اختلاف في تقييم الحصيلة السياسية للرئيس التونسي مع نهاية العام 2023

جهود للتصدي للفساد وتعافي الدبلوماسية مقابل صعوبات اقتصادية واجتماعية.
السبت 2023/12/30
الإصلاح ممكن رغم حجم الصعوبات

تباينت أراء الأطراف السياسية والشعبية بخصوص تقييم حصيلة الرئيس قيس سعيد في مختلف أبعادها، وعلى الرغم من وجود إجماع على تعافي بعض المجالات وخصوصا منها السياسة الدبلوماسية وفرض السيادة الوطنية وتواصل جهود محاربة الفساد، إلا أن شريحة واسعة من التونسيين تقرّ بوجود إخفاقات وأخطاء في إدارة الأزمات، فضلا عن تحفظات أخرى تشمل خصوصا مجال الحقوق والحريات.

تونس - اختلفت تقييمات السياسيين والحقوقيين بشأن الحصيلة السياسية للرئيس قيس سعيد، مع نهاية العام الجاري وقبل سنة على الموعد الانتخابي الرئاسي المقبل، فبينما عبّرت أطراف عن رضاها عن الخطوات التي قطعها سعيّد في معالجة بعض الملفات الحساسة والانكباب على الحسم في مصير أخرى، انتقدت أطراف معارضة مختلف مراحل مسيرة الرجل، معتبرة أنه لم يحسن التعامل مع عدّة قضايا أرّقت التونسيين وأرهقتهم.

وعلى الرغم من وجود توافق شعبي وسياسي بخصوص اتخاذ الرئيس سعيد لإجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 التي وضعت حدّا لتواجد المنظومة السابقة وفتحت صفحة سياسية جديدة تكرس مقومات الجمهورية الثالثة، فإنه يوجد تباين في تقييم بقية المراحل التي تلتها وتعلقت بالمحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية.

محمد صالح الجنادي: السلطة قطعت خطوات في محاربة الفساد الإداري والمالي
محمد صالح الجنادي: السلطة قطعت خطوات في محاربة الفساد الإداري والمالي

وعرفت السنة السياسية الحالية التي تشرف على نهايتها، محطات مختلفة على جميع الأصعدة، وكانت سنة “التصدي للفساد” في بعديه المالي والإداري، وسرعان ما تدارك الرئيس سعيد “الضعف الاتصالي” للفريق الحكومي الذي قادته في البداية نجلاء بودن ليعلن تغييرها بأحمد الحشاني، في مسعى لاستكمال مسار محاربة الفساد و”تطهير الإدارة من المندسين”، والحدّ من ممارسات الاحتكار والمضاربة في السلع.

وتتفق أوساط سياسية على أن يكون تقييم الحصيلة خارج منطق الإيجاب والسلب، إذ لا يمكن التحليل في ظل معارضة سعيد لصندوق النقد الدولي والإصلاحات الهيكلية، كما أنه يفترض أن تكون هذه المرحلة مرحلة التعافي الاقتصادي والمالي، لأنها جاءت بعد تداعيات جائحة كورونا وآثار الحرب الروسية – الأوكرانية.

لكنّ مراقبين يرون أنه كان من الأفضل أن يتم تدعيم الإجراءات بإصلاح تشريعي وقانوني ينطلق من البرلمان، ويسهم في مزيد تنظيم العلاقات والروابط الاجتماعية والاقتصادية، ويحدّ من تغوّل لوبيات الفساد في الإدارة التونسية.

ولعلّ ما يحسب لسعيد، التقدّم في تفكيك المنظومة السابقة وفتح ملفات تتعلق بالأمن القومي لم يتجرأ أحد على فتحها سابقا، وأسس لبرلمان جديد يقطع مع الممارسات الماضية، كما أقنع الاتحاد الأوروبي بتغيير المقاربة الأمنية في التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، علاوة على تحسن الوضع الأمني وتراجع عدد العمليات الإرهابية بالبلاد.

وقال الخبير المالي والمصرفي محمد صالح الجنّادي “هناك نمط سياسي جديد، ومن النقاط المضيئة في السنة المنقضية فرض سيادة الدولة وشخصيتها ونفوذها في مستوى العلاقات الخارجية”.

مراد علالة: هناك جرأة في التعبير عن المواقف الدبلوماسية والسياسية
مراد علالة: هناك جرأة في التعبير عن المواقف الدبلوماسية والسياسية

وأكّد لـ”العرب” أن “هناك تغيرا في العلاقات الاقتصادية من علاقات تقليدية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى انفتاح جديد على الشرق من بوابة روسيا ثم الخليج العربي وخصوصا المملكة العربية السعودية، وهو انفتاح في صالح تونس”.

وأشار الجنادي إلى أنه “تم تسجيل أرقام إيجابية مع موفى السنة الحالية، حيث، بلغ عدد السياح 6.2 مليون سائح وبمداخيل مالية بلغت 1.9 مليون دولار، فضلا عن تراجع نسبة التضخّم من 10 في المئة إلى 8.3 في المئة، ونسبة المديونية بشكل طفيف من 131 مليار دينار (42.75 مليار دولار) إلى 129 مليار دينار (42.10 مليار دولار)، بالإضافة إلى خلاص نسبة مهمة من الديون الخارجية للبلاد”.

وثمّن الخبير المالي “الخطوات التي قطعتها السلطة بهدف محاربة الفساد الإداري والمالي، لكن يجب تكثيف تلك الجهود مع تعزيزها بترسانة قانونية واستشارة مع الخبراء والشركاء”، لافتا إلى “وجود تعامل إيجابي مع ملف الهجرة غير النظامية حتى تكون تونس شريكا إستراتيجيا لأوروبا بدل الاقتصار على المقاربة التقليدية بحماية الحدود، وعموما هناك مؤشرات إيجابية للإصلاح والبحث عن حلول، وتونس قادرة على التحسّن في المستقبل، شريطة جلب الاستثمار الخارجي ودعم علاقات الشراكة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية”.

ولا يزال الاقتصاد التونسي يتكبّد خسائر فادحة بسبب تداعيات جائحة كورونا، وسط تفاقم الأزمة المالية وتردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية، إثر فقدان المواد الاستهلاكية الأساسية وتزايد مستوى الأسعار في السوق.

ولم تكن تونس بمعزل عن ارتدادات الحرب الروسية – الأوكرانية التي جدّت في مارس 2022، حيث تستورد القمح من هاتين الدّولتين المتناحرتين.

نجاة الزموري: الوضعية الحقوقية صعبة وعلى سعيد أن ينفتح على الجميع
نجاة الزموري: الوضعية الحقوقية صعبة وعلى سعيد أن ينفتح على الجميع

وأثرت هذه الحرب على تزوّد تونس بهذه المادّة الأساسية التي تُعتمد في صنع الخبز ومختلف أنواع المعجّنات، حتى أصبح التونسي مهدّدا في قوت يومه.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة أن “هناك سنة بيضاء على المستوى الاقتصادي والأمور لازالت تراوح مكانها في ظلّ فقدان المواد الأساسية في الأسواق مع غلاء الأسعار”، لافتا إلى أنه “على المستوى السياسي يوجد عزوف وعدم حماسة لجدوى المشروع السياسي للرئيس”.

لكنه استدرك في تصريح لـ”العرب” بقوله “على المستوى الدبلوماسي هناك جرأة في التعبير عن المواقف، والمسألة السياسية، حيث تكلمنا بالصوت العالي مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، فضلا عن كونه هناك حيوية مجتمعية وسياسية بالنظر إلى نشاط الأحزاب ومكونات المجتمع المدني، كما عقدت الأحزاب مؤتمراتها بصفة عادية”.

ولفت مراد علالة  إلى أن “ما يعاب على الرئيس سعيد هو الطريقة الأحادية في تسيير الأمور على الرغم من وجود توافق حول توصيف الوضع بكونه سيّئا تبعا للتركة الثقيلة التي تركتها الحكومات المتعاقبة بعد 2011، وهو ما قد يدفع نحو الانفتاح على المجتمع”.

واستطرد قائلا “ليس هناك خطاب مطمئن للتونسيين، ولا بدّ من الإسراع في التجاوب مع مختلف المؤسسات”.

في المقابل، توجد انتقادات للحصيلة الرئاسية في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، مع إقرار البعض بتراجع هامش الحريات والحقوق المدنية والسياسية.

ناجي جلول: مشاكل التونسيين تفاقمت أمام طوابير الخبز والسكر
ناجي جلول: مشاكل التونسيين تفاقمت أمام طوابير الخبز والسكر

وأفادت نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نجاة الزموري أنه “من منظور حقوقي فالوضعية تعتبر صعبة ولا تعكس الخطاب الذي تبناه الرئيس سعيد منذ تولّيه مقاليد السلطة، حيث تمت ملاحقة بعض الناشطين في المجتمع المدني والمدافعين عنهم”.

وقالت لـ”العرب” إن “من النقاط الإيجابية للرئيس أنه كان منسجما مع الحقوقيين في تنقيح مجلة الانتخابات، رغم التحفّظات على اعتماد غرفتين (البرلمان والمجالس المحلية)، كما يحسب له الموقف المساند للقضية الفلسطينية والتقاء مواقفه مع مختلف الأطراف في هذه المسألة”.

وتابعت الزموري “الرئيس سعيد أعلن أنه سيحارب ظاهرة الفساد، لكن تبيّن أن محاربتها تتطلب تظافر مختلف الجهود في وقت يعتقد فيه الرئيس بأنه سيقضي على الفساد منفردا”، موضّحة “الرئيس ليس قادرا على محاربة لوبيات الفساد لوحده، ومن الضروري أن ينفتح على بعض الأطراف والشخصيات النزيهة والخبراء، مع فتح قصر قرطاج لكل من يسعى لإصلاح الوضع”.

بدوره، أفاد ناجي جلول رئيس حزب الائتلاف الوطني التونسي أن ” السياسة قبل كلّ شيء إنجاز، والرئيس سعيّد لم يقدم برنامجا واضحا للتونسيين”.

وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “النقطة المضيئة الوحيدة هي إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، لكن تتالت بعدها الإخفاقات وتفاقمت مشاكل الفئات الشعبية أمام طوابير الخبز والسكر ومختلف المواد الغذائية”.

وسعيد القادم من خارج منظومة الأحزاب والمعروف لدى التونسيين بنظافة اليد والتوجه نحو تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي، يصطدم بتركة ملفات ثقيلة توارثتها الحكومات السابقة، ويجد نفسه اليوم أمام رهان معالجتها مع حساسية القضايا الإقليمية والدولية.

4