من قطيع الأبقار”.

وأكد لـ”العرب” أن “أزمة الجفاف ونقص مياه الريّ وغلاء أسعار الأعلاف المركبة والمورّدة من الأسباب التي فاقمت الأزمة، حيث تراجع قطيع كل مزارع إلى أكثر من الخُمس”، لافتا إلى أن “نقص الإنتاج ولّد أساسا احتكارا، وأصبح من الصعب استرجاع القطيع لأن سعر البقرة الواحدة في الأسواق الأوروبية يتجاوز الـ12 ألف دينار (3.88 ألف دولار)”.

وعلاوة على أزمة فقدان الحليب، تعيش الأسواق التونسية على وقع شحّ في بعض المواد الأساسية الغذائية الأخرى، على غرار السكر والزيت النباتي والأرز والقهوة والسميد.

وكان عضو الغرفة الوطنية لمصنعي الحليب ومشتقاته علي الكلابي قد أكد، في نوفمبر الماضي، ضرورة الترفيع في سعر الحليب عند الإنتاج، لأنّ المزارعين في تونس لم يعد بإمكانهم مواصلة العمل في ظلّ غلاء كلفة الإنتاج مقابل السعر المتدنّي للبيع”.

وقال في تصريح لإذاعة محلية إنّ “كلفة الإنتاج مرتفعة بينما الأسعار على مستوى الإنتاج لم ترتفع”، معقبًا “على هذا النحو لا يمكن للمزارعين أن يواصلوا تربية الأبقار، ولهذا لاحظنا في الأشهر الأخيرة تراجع إنتاج الحليب لأنّ عديد المربّين تخلّصوا من قطيعهم”، لافتا إلى أنّه “من أجل إيقاف هذا النزيف يجب الترفيع فورًا في سعر الحليب على مستوى الإنتاج حتى يستقرّ وضع المزارع”.

4